الصدريون يناضلون للحفاظ على دورهم السياسي مع صعود نجم أحزاب أخرى

مساعد للصدر: نتحلى بالهدوء حتى تتصادم أطراف الائتلاف الحاكم فيما بينها حول مجالس الإسناد

حازم الأعرجي يستمع إلى أحد سكان مدينة الصدر («واشنطن بوست»)
TT

كان أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر يمتلكون القوة الكافية لشن حرب ضد القوات الأميركية أو لعب دور بارز في اختيار رئيس الوزراء والإعلان عن أنفسهم كحماة حقيقيين للشيعة في العراق.

بيد أن موافقة البرلمان، الأسبوع الماضي، على الاتفاقية الأمنية التي تنص على انسحاب القوات الأميركية من العراق بنهاية عام 2011 والذي يعتبره أنصار التيار الصدري بعيدًا جدًا قد أضعف من تأثير الحركة، وصار أنصارها في موقف دفاعي يناضلون من أجل الحفاظ على دورهم السياسي في الوقت الذي يتضاءل فيه النفوذ الأميركي في العراق وتتعاظم فيه مكانة رئيس الوزراء نوري المالكي.

وأثار تمرير الاتفاقية حفيظة حازم الاعرجي كبير مساعدي الصدر، حيث ندد من داخل الضريح ذي القبة الذهبية في حي الكاظمية ببغداد بأعضاء البرلمان بالقول «إنهم تجاهلوا أفكارنا وآراءنا عندما وقعوا الاتفاق»، وأضاف «إنهم لم يكترثوا بكل الشهداء الذين قدموا دماءهم لمحاربة الاحتلال».

ويقف الأعرجي، الذي يبلغ من العمر 39 عامًا، في وسط مركز الصدر الذي يسعى من خلاله إلى تشكيل أتباعه في صورة حركة دينية واجتماعية ليتمكن من الحفاظ على شعبيته. ويصر الشيعة خلال المقابلات التي تجرى في بغداد أو تلك التي تتم في النجف، حاضرة الشيعة في العراق، حيث يختلف الشيعة إلى قادتهم الدينيين، على أنهم لا يزالون يمتلكون القوة على تقسيم العراق أو توحيده. وقد قام مئات الآلاف من الزوار الشيعة في أحد الأيام الأواخر من شهر يوليو (تموز) شديدة الحرارة بالاحتفال بالذكرى السنوية لمقتل أحد كبار أئمة الشيعة. ونصب مقاتلو الاعرجي عشرات الخيام على الطريق من الجنوب الذي تقطنه أغلبية شيعية لتزويد الحجاج بالماء والطعام والمأوى وأماكن العبادة. وفي الماضي كان رجال الميليشيا يقومون بدور حراسة الزوار أما الآن فيقوم رجال الشرطة العراقية بذلك الدور.

وبالقرب من ضريح الإمام موسى الكاظم أقام الاعرجي الذي يرتدي العمامة السوداء، مجلسه في مسجد صغير، حيث جلس على وسادة صفراء في مواجهة الباب الأمامي للمسجد يدخن لفائف التبغ ويمسك بيده مسبحة خضراء تحسبًا لدخول القوات العراقية المكان من دون إنذار.

وفي إحدى القواعد العراقية القريبة قال اللواء كريم الخزرجي قائد الفرقة الثانية في الشرطة الوطنية وعلى وجهه تبدو ابتسامة النصر إثر نجاح قواته في القبض على عدد من رجال الأعرجي بمن فيهم حراسه الشخصيون.

