باكستان تعتقل العشرات وتشدد حملتها على جماعة «عسكر طيبة»

شريط فيديو مدته 40 دقيقة يحمل اعترافات المسلح الباكستاني إلى مجلس الأمن.. ووالده يتعرف عليه ويقول إنه هرب من المنزل قبل 3 أعوام

جنديان باكستانيان يحرسان مقر منظمة «الدعوة» الخيرية في روالبندي التي اغلقت الحكومة الباكستانية مكاتبها اول من امس. وينظر الى جماعة الدعوة باعتبارها واجهة لمنظمة «عسكر طيبة» المحظورة (رويترز)
TT

ضيقت باكستان الخناق امس على «جماعة الدعوة»، لارتباط منفذي اعتداءات مومباي بها، فجمدت اموالها بعدما اعتبرتها الامم المتحدة مجموعة ارهابية. وتخضع باكستان لضغوط دولية شديدة، لحملها على التحرك ضد الجماعات الاسلامية الناشطة على اراضيها، بعد الاعتداءات الضارية التي استهدفت مومباي عاصمة الهند الاقتصادية الشهر الماضي واوقعت 172 قتيلا، بينهم تسعة من المهاجمين. وقال مسؤولون باكستانيون امس، ان السلطات الباكستانية اعتقلت عشرات من اعضاء «جماعة الدعوة» وأغلقت مكاتبها، مع تنامي الضغوط على اسلام اباد لاتخاذ موقف حازم من متشددين تلقى عليهم مسؤولية الهجمات التي وقعت في مدينة مومباي الهندية الشهر الماضي. وباشرت الشرطة في اغلاق مكاتب جماعة الدعوة الخيرية في باكستان، عملا باوامر صادرة عن الحكومة المركزية. وقال مسؤول بوزارة الداخلية، «تلقينا اوامر باغلاق جميع مكاتب الدعوة في جميع انحاء البلاد». وجماعة الدعوة لها انشطة خيرية منتشرة في الاقليم الشمالي الغربي من البلاد. وفي البنجاب والسند توجد لجماعة الدعوة مدارس ومستشفيات. وصدرت اوامر قضت بوضع حافظ سعيد رئيس جماعة الدعوة ومؤسس حركة عسكر طيبة الاسلامية المسلحة، التي تتهمها الهند بتنفيذ اعتداءات مومباي، وثمانية مسؤولين اخرين في الجماعة قيد الاقامة الجبرية. وقال مسؤول كبير في الحكومة، انه سيتم تجميد اموال الجمعية ومسؤوليها التسعة. واتخذت هذه الاجراءات بعدما اتهم رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، باكستان بانها «مركز الارهاب»، فيما اكد وزير الخارجية براناب مخرجي وجود ادلة لا يمكن دحضها على ان الهجمات دبرت في باكستان. وأسس سعيد جماعة عسكر طيبة عام 1990 وتولى قيادتها حتى ديسمبر (كانون الاول) عام 2001، عندما تنحى قبل ايام من اذعان باكستان لتحرك اميركي بوضع الجماعة في قائمة المنظمات والافراد الذين لهم صلة بالقاعدة وطالبان. وتولى سعيد، وهو من أكثر الاشخاص المطلوبين في الهند رئاسة جمعية الدعوة منذ ذلك الحين. وقال متحدث باسم البنك المركزي في باكستان، ان تعليمات صدرت الى البنوك بتجميد حسابات جمعية الدعوة وسعيد وثلاثة من زملائه، شملتهم قائمة الامم المتحدة للارهاب، التي تفرض ايضا حظرا على سفر الافراد الذين تضمنتهم القائمة السوداء. لكن قناة تلفزيونية باكستانية قالت ان أحد زملاء سعيد الثلاثة، الذين أضيفوا للقائمة مات، والثاني مسجون في السعودية منذ ثلاث سنوات. وأبلغ مسؤول في المخابرات الباكستانية رويترز ان مولانا مسعود أزهر رئيس جماعة جيش محمد، التي حملت مع عسكر طيبة مسؤولية الهجوم على برلمان الهند عام 2001 احتجز ايضا. وقال مساعد مقرب من أزهر، «اعتقد انه من الممكن ان يكونوا قد احتجزوه لتخفيف الضغوط، لكني لا اعرف مكان مولانا تحديدا. وفي مظفر اباد عاصمة الجزء الذي تسيطر عليه باكستان من كشمير، اغارت الشرطة على مكاتب جمعية الدعوة. وقال تشودري امتياز وهو مسؤول اداري كبير بناء على اوامر وزارة الداخلية، اغلقنا مكتبها الرئيسي وأصولها، ومن بينها مدرستان ومعهد ديني ووضعنا الرئيس الاقليمي لها تحت الاقامة الجبرية في منزله.

من جهته قال احمد مختار وزير الدفاع الباكستاني، لمجموعة من الصحافيين، ان بلاده اغلقت مكاتب الدعوة تماشيا مع القرار الدولي الصادر عن مجلس الامن، حتى يفوت مزاعم تدعو الى اعتبار بلاده «دولة ارهابية». وقبل يوم من فرض الاقامة الجبرية على حافظ سعيد رئيس جماعة الدعوة ومؤسس حركة عسكر طيبة، قال لمجموعة من الصحافيين انه لم يلتق في حياته بالمسلح المحتجز في مومباي اكمل امير كساب، الذي ادلى والده في فريدكوت بتصريحات لصحف محلية منها «دون»، قال فيها انه تعرف من الصور المنشورة على ابنه. وقال ان ابنه هرب من المنزل قبل ثلاثة اعوام، ولا يعرف عنه شيئا حتى لحظة اعتقاله في مومباي، ونفى ان يكون قد باع نجله لحركة عسكر طيبة مقابل مبلغ من المال. وجماعة الدعوة من اكبر الجمعيات الخيرية في باكستان، وهي معروفة بصورة خاصة بمساعدة ضحايا الزلازل.

