ولاية في دلتا النيجر «تشتري» السلام عبر منح المسلحين عقودا مغرية في شركات البترول

السكان ينتقدون الإجراءات ويرونها مؤقتة وغير فاعلة

TT

مع دخول ظلام الليل وازدياد قوة الشعلة على منصة استخراج الغاز، وصل رجال البترول والسياسيون والمسلحون بالقوارب، في مجموعات صغيرة من أجل الاحتفال بافتتاح منتجع 911، وهو عبارة عن فيلا لم ينته تشييدها بعد، ويمكن الوصول إليها بالقوارب فقط على الحافة الخارجية لروافد دلتا النيجر الغنية بالبترول. وكان بين جمهور الحاضرين في المنتجع، الذي حصل على اسمه من العملية 911، التي شنها الجيش النيجيري ضد المسلحين، وزراء الدولة ومتعهدو البترول الأميركيون ورجال أعمال لبنانيون يتحدثون مع مسلحين تحولوا إلى سياسيين محليين، قبل أن يجلسوا جميعا الى موائد طويلة تحمل زجاجات الخمور والشمبانيا. وكان مئات من الريفيين يشاهدون من خلف سور من الأسلاك الشائكة، بينما كان ممثلون كوميديون وعازفون يقدمون عروضهم للضيوف.

كان هذا المشهد الذي يبدو غير واقعي، أمرا يفوق الخيال منذ عامين، عندما كانت هذه المنطقة النائية في جنوب نيجيريا تمر بفترة مريعة من حوادث الاختطاف والقتل وتخريب خطوط الأنابيب.

وقال أحد العاملين الأميركيين في البترول، الذي حضر الافتتاح، ولم يرغب في ذكر اسمه لأن قوانين الشركة تمنع التحدث للصحافة: «إن حقيقة ذهابي إلى هناك بدون حراسة اشارة قوية، لكن ما زالت المنطقة في موقف صعب».

وعلى مدار عدة أعوام، كانت دلتا النيجر تعاني من عدم الاستقرار الذي تسبب به مسلحون يختطفون عمال البترول الأجانب أو الأغنياء من النيجيريين، من أجل الحصول على فدية، ويشتبكون مع الجيش، ويخربون خطوط أنابيب البترول. وبينما يتم ضخ بترول بقيمة مليارات الدولارات سنويا من نيجيريا إلى الخارج، يحصل المواطن النيجيري المتوسط على أقل من دولارين في اليوم. ويدعي المسلحون أنهم يقاتلون لصالح السكان المحليين، الذين لا يحصلون على نصيبهم من ثروات البترول، ولكن غالبا ما يتضح من تصرفاتهم أنها أعمال إجرامية هدفها الربح.

وبينما تستمر ولايات أخرى في المنطقة في المعاناة من العنف بين العصابات المسلحة والجيش، وجدت ولاية الدلتا، تحت قيادة محافظها إيمانويل أدواغان بعض السلام. وقد حققت ذلك ليس بمحاربة المسلحين بل بجذبهم إلى الحكومة والتأكد من حصولهم على عقود ثمينة من شركتي البترول، شيفرون ورويال داتش شل، اللتين تقومان بأعمال البترول هنا.

وصرح الجنرال النيجيري المتقاعد هنري كلارك، الذي كان يتابع الموقف في دلتا النيجر، وشقيقه زعيم إقليمي بارز: «لقد وفرت حكومة الولاية ظروفا جيدة وكانت براغماتية للغاية. ويستعين حاكم الولاية بالمسلحين، لقد دفع لهم. فأعطاهم مناصب في الحكومة ومنحهم سلطة، وتلك هي آثار مضاعفة الأموال. في الوقت الذي يرى فيه الأشخاص تنمية اقتصادية سيأتون إلى جانبك». وبينما سمح السلام النسبي بوجود أحداث مثل افتتاح منتجع 911، تعرضت الوسيلة التي تم بها تحقيق السلام لهجوم حاد من المحللين الذين يشعرون بأن الحكومة المحلية تتعامل مع قنبلة موقوتة.

وذكر دامكا ويبا، من شبكة معنية بالدفاع عن سكان الدلتا «إن هذا ليس بسلام، ولكنه هدوء. ولا أعتقد أن ذلك يعد ذكاء لأن الأمور في النهاية ستنقلب دفتها. إنهم في حاجة إلى تناول القضايا الحقيقية الأساسية. ولا يوجد شيء مما يفعله الحاكم سيستمر».

وقد برز اسم أدواغان، الطبيب السابق الذي تولي السلطة عام 2007، بسبب منهجه البراغماتي في التعامل مع المسلحين.

وكان أهم وأكثر القرارات إثارة للجدل هو قرار الحاكم أدواغان تعيين قادة المسلحين في مواقع حكومية. ويرأس أحد الهيئات المنشأة حديثا على وجه الخصوص، لجنة أمن الممرات المائية في ولاية الدلتا، ويعمل بها أيضا عدد من المسلحين السابقين، أو «الناشطين الشباب»، كما يطلق عليهم محليا.

وقد أدرك المسلحون الناشطون في روافد الدلتا مميزات هذا الاتجاه وقدموا تنازلات لحكومة الولاية في مقابل تقديمها المساعدة المالية أو عقود مع شركات البترول والإنشاءات.

وصرح جورج تيمينيمي، أحد زعماء المسلحين السابقين، الذي أصبح حاليا عضو لجنة أمن الممرات المائية في ولاية الدلتا: «إن إدراج الناشطين في الحكومة ضرورة لأن إحدى المشاكل الماضية كانت الإبعاد السياسي، وقد تم حلها. وتتطلب التنمية المرور بمراحل تدريجية. وشركات البترول تبذل قصارى جهدها، وليست الشركات فقط، فبمجرد أن يرى الناس عمليات التنمية سيكون هناك سلام دائم».

ويجد أدواغان نفسه في مأزق بسبب رغبة شركات البترول في التعامل مباشرة مع المسلحين، مما يجعلهم أقوياء بعيدا عن سيطرة الولاية. وقد صرح في خطاب ألقاه أخيرا: «يكمن الاتجاه الخطير الآن في منح شركات البترول عقودا للمسلحين. ويحق لسكان ولاية الدلتا الحصول على هذه العقود من شركات البترول، وأدعو شركات البترول إلى الاستمرار في منح العقود للمجتمعات المحلية».

ولم يذكر الحاكم من كان في ذهنه، وهو يدلي بتلك التصريحات، ولكن أشار مسؤولون محليون سريعا إلى زعيم مسلح يعرف باسم توم بولو، الذي يذيع صيته كأقوى شخص في المنطقة. ويتخذ بولو، الذي يتميز بشخصيته الغامضة وكونه محلا للتكهنات المستمرة، مواقع استراتيجية هو وحلفاؤه في جميع أنحاء الولاية، وهو يجني مبالغ مالية كبيرة من شركات بترول متعددة الجنسيات ومن الحكومة النيجيرية لعمله على تأمين خطوط أنابيب البترول التي تمر عبر دلتا النيجر.

ويقول أحد المحللين الغربيين: «يحصل بولو على المال من شيفرون وشل وشركة البترول الوطنية النيجيرية. والطريقة الوحيدة لإنجاز أي شيء يجب أن تمر عبره».

يعمل شقيق بولو في الوقت الحالي سياسيا محليا، ويسير نوابه في الشوارع الرئيسة في الولاية بسيارات بي إم دبليو ومرسيدس، حيث لا توجد قوات من الشرطة أو الجيش. وقد رفض بولو، المعروف بعزلته، إجراء حوار معه من أجل هذا الموضوع، على الرغم من مفاوضات استمرت لمدة أسبوعين مع مساعدين ثانويين. وحتى إذا خططت الحكومة لكبح جماح بولو، وهذا لا يمكن تأكيد حدوثه، يظل المدافعون المحليون عن حقوق الإنسان يشككون في أسلوب أدواغان، ويسمونه إسعافات أولية لن تؤدي إلا إلى مشاكل أكبر.

يقول كريس ألاغوا، من أمانة السلام والأمن في دلتا النيجر، وهي منظمة مدنية: «أعتقد أنها عملية شراء سلام مؤقت، فلا يمكنهم الاستمرار في منح المسلحين عقودا مربحة وأموالا إلى الأبد. وسوف يتعاونون اليوم، ولكن إلى متى سيستمر ذلك. في مرحلة ما سينفجر الوضع وسيدركون أنه تم استغلالهم وأنهم ليسوا جزءا من المؤسسة. ويبدو ذلك مثل التغطية على المشكلات وتركها حتى تتفاقم».

* خدمة «نيويورك تايمز»