إنهاء الحصانة يبعث القلق في نفوس المتعاقدين الأمنيين في العراق

مخاوف من محاسبتهم على جرائم سابقة بعد دخول الاتفاقية الأمنية حيز التطبيق

TT

يجد آلاف المتعاقدين الأمنيين بالعراق ـ والذين كانوا جميعا فوق القانون العراقي منذ بداية الحرب ـ انفسهم في مواجهة حقبة جديدة بصورة مفاجئة، وفيها لن تحميهم جوازات السفر الأميركية التي يحملونها من أن يتم اعتقالهم، أو الزج بهم في السجون. فعندما صادقت الحكومة العراقية على الاتفاقية الامنية الأسبوع الماضي، فانها حددت بنودا جديدة لاستمرار الوجود العسكري الأميركي بالعراق، فالمتعاقدون الأمنيون العاملون مع البنتاغون سيخضعون حتما لتجريدهم من الحصانة التي كانوا يتمتعون بها من القانون العراقي، والتي منحتهم إياها سلطة الائتلاف الموحد قبل تشكيل حكومة ما بعد الحرب العراقية. والآن، بات واضحا أن الحماية القانونية التي كان المتعاقدون الأمنيون يتمتعون بها في طريقها إلى الزوال، ولذا يحاول مسؤولو الصناعة التعاقدية الدفاعية فهم إلى أي مدى ستتغير عملياتهم الأمنية بالعراق؟ وكم عدد موظفيهم الأميركيين الذين سيعودون إلى أوطانهم؟ وهل سيمثل النظام القضائي العراقي الضعيف بل والفاسد في بعض الأحيان عائقًا في سبيل تعيين أو تجنيد العاملين الغربيين (في إشارة إلى حراس الأمن)؟ وإذا ما وافق المجلس الرئاسي العراقي ـ كما هو متوقع ـ على الاتفاقية فستدخل حيز التنفيذ مع حلول غرة يناير (كانون الثاني). وحتى الآن، لم تعلن أي شركة كبرى تعمل بالعراق عن خطط لها بسحب نشاطاتها ومغادرة البلاد. ويقول خبراء هذه الصناعة، إنهم في الوقت الذي ستبقى فيه الشركات بالبلاد، سيجبرون على التعويل على الموظفين العراقيين بدلاً من الأجانب، حيث من الممكن أن يخشوا بعد ذلك من العمل دون الحصانة القانونية. وأحجم المتحدثون باسم العديد من الشركات التعاقدية الكبرى عن التعليق على تغير الوضع القانوني بالعراق، فيما أشار آخرون إلى أنه من المبكر للغاية التنبؤ بتأثير هذا الأمر. ويقول البعض إن الأميركيين العاملين بالعراق سيراقبون كيف ستتعامل الحكومة العراقية مع سلطاتها الجديدة، كما سينتظرون رؤية ما اذا كان سوف يحدث أي اعتقالات اعتباطية أو صدور أحكام قضائية موصومة بالفساد أم لا، قبل أن يقرروا بقاءهم بالعراق من عدمه. ويقول أحد المسؤولين القريبين من الصناعة التعاقدية، «أعتقد أن تساؤل ماذا سيعني هذا بالنسبة لتجنيد الموظفين الأميركيين يعد معقدا. وأعتقد أن (إجابته) ستعتمد على القضية الأولى، وما إذا كان سوف تتم معالجتها وتناولها بطريقة مسؤولة، أم سيتم ترك شخص ما في السجن من دون عون أو مساعدة. وإذا ما حدث هذا، فسوف تنعكس الآية، كما سيكون لهذا تأثير فاتر على تجنيد الأفراد». وتجدر الإشارة إلى أن هناك أكثر من 170.000 متعاقد في الوقت الحالي يعملون مع الجيش، والهيئات الأميركية الأخرى بالعراق، وهو رقم يزيد على العدد المجمل للقوات الأميركية بالعراق. وطبقًا لإحصاءات الوزارة، فإن 17% فقط من هؤلاء المتعاقدين من الأميركيين، ونصفهم من العراقيين، والثلث من دول أخرى. إلا أنه مع زوال الحصانة القانونية، من المتوقع أن تنخفض نسبة الأميركيين سريعا. ومن أكثر الأمور المقلقة بالنسبة للمتعاقدين، قلة التفاصيل التي توضح كيفية عمل الاتفاقية الأمنية. وثمة تساؤل مهم يشغل خلد المتعاقدين، ألا وهو هل ستتمكن الحكومة العراقية بموجب هذا الاتفاق من محاكمة الأميركيين على الجرائم السابقة. يُذكر أن ما زاد من إصرار الحكومة العراقية بصورة كبيرة على إنهاء الحصانة القانونية بالنسبة للمتعاقدين هو عمليات إطلاق حراس شركات الأمن – ومنها شركة بلاك ووتر التي لديها عقد لحراسة الدبلوماسيين الأميركيين ببغداد ـ للنيران عشوائيا على المدنيين العراقيين؛ ففي سبتمبر (أيلول) 2007، تورط حراس شركة بلاك ووتر في عملية إطلاق للنيران بوسط مدينة بغداد، حاصدين أرواح 17 عراقيا على الأقل. وعقب الحادث، طلبت الحكومة العراقية أن يتم طرد شركة بلاك ووتر من البلاد، وأن يخضع أفرادها للمساءلة. إلا أنه وعلى الرغم من الاحتجاجات، استمرت الخارجية الأميركية في استخدام نفس الشركة في بغداد، وهذا على الرغم من إجراء وزارة العدل لتحقيق جنائي حول حادث إطلاق النار. وأدت حقيقة استمرار شركة بلاك ووتر في العمل بالعراق، إلى موقف الحكومة العراقية المتصلب بشأن رفع الحصانة القانونية عن المتعاقدين خلال مفاوضاتها مع الحكومة الأميركية. ويقول مسؤولو الإدارة الأميركية، ومديرو الصناعة التعاقدية الأمنية، إنه ما زال من غير الواضح إذا ما كانت الحكومة العراقية سوف تبدأ تحقيقا جنائيا خاصا بها بشأن حادث إطلاق النار من قبل موظفي بلاك ووتر أم لا.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»