السلطة وإسرائيل: رجال أعمال حماس يشغلون شبكة مؤسسات تجارية ضخمة ومنظمة في غزة

الحركة تقيم نظاما اقتصاديا متكاملا يضاعف أرباحها ويعتمد على دعم خارجي

TT

في الضفة الغربية، تنتشر مئات المؤسسات التجارية الكبيرة، التي يقودها رجال اعمال حماس، يعملون في كل شيء، يقيمون مدارس ورياض أطفال وجمعيات خيرية ودور حضانة. يملكون محلات صرافة، وجمعيات استهلاكية، ومعارض ضخمة للألبسة، والمفروشات، والأجهزة الكهربائية، والسيارات، والكمبيوتر، والمطاعم. ويملكون وسائل إعلام محلية، ويصدرون بضائع ويستوردون. تقول السلطة، وإسرائيل، ان كل ذلك يعود لحماس، «العدو اللدود»، وبهدف تفكيك هذه الامبراطورية المالية، شن الإسرائيليون عدة هجمات وأغلقوا عدة جمعيات، وكذا فعلت السلطة التي اعتقلت عشرات من اصحاب هذه المشاريع. وقال مصادر لـ«الشرق الاوسط» «ان بعض رجال اعمال حماس الذين اعتقلتهم السلطة اعترفوا بأنهم يديرون مؤسسات بملايين الدولارات». وذكرت مصادر أمنية لـ«الشرق الاوسط» «ان جمعيات ومؤسسات بعضها تعليمي كانت تمول شراء أسلحة لحماس وتدعم بنيتها التحتية». واكد مصدر قريب من حماس لـ«الشرق الاوسط» ان الحركة تملك فعلا «دولة مؤسسات». وهي شبكة مترابطة وقوية تدعم بعضها بعضا. وضرب مثلا بقوله، «اذا ما احتاجت مؤسسة كبيرة تابعة لحماس عشرات اجهزة الكومبيوتر مثلا، فهي تعرف الى أين ستذهب.. الى مؤسسة تابعة لحماس، وإذا ما احتاجت مؤسسة اخرى سيارات، ستشتريها من معرض تابع لحماس»، واضاف «هذا نظام اقتصادي متكامل في الحقيقة وتبقى الارباح تتضاعف». ومنذ سنين، تسعى اسرائيل لضرب هذا النظام، بل انها حرضت السلطة على شن المزيد من الهجمات ضد مؤسسات تابعة لحماس او يشتبه بانها على صلات مع الحركة. وكان رئيس ما يعرف بالإدارة المدنية في الضفة الغربية، «يوأف مردخاي» قال «ان على السلطة الفلسطينية ان تدرك ان حماس تدير حكومة خاصة بها داخل الحكومة الفلسطينية منذ سنين طويلة». مضيفا، «ان البنية التحتية المدنية الحمساوية تعتبر اساس بنيتها العسكرية». وكانت اسرائيل قد داهمت وأغلقت جمعيات ومدارس ومؤسسات تابعة لحماس، وصادرت ممتلكاتها بدعوى انه تدعم «الارهاب». وجاءت الهجمة الاسرائيلية بالتوازي مع اخرى فلسطينية، إذ قامت السلطة بعزل ادارات بعض الجمعيات وتعيين إدارات جديدة لتسييرها، فضلا عن أنها تفرض رقابة مشددة على نشاطاتها. وهو ما امتدحه الجيش الاسرائيلي مؤخرا. ويقول مسؤولون عسكريون إسرائيليون، إن «إغلاق المؤسسات يجفف مدخولات الحركة» وان «ضرب مؤسسات الحركة أمر ضروري لتعطيل نشاطات الحركة لمنعها من تحقيق أهدافها». وقالت مصادر لـ«الشرق الاوسط» «ان الحركة تشغل امولا طائلة وكبيرة في السوق، عن طريق اشخاص ورجال اعمال محسوبين على حماس، وغالبا ما تصنع حماس هؤلاء رجال الاعمال، عبر تمويلها لهم بمبالغ طائلة لافتتاح مشروع ما. وبحسب المعلومات فان هذه المؤسسات تعتبر بعد نجاحها ملكا حماس»، وقال المصدر، «في الحقيقة، انها مؤسسات حماس ويديرها رجال اعمال حتى لا ينكشف الأمر». وبحسب المصادر، فان الحركة فعلا تعرضت «لهزات اقتصادية» في الضفة الغربية، بعد سقوط شبكات مالية مؤخرا بفعل تحقيقات السلطة. وقال احد ابناء «شهداء حماس» لـ«الشرق الاوسط» «الوضع أصبح صعبا جدا، ينقطع الدخل الشهري الذي كانت تؤمنه لنا الحركة لعدة شهور، وكل حساباتنا اصبحت مراقبة».

