عباس الفاسي يعلن عن خطