موسكو تستغل الأزمة المالية لإعادة القطاعات الصناعية الخاصة إلى حضن الدولة

بوتين يعتبر أن تسليم الثروات الطبيعية للقطاع الخاص خطأ جسيم

TT

قام أحد كبار مساعدي فلاديمير بوتين بدعوة أحد كبار أصحاب شركات التعدين إلى اجتماع خاص في أواخر أكتوبر. وكان إيغور سيتشين قد أثارت انتباهه بصورة مفاجئة الحادثة التي مر عليها عامان في أحد مناجم التعدين الأكثر ثراء في قلب روسيا الصناعية.

وجاء في المذكرة التي صدرت عقب الاجتماع أن سيتشين الذي يقود فصيل الكرملين الخفي والمعروف بعلاقاته بالجهات الأمنية أمر بتحقيق جديد في الحادث المؤسف. وإلى جانب نائب وزير الداخلية الذي يحقق في الجرائم المالية الخاصة به، هدد سيتشين بفرض عقوبات مالية على شركة يورالكالي.

وقد أشار ديميتري روبولوفلف إلى أن الحكومة قد قامت بإجراء تحقيق دقيق حول الحادث من قبل وأعفت الشركة من المسؤولية. وقال إنه يفكر في وقف التحقيق بعرض أن تدفع الشركة تعويضًا عن الأضرار للبنية التحتية الناجمة عن الحادث، حيث أدى انهيار المنجم الذي لم يسفر عن وقوع ضحايا إلى ترك هوة عميقة في الأرض. لكن لم يعلم السبب وراء رفض عرض روبولوفلف، لكن التوقعات تشير إلى أن الكرملين يناور للحصول على ملكية يورالكاليا.

وقد كان بوتين الذي شغل منصب الرئاسة من قبل ويشغل حاليًا منصب رئيس الوزراء قد قال إن روسيا ارتكبت أكبر أخطاء في التسعينات عندما سمحت لأن تسقط ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى في أيدي القطاع الخاص. وقد بدأ بوتين بالتصرف بصورة غير ميالة إلى عقد تسويات على الإطلاق ـ حيث تعتبر شركة يوكوس أويل غاز في 2003 خير دليل ـ لمحاولة استعادة تلك الثروات إلى حيازة الدولة مرة أخرى.

ويبدو أن الكرملين يحاول الاستفادة الآن من الأزمة الاقتصادية واستغلال الفرصة لإحكام سيطرته على الصناعات التي تعاني من أزمات مالية، حيث يرغب في استعادتها منذ أمد طويل خاصة تلك التي تعمل في مجال الموارد الطبيعية.

ويقف سيتشين، نائب رئيس الوزراء الذي يبلغ من العمر 48 عامًا والذي كان موضع ثقة بوتين منذ أن خدم الاثنان في حكومة سان بطرسبرغ في أوائل التسعينات، في طليعة حملة الكرملين. ولم يدل سيتشين بأي حديث صحافي أو تلفزيوني أو يتحدث بصورة علنية لكن الدلائل هنا تشير إلى أنه يتزعم استخدام الاستخبارات والأذرع الحكومية الأخرى للسيطرة على تلك الشركات. وتقول أولغا كريشتانوفسكايا خبيرة الكرملين في مركز «ستادي أوف ذا إليت» في موسكو «إنه هو من ينظم تلك الغارات لمصلحة الدولة أو لمصلحة بعض الشركات الصديقة له في بعض الأحيان».

وقد دفع دور سيتشين في استجواب الشركة بعض المحللين والمستثمرين إلى الاعتقاد بأن الشركة في خطر، فأسهم الشركة التي كانت مثار مدح مديري الصناديق انخفضت بنسبة 60% منذ بداية الاستجواب.

وقد تسبب انخفاض أسهم الشركة في خسائر لريبولوفلف، صاحب الـ 42 عامًا وطالب الطب الأسبق الملقب في روسيا بملك الأسمدة لهيمنته على تعدين البوتاس أحد المكونات الرئيسية في الأسمدة. وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي عندما كانت الشركة تمر بمرحلة تعثر، جذب ريبولوفلف الانتباه عندما تقدم لشراء قصر دونالد ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا بمبلغ 95 مليون دولار.

ولم يحدد الكرملين ـ إلى الآن ـ الإجراء الذي سيتم اتخاذه بشأن أورالكالي، وتأمل الشركة في التوصل إلى تسوية تتضمن دفع غرامة من بضع مئات من ملايين الدولارات. ويؤكد المحللون أن الفرصة لا تزال سانحة فيما يتعلق بإمكانية تراجع سيتشن.

ويبدو أن التطورات التي شهدها الاقتصاد ككل قد تدفع بالكرملين إلى فترة من التوقف، فقد أدى الإدراك المتزايد لمحاولة الكرملين فرض نفوذه على الأعمال إلى تراجع في مناخ الاستثمار، ويشير إلى أن أداء البورصة الروسية يعد واحدا من بين أسوأ البورصات في العالم هذا العام. وقد عمق الفساد المنتشر على نطاق واسع في المجتمع الروسي حالة انعدام الثقة، وربما لم يكن من المدهش أن توصف مسألة أورالكالي بالمؤامرة.

وخلال الاجتماع الذي عقد في 29 أكتوبر (تشرين الأول) في موسكو بين سيتشين وريبولوفلف، تراجعت أسهم الشركة في بورصة لندن بصورة حادة وذلك حسب ما أوردته شركة «داتا إكسبلوررز» التحليلية التي تعنى بدراسة بيانات السندات بناء على طلب نيويورك تايمز، ولم يفصح عن الاجتماع نفسه سوى في 7 نوفمبر وهو التاريخ الذي بدأت فيه البورصة بالهبوط.

ولم يعلق سيتشين على هذه التحقيقات لكن ديميتري بيسكوف المتحدث باسم سيتشين قال «إن الصحافة تلجأ في بعض الأحيان إلى تصوير الأشخاص على أنهم شياطين».

كما نفى النائب الأول لرئيس الوزراء في الشهر الماضي المخاوف من النيات الحكومية، وقال في هذا الشأن: «لن يقوم أحد بتدمير الشركة، فنحن بحاجة إلى وحدات أعمال قوية، كما أن الشركة إذا ما أفلست بعد دفع التعويضات، فسوف يكون هناك مالك آخر لها».

ويبدو أن ما لفت انتباه قادة روسيا إلى الشركة هو ميزانيتها التي ارتفعت بشكل كبير خلال العام الماضي نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والبضائع، فقد تضخمت عائداتها في النصف الأول من العام الحالي إلى 1.1 مليار دولار وهو ضعف المستوى الذي كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي، حيث تضاعفت أرباح الشركة إلى ثلاثة أضعاف لتصل إلى 550 مليون دولار.

وبمثل هذه السيولة النقدية، كان يمكن للشركة دفع التعويضات التي طلبها الكرملين، لكن الأزمة التي تعاني منها الشركة في البورصة يمكن أن تجعل أورالكاليا أكثر عرضة للاستيلاء عليها.

ويشعر الروس باستياء قوي تجاه ريبولوفلف ونظرائه الذين يعتقدون أنهم جمعوا أموالهم خلال فترة التحول في التسعينات، فريبولوفلف ذاته اتهم بقتل أحد خصومه على الرغم من تبرئته، لكنهم يخشون في الوقت ذاته من أن يكون الاستحواذ الذي تقوم به الحكومة لمصلحة المسؤولين البارزين اعادة لعهد الاتحاد السوفياتي.

من جانبها، أشارت الشركة إلى أنه لا توجد أسس قانونية أو أخلاقية للإلقاء باللوم على الشركة وأنه إذا ما تم تحميلها المسؤولية فسوف تعاني من أعباء مالية ضخمة وستغرق في الديون. تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان قضية يوكوس غاز التي كانت أكبر شركات النفط في روسيا والتي استولت عليها الحكومة بالقوة، وسجنت صاحب الشركة ميخائيل خودوركوفسكي، الذي أغضب بوتين بتدخله في السياسة، بتهم تتعلق بالضرائب، لكن من غير المرجح أن يلقى ريبولوفلف نفس مصير خودوركوفسكي.

وفي الوقت الذي استمر فيه التحقيق الأسبوع الماضي، بعثت الحكومة بإشارات متضاربة حول مساره، فقالت يوم الأربعاء إن المحققين بحاجة إلى أسبوعين إضافيين قبل تقديم تقريرهم إلى سيتشين متضمنًا طلب الشركة عقد تسوية، في حين أعلن يوري تيرتنف وزير الثروة المعدنية الصديق الشخصي لريبولوفلف في اليوم التالي عن دعمه للشركة.

*خدمة «نيويورك تايمز»