وقال الخزرجي، أحد أبناء بلدة الدجيل، معقل حزب الدعوة الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي «إنني أسيطر على الكاظمية 100%، لقد انتزعنا منه كل قوته، ولا يمكن للاعرجي القيام بشيء الآن في المدينة». وكانت قوات الخزرجي المدعومة من القوات الأميركية قد ألقت القبض على عدد من قادة الاعرجي وصادرت الأسلحة، وهرب الكثيرون من المقاتلين، وقال الاعرجي إن رجاله لم يتبادلوا إطلاق النار بسبب حظر إطلاق النار الذي فرضه الصدر العام الماضي على ميليشيا جيش المهدي، غير ان الخزرجي لم يستطع اعتقال الاعرجي «لأنه يمتلك نفس قوة مقتدى الصدر، مما سيحول المسألة إلى أزمة سياسية»، ويضيف الخزرجي «إن الحكومة ترغب في أن تظل البلاد في حالة من الهدوء». وفي يوم سابق من ذلك اليوم، دخل ضابطا شرطة إلى مسجد الاعرجي، وقبلا يده اليمنى، وطلبا على استحياء أن يتم التقاط صور لهما معه. ويقوم الاعرجي، ومعه تسعة من كبار الموالين بمراقبة الحكومة، وتنفيذ أوامر الصدر. وعندما أصدر الصدر أوامره بفرض وقف لإطلاق النار في أغسطس (آب) 2007 لإعادة هيكلة جيش المهدي، قامت لجنة الاعرجي على الفور بتنفيذ هذا الأمر. وعمدت الجماعة إلى معاقبة والتخلص من الأعضاء القاسين من الذين تسببت مخططاتهم الوحشية في تقليص شعبية الصدر ومطامحه بأن يكون موحد العراق.. واتهم الاعرجي والزعماء الصدريون الآخرون منافسيهم الشيعة في الائتلاف الحاكم بنشر القوى العراقية لإضعاف الحركة، إلا أن الحكومة أصرت على استهداف المجرمين فقط. ورغم وصول المالكي إلى سدة الحكم عام 2005 بدعم من الصدر، إلا أن رئيس الوزراء أمر في مارس (آذار) الماضي بعمل هجومي على فيالق جيش المهدي والميليشيات الأخرى جنوبًا بمدينة البصرة. وانتهت الصدامات – التي وصلت إلى بغداد ـ فقط بعد أن وافق الصدر على الهدنة التي توسطت إيران للوصول إليها. وقال الاعرجي: «كان المالكي صديقي في سورية، ولكن عندما أصبح رئيسًا للوزراء، نسي كل أصدقائه. وشرع في مهاجمتنا». وفي النجف وبغداد، كانت صور والد الصدر ذي اللحية البيضاء معلقة على الجدران وفي المساجد. ومن خلالها، كانوا يؤيدون القيام بالحملات الدينية، والتعليمية، والخدمات الاجتماعية وأطلق على هذه الحملة «الممهدون». وكان من المتوقع أن يكون المحاربون مثالاً للمجتمع العراقي، وذلك عبر تأديتهم للشعائر الإسلامية اليومية، وانخراطهم في الخدمة الاجتماعية أيضًا. وكان الهدف النهائي إنشاء حركة نظامية منضبطة، على غرار حزب الله ـ المنظمة اللبنانية الشيعية المسلحة، إذ يقول الاعرجي «إننا معجبون بهم (حزب الله)». وبينما كانت تسعى للتغيير، استمرت حركة الصدر في مجابهة التحديات الداخلية. ويقول صلاح العبيدي ـ كبير مساعدي الصدر: «هناك أناس داخل جيش المهدي غير مقتنعين بعد بالاتجاه الجديد، فهم لا يتحلون بالصبر الكافي للصمود أمام التصرفات الحكومية العدوانية». وفي هذا العام، تم اغتيال اثنين من الزعماء الصدريين المعتدلين ـ وهم رياض النوري، وصالح العكيلي، وزُعم أن ذلك حدث على يد الفصائل الساخطة داخل الميليشيا. وبات واضحًا أنه حتى أكثر المحاربين الموالين للصدر يعلنون عن إحباطهم، زاعمين أن وقف إطلاق النار أضعفهم. ويقول حسن محمد خادم، نائب زعيم جيش المهدي في الديوانية: «جميعنا يرغب في الشهادة بدلاً من الانصياع إلى وقف إطلاق النار». ولا يخطط الصدريون في خوض مرشحيهم غمار الانتخابات المحلية، المزمع عقدها طليعة العام القادم. وسيطلبون من مؤيديهم، وتابعيهم دعم المرشحين المستقلين ممن بإمكانهم تولي زمام الأمور. ويعتبر هذا الأمر مخططًا للبقاء جزئيًا: فمنافسوهم من المجلس الأعلى الإسلامي بالعراق، وجناحه العسكري: منظمة بدر، بالإضافة إلى حزب الدعوة يسيطرون على المراكز الهامة في الحكومات المحلية، وداخل الجيش، والشرطة. ويقول الاعرجي: «إنهم يريدون أن تتلاشى حركة الصدر». تجدر الإشارة إلى أن المجلس الإسلامي الأعلى – بقيادة عبد العزيز الحكيم، يرغب في تقسيم العراق إلى أقاليم فيدرالية، الأمر الذي يعارضه الصدر. فالجنوب غني بالنفط، ويضم مدينتي النجف، وكربلاء المقدسة، بؤرتي الإسلام الشيعي، وبالتالي سيجلب السلطة، والهيمنة، والثروة لمن يسيطر عليه. وقد بدأت التوترات في الظهور بين شركاء التحالف الحاكم؛ فقد عمل المالكي على تشكيل مجالس من شيوخ القبائل لتعزيز سيطرة الحكومة المركزية، لكن المناصرين للحكيم والأكراد اتهموا المالكي وحزب الدعوة باستخدام تلك المجالس في دعم النفوذ في المناطق التي يفتقد فيها الدعم. وقد رأى الصدريون في ذلك فرصة، فيقول العبيدي «ما يجب التحلي به هو الهدوء لمنح الفرصة للأحزاب السياسية للتصادم فيما بينها».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»