وتراقب السلطة حسابات انصار حماس في البنوك. وتتهم حماس هذه البنوك انها تتعاون مع السلطة، وتستدعي السلطة كل من يشتبه بان حوالة مالية وصلته من مصادر «مشبوهة». وقال احد التجار لـ«الشرق الاوسط» «استدعوني قبل ايام لسؤالي عن شيكات صادرة وواردة، لكن هذا مجال عملي ولم يصلوا لشيء».

وقالت المصادر «في الغالب لا تنجح السلطة بإثبات ان حماس تقوم بغسيل اموال». لكن الرئيس الفلسطيني نفسه قال ان كثيرا من المعتقلين في سجون السلطة يقومون بغسيل أموال. وقالت المصادر «بالعادة يتم اخفاء مصدر التمويل الاول، اي النشأة، بأي ذريعة لكن كثيرين اعترفوا مؤخرا».

ولجأت حماس الى «حيل» اخرى، في تحويل الأموال بدل البنوك، واستخدمت صيارفة في الضفة الغربية، وبحسب المصادر بعضهم اعترف بإدخال اموال لحماس. وكان الجيش الاسرائيلي، قد شن حملة واسعة، تحت اسم «البدلة الشخصية»، لاعتقال صيارفة قبل شهور، وأغلق عددا من محلات الصرافة، وصادر مبالغ مالية تصل الى 3 ملايين شيكل (حوالي 850 الف دولار). وقال انه وضع يده على وثائق هامة خلال تفتيش منازل 14 صرافا. وقالت اسرائيل، ان الاموال تأتي من منظمات خارج البلاد الى حساب صيارفة عرب ومن ثم الى حساب الصيارفة الفلسطينيين، من دون رقابة السلطة الفلسطينية، ومن ثم تنتقل الى ناشطي التنظيمات الفلسطينية، لشراء اسلحة وعتاد لتنفيذ عمليات.

على احد تلال بيت لحم، تقف عمارة ضخمة، تعود لإحدى الجمعيات التابعة لحماس، تعتبرها اسرائيل احد انجازات حماس، ولذلك اغلقتها، لكن دون ان تستطيع اثبات ان تمويل تلك البناية كان من حماس. وقال المصدر «من الصعب اثبات ذلك، شبكات حماس تغطي نفسها ماليا بشكل قانوني وجيد ومحترف».

وتعترف المصادر ان تمويل حماس ليس داخليا فقط، وقالت ان جمعية «الاصلاح الخيرية» التي كانت فروعها منتشرة في الضفة، ثم أغلقت لاحقا كانت «قلب حماس المالي» وهذه الجمعية كان يدعمها «ائتلاف الخير» الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي. وقال المصدر «كانت هذه الجمعيات تقيم مدارس وتشتري أراضي وتمول عائلات وتدعمها، وتوظف ابناء لحماس بمبالغ كبيرة، وتقوم بإقراض البعض احيانا اخرى». وقالت صحيفة «هآرتس» العبرية، امس، إن إسرائيل وصلت مؤخراً إلى معطيات مهمة بشأن «أنبوب المال» الذي يغذي حركة حماس التي تتشعب مؤسساتها بشكل كبير في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي الخارج.