لجنة في الشيوخ الأميركي تتهم رامسفيلد بالتورط في انتهاكات المعتقلين

تقريرها يتضمن انتقادات شديدة لاستخدام أساليب التحقيق الخشنة في معتقل غوانتانامو

TT

أصدرت لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي اول من امس تقريرًا، خلص إلى أن القرارات التي اتخذها وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد كانت «سببًا مباشرًا» في انتهاكات واسعة النطاق حدثت للمعتقلين، وأن مسؤولين آخرين في إدارة بوش يتحملون مسؤولية خلق مناخ قانوني وأخلاقي ساهم في تلك المعاملة اللاإنسانية. ويعد هذا التقرير ـ الذي صادق الديمقراطيون والجمهوريون في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ ـ أقوى اتهام حتى الوقت الحالي للدور الذي لعبه رامسفيلد ومسؤولون بارزون آخرون في فضائح الانتهاكات التي حدثت للسجناء خلال الخمس سنوات الأخيرة. ويتحدى التقرير تأكيدات مسؤولين بارزين في إدارة بوش قالوا إن حوادث إساءة معاملة السجناء المشينة ما هي إلا حوادث فردية للترويع تمت على يد القوات الأميركية. وذكر التقرير: «أوضحت الانتهاكات التي جرت في أبو غريب نهاية عام 2003 أنها لم تنتج ببساطة عن القليل من الجنود الذين تصرفوا من تلقاء أنفسهم». وأضاف التقرير أيضًا أن سلسلة من القرارات رفيعة المستوى التي أخذتها إدارة بوش «نقلت رسالة مفادها أن الضغوط البدنية، والإهانة، يعتبران معاملة ملائمة للمعتقلين رهن الاحتجاز في السجون الأميركية». ووجهت الوثيقة أشد انتقادات لقرار رامسفيلد في ديسمبر (كانون الأول) 2002، بالتصديق على استخدام أساليب التحقيق الخشنة في المعتقل الأميركي ـ غوانتانامو، بكوبا. ورغم إلغاء القرار بعد 6 أسابيع من إصداره، وصفه التقرير على أنه «السبب المباشر لانتهاكات السجناء» في معتقل غوانتانامو، وأضاف: أنه «أثّر وساهم في استخدام الأساليب المسيئة، ومنها استخدام الكلاب العسكرية، وإجبار السجناء على خلع ملابسهم، وتعريضهم لأوضاع مجهدة في أفغانستان والعراق». وانتقد التقرير أيضًا الرئيس بوش، ولئن كانت الانتقادات أقل حدة، حيث أشار التقرير على وجه الخصوص إلى مذكرة رئاسية تم توقيعها في 7 فبراير (شباط) 2002، والتي تحرم المعتقلين الملقى القبض عليهم في أفغانستان من الحماية التي تنص عليها اتفاقية جنيف، التي تحظر أي أعمال مسيئة أو انتهاكات لحقوق سجناء الحرب. وخلص التقرير أيضًا إلى أن قرار بوش بتجاهل القانون الدولي الذي دأبت القوات الأميركية على المحافظة عليه والعمل وفقا له على مدى عقود، بعث رسالة «أثرت على المعاملة التي تلقاها المعتقلون رهن الاحتجاز الأميركي». ودعم من هذه الفكرة سلسلة من المذكرات التي أصدرتها وزارة العدل، إذ يفرد التقرير بين طياته: «إنها (أي المذكرات) حرفت معنى وفحوى قوانين محاربة التعذيب، وبررت الانتهاكات بحق المعتقلين في السجون الأميركية». وأوضح أن «المعاملة السيئة للمعتقلين بأبو غريب أواخر 2003 ليست فقط صادرة عن جنود قلائل تصرفوا بمحض إرادتهم» مشيرا إلى أن استعمال تقنيات عسكرية مستلهمة من «طريقة التحقيقات المضادة للعدو» تشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف والقانون الدولي. ولاحظ التقرير أن هذه الأساليب «ما زالت تنتشر في نظام الاعتقال العسكري وهو ما يضر سلبا بقابليتنا لجمع المعلومات الدقيقة التي بإمكانها إنقاذ حياة الأشخاص ويقوي سطوة أعدائنا ويؤثر على الروح المعنوية لسلطاتنا». وجاء هذا التقرير كحصيلة نحو 18 شهرا من التحقيقات المرتبطة بسياسات الرئيس بوش بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، شملت مقابلات مع حوالي سبعين شخصا.