غير انها تعتبر الجناح السياسي لعسكر طيبة، الحركة الاسلامية المسلحة الناشطة ضد السيطرة الهندية في كشمير، وقد اتهمتها الهند بتدبير وتنفيذ اعتداءات مومباي.

وكانت باكستان قد حظرت هذه الحركة بعدما اتهمتها الهند بتدبير الاعتداء على البرلمان الفيدرالي في نيودلهي عام 2001. وندد سعيد في مقابلة اجرتها معه هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) قبل وضعه في الاقامة الجبرية بقرار الامم المتحدة، وطالب الهند بابراز ادلة على ضلوع حركته. وقال «اذا اتصلوا بنا فسوف نقول لهم. سنذهب امام محكمة باكستانية. سنحاول التمسك بحقوقنا وسنثبت اننا غير ضالعين في اي نشاطات ارهابية». وما زال الناجي الوحيد بين منفذي اعتداءات مومباي محمد اجمل امير كساب معتقلا، وهو يواجه بحسب شرطة مومباي تهما عدة منها «شن حرب على البلاد والقتل».

وكساب، الذي عرفت عنه السلطات الهندية انه مواطن باكستاني، كان احد الناشطين الاسلاميين المدججين بالسلاح، الذين هاجموا عدة مواقع في مومباي في اعتداءات متزامنة منسقة. وقالت مصادر مقربة من وزارة الداخلية الهندية لـ«الشرق الاوسط»، ان اعترافات المسلح اكمل كساب سجلت على شريط فيديو مدته 40 دقيقة، وسيرسل الى مجلس الامن الدولي، وفي الشريط يتحدث كساب عن تلقيه التدريب في معسكرات عسكر طيبة تحت اشراف ضباط سابقين من الاستخبارات العسكرية الباكستانية، وكيفية التحاقه بالجماعة المحظورة حتى اصابته واعتقاله في محطة السكك الحديد الرئيسية بالمدينة يوم 26 نوفمبر الماضي. ورفض امس مجلس نقابة المحامين في مومباي، التي تضم في عضويتها نحو الف محام، الدفاع عن كساب خلال مثوله امام المحكمة، يوم 24 ديسمبر (كانون الاول) الجاري. لكن رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ أبلغ البرلمان امس ان جهود باكستان ليست كافية. وقال تابعنا باهتمام الخطوات التي اتخذتها باكستان. لكن من الواضح ان هناك حاجة لعمل المزيد وحاجة للمتابعة حتى تصل هذه القرارات الى منتهاها. واثارت اعتداءات مومباي توترا شديدا في العلاقات بين القوتين النوويتين الجارتين، ولو ان الهند التي خاضت حتى الان ثلاث حروب ضد باكستان منذ استقلالهما، استبعدت التحرك عسكريا. وفي هذه الاثناء تواصلت المساعي الدولية لحض باكستان على التصدي للناشطين على اراضيها، وكان آخر المسؤولين الاميركيين الكبار، الذين زاروا باكستان، نائب وزيرة الخارجية جون نيغروبونتي، الذي بحث في هذا البلد المسائل الامنية.

وقال رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، بعد اجتماع مع نيغروبونتي، ان بلاده ستضطلع بواجباتها الدولية القاضية بالتصدي لجماعة الدعوة بعد صدور قرار الامم المتحدة بشأنها. وبعد ساعات بدأت الشرطة اغلاق مكاتب الجمعية الخيرية. وكان مجلس الامن قد وافق في وقت سابق هذا الاسبوع على اعتبار جماعة الدعوة من الواجهات التي تستخدمها عسكر طيبة وتصنيفها بين المنظمات الارهابية.

وكانت الحركة التي تنشط في جميع انحاء البلاد انطلاقا من مقرها العام قرب مدينة لاهور، مدرجة اساسا على اللائحة الاميركية للمجموعات الارهابية.

وقامت القوات الباكستانية الاحد بعملية دهم في مخيم تديره جماعة الدعوة في كشمير فاعتقلت 15 شخصا، كما قامت بسلسلة اعتقالات بين الناشطين في البلاد.

وتواصل الهند من جانبها التدابير لتفادي التعرض لاعتداءات ارهابية جديدة، واعلن وزير الداخلية بالانيابان شيدمبرام، اول من امس عن اصلاحات واسعة النطاق في القوانين الامنية والبنى التحتية الوطنية.

وفي مدينة مومباي عاصمة المال والتجارة الهندية، التي شهدت تلك الهجمات الدامية، شكل الاف من السكان امس سلسلة بشرية قرب المواقع التي تعرضت للهجوم احتجاجا على الهجمات وعلى عجز الحكومة في تفاديها. وشارك في السلسلة البشرية تلاميذ المدارس والعاملون في الحكومة والمارة وكبار الشخصيات وقد الصقوا على ظهورهم لافتات تندد بالهجمات ورددوا شعارات ضد الارهاب وضد عجز الحكومة على مدى ربع ساعة. وحمل البعض صورا لعدد من ضحايا الهجمات التي استمرت من 26 الى 29 نوفمبر.