حاخام إسرائيلي يحاور حماس.. ويريد إقامة دولتين من دون حدود

يقول إن مهمته محاربة الغطرسة اليهودية وكان دائما ما يدخل في جدالات طويلة مع الشيخ أحمد ياسين

TT

جلس مناحيم فرومان، كبير الحاخامات في مستوطنة تكواع اليهودية، على أطراف صحراء النقب، وبدأ يحلم. كان يحلم، كما ذكر في مقابلة أجريت معه خلال الأسبوع الماضي، بأنه يجلس مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات «كما اعتاد أن يفعل». وقال: «بدا لي وكأنه يدفعني إلى المضي قدماً في جهودي من أجل إحلال السلام بين شعبينا».

الحاخام فورمان الذي يبلغ من العمر 63 عاماً، هو العضو المؤسس لحركة جوش إميونيم أو التسوية المسيحية الإيديولوجية التي نشأت بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية في عام 1967. ويعيش فرومان في المنطقة منذ نحو 35 عاماً، ويدرس في الحلقات الدينية الموجودة في تكواع والمستوطنات الأخرى في الضفة الغربية والواقعة على تلال الخليل. كان الحاخام يرتدي بذلة سوداء وقميصاً أبيض وزي حاخام أرثوذوكسي. الا ان هذا هو وجه الشبه الوحيد بينه وبين المستوطنين الآخرين. لا يضع الحاخام الآمال على عرفات فقط، ولكنه يضع الأمل كذلك على الكثيرين من العلماء المسلمين. فهو يؤمن بإحلال السلام مع جيرانه الفلسطينيين، حيث كان قد أجرى حوارات على مدار آلاف الساعات مع القادة الفلسطينيين بمن فيهم خصوم عرفات من قادة حركة حماس.

وقد اعتاد فرومان السفر إلى غزة للتباحث مع الشيخ أحمد ياسين الأب الروحي لحركة حماس والذي قتل في غارة إسرائيلية في عام 2004، بعد أن قامت مجموعته بشن سلسلة من التفجيرات الانتحارية على أهداف في قلب إسرائيل.

وقال الحاخام إنه اعتاد الصراخ في وجه الشيخ بالقول: «إنك ستذهب إلى الجحيم لأنك تحول الإسلام الذي ينادي بالسلام إلى دين إرهاب». لكن الشيخ كما قال الحاخام كان يرد بالقول إنه يدافع عن وجوده. ولا يزال الحاخام يحتفظ بعلاقات وثيقة بشخصيات بارزة في حماس، وعلى الرغم من أنه ليس لديه تابعون بين المستوطنين في الضفة الغربية، إلا أن له صلات بالقادة السياسيين الإسرائيليين البارزين، ومن بينهم شيمعون بيريز الرئيس الإسرائيلي، وشخصيات قيادية في وزارة الدفاع. وكتب فرومان، بمساعدة صحافي من الخليل في شهر فبراير (شباط) الماضي، اتفاقية هدنة شاملة بين إسرائيل وحماس، تقوم على إطلاق سراح جلعاد شاليط المحتجز لأكثر من عامين في غزة في مقابل إطلاق سراح عدد من المقاتلين الفلسطينيين، ثم إطلاق جميع الأسرى من كلا الجانبين. وأفاد فرومان بأن حكومة حماس في غزة لم تتمكن من قبول الاتفاق لأن الحكومة الإسرائيلية قد رفضته. وأضاف بأن لديه اقتراحاً يقدمه إلى الرئيس المنتخب باراك أوباما، وهو أن يحضر وفد يتألف من حاخامين وشيخين وقسيسين من القدس والأراضي المقدسة لمباركة الرئيس الجديد في يوم تنصيبه لمحاولة تعزيز الإيمان بإمكانية السلام.

وقال فرومان عن أوباما: «أعتقد أنه منتخب من الله، وأن الفرصة قائمة لتحقيق معجزة هنا». وكان فرومان الذي ولد في الجليل، يتتبع بشدة مقاطع أوباما المصورة على موقع يوتيوب، وصلى في كهف البطاركة في الخليل من أجل نصرة أوباما في يوم الانتخابات. وقال فرومان: «إنني أود أن أضع بعض النقاط العملية على مفهوم التغيير لدى أوباما».

قد تحدثك نفسك بالإعراض عن فرومان الذي يلجأ إلى الحديث عن المعجزات والإشارات إلى النصوص الروحانية في خطاباته كنوع من التميز عن باقي دعاة السلام الآخرين. لكن الخطاب الذي أرسله إلى العديد من مستشاري أوباما في أواخر نوفمبر (تشرين ثاني) يؤكد على أن مقترحه كان موقعاً عليه من جيرشون باسكين وحنا سنيورا، المسؤولان في مركز المركز الإسرائيلي ـ الفلسطيني للأبحاث والمعلومات، والذي يعتبر واحداً من أهم مؤسسات السلام غير الحكومية في العالم.

ويوضح باسكين السبب وراء دعمه للمبادرة بأنه يرى أوباما «رمزياً»، وقال: «نحن نعتقد أن على إدارة أوباما أن تتدخل على الفور» في النطاق الفلسطيني الإسرائيلي. ويصف باسكين فرومان بأنه «طراز فريد من الناس»، ويقول: «ربما كان ذلك لأنه شخص استثنائي وصادق، وهو حاخام ورجل دين وهناك الكثيرون من الأشخاص في إسرائيل وفي العالم يستمعون إليه». واعتذر الكثيرون من قادة حماس في الضفة الغربية عن التعليق على صلاتهم بالحاخام لأن الظروف حساسة للغاية.

منزل فرومان في تكواع، خالياً من الأغراض، إلا الاساسية منها. فإلى جانب الأرفف المليئة بالكتب الدينية، تمثل الصور الخالية من الإطارات والتي تحوي رسومات من التوراة التي رسمتها زوجته، الزينة الوحيدة في الردهة البسيطة الأثاث. ويقول عن سبب وجوده في تكواع: «لقد اختارني الله للإقامة في تكواع لأنني أشعر أن هناك 2500 عام من التاريخ يطلون علينا».

وتتمتع المستوطنة التي يوجد فيها 250 أسرة وتقع جنوب القدس، بميزة فريدة، اذ أنها تضم يهودا متدينين وغير متدينين، وتقع في ظل تلة هيروديون مسطحة القمة، والتي كانت قلعة بناها هيرود الأكبر. ويذكر فرومان أن تكواع التوراتية كانت منزل النبي آموس الذي حارب لنشر العدالة الاجتماعية، وإنهاء الغطرسة والتكبر اليهودي، كما وجدت رسائل شيمون بار كوتشيبا الذي قاد الثورة اليهودية ضد الرومان في الفترة ما بين 132 و135 ميلادية في واد قريب من المستوطنة .

يرى فرومان، الناشط في دوائر الحوار بين الأديان، أن مهمته تتلخص في محاربة «الغطرسة اليهودية». يقول إنه يدرك الآن السبب في اعتبار بعض المتشددين الإسلاميين لإسرائيل، أنها «سُبة دائمة». وذكر أن أحد أبنائه العشرة يعيش في كهف في واي صحراوي خلف المستوطنة، بينما قام آخر ببناء بيت حجري بيديه في تكواع دي وهي مكان غير مصرح بالبناء فيه وقد تقررت إزالته. وعلى الرغم من تأييده للسلام، إلا أن وجهة نظر الحاخام تتناقض مع مبدأ إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون خالية من المستوطنات، والذي كان المبدأ الرئيس في مفاوضات العشرين عاماً الماضية. فهو يرفض التخلي عن منزله في حال عقد اتفاق كهذا لأن الحكومة «لا تملك الحق في طرد الناس عن منازلهم». واقترح فورمان «إقامة دولتين دون حدود أو دولتين في أرض واحدة، حيث أن العرب واليهود مختلطون بصورة كبيرة».

وقال: «توصلت إلى نتيجة هامة من خلال مفاوضاتي الطويلة مع الفلسطينيين وهي أنه على الرغم من أن المشكلة سياسية بالدرجة الأولى وتتلخص في السيطرة على الأرض، إلا أن لب المشكلة ديني». وأضاف: «لن ينجح السلام دون وجود أسس دينية وروحانية». ولذا فعلى خلاف الموقف الإسرائيلي الحالي الذي يطالب بأن تؤجل مسألة القدس حتى النهاية بسبب تعقيداتها، يؤكد فرومان على ضرورة منح مشكلة القدس أولوية في المفاوضات مع الفلسطينيين. وقال فرومان: «يكمن حل السلام في ضرورة إحلال السلام في القدس، لإعادة تأسيس القدس كمدينة للسلام في العالم». ويتصور فرومان القدس المشتركة حيث المدينة القديمة التي تضم الأماكن المقدسة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين واليهود، ومقرات المؤسسات العالمية.

إنها ستبدو كالمدينة الفاضلة، وعند هذه النقطة ستكون حقيقية كأي شيء آخر.

* خدمة «نيويورك تايمز»