كما انتقد التقرير «محاولات المسؤولين الرفيعين لوم موظفين لديهم وتجنب تحمل اي مسؤولية عن سوء المعاملة». وقال التقرير الذي أعدته لجنة مكونة من 25 عضوا بينهم 12 من الجمهوريين إن سياسات الإدارة «دمرت قدرتنا على جمع معلومات استخبارية دقيقة والتي يمكن أن تنقذ الأرواح، وشدت من سواعد أعدائنا وعرضت سلطتنا المعنوية للخطر». وركزت اللجنة في عامين من التحقيقات على لجوء وزارة الدفاع الى تقنيات استجواب مثيرة للجدل، كاتخاذ وضعيات مثيرة للتوتر، التعري، الحرمان من النوم، او الايهام بالغرق. وهذا التقرير هو أحد التقارير في هذا الصدد وأكثر شمولاً، وقد جاء ضمن سلسلة من التحقيقات الحكومية بدأت في أبريل (نيسان) 2004، إبان نشر صور لسجناء بسجن أبو غريب بالعراق ـ الخاضع لإدارة الولايات المتحدة ـ إذ أظهرت مجموعة منهم مجردين من ملابسهم، فوق بعضهم على شكل هرم، كما أظهرت ربط آخرين بالأسلاك الكهربائية. وقال السيناتور الديمقراطي كارل ليفن ـ رئيس لجنة الخدمات المسلحة ـ: «إنه لا يمكن عزوها (الانتهاكات) إلى أنها تصرفات قلة من التفاح العطب»، في إشارة إلى المقولة التي استخدمها بول وولفويتز ـ نائب وزير الدفاع السابق ـ في محاولة منه للتقليل من أهمية الفضيحة. وقال ليفن: «من غير المعقول، كما أنه يعتبر تضليلا أن يلقي رامسفيلد والآخرون باللوم على القوات، ويهربون من المسؤولية». ومع ذلك، فإن التقرير لا يدعو إلى إجراء المزيد من التحقيق، أو المعاقبة. وقوبلت فضيحة انتهاكات سجن ابو غريب وما تلاها عن كشف لأساليب الاستجواب القاسية مثل ما يعرف «بمحاكاة الإغراق» بإدانة دولية واتهامات لواشنطن بالسماح بتعذيب المحتجزين وهو ما نفته ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش. وسحبت ادارة بوش هذه السياسات تحت ضغط من الكونغرس. وخلص تقرير لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الى ان الجيش الاميركي اقتبس هذه الاساليب من برنامج يدرب الجنود الاميركيين على الصمود في حالة سقوطهم في ايدي اعداء يستخدمون اساليب استجواب تنتهك معاهدات جنيف والقانون الدولي. وقال السناتور ماكين الذي خسر الشهر الماضي انتخابات الرئاسة الاميركية في بيان صدر مع ملخص التقرير «هذه السياسات خاطئة ويجب ألا تتكرر» وذكر ان التقرير كشف عن «صلة غير مبررة بين اساليب الاستجواب التي تمثل انتهاكا ويستخدمها اعداؤنا الذين يتجاهلون معاهدات جنيف وسياسة استجواب المحتجزين في السجون الاميركية». وتفرض السلطات الاميركية حظرا على نشر التقرير كاملا والذي يعد أشمل تقرير للكونغرس عن السياسة التي يتبعها الجيش الاميركي مع المحتجزين. ورفض كيث أوربان الناطق باسم رامسفيلد ما أسماه «مزاعم لا أساس لها» في التقرير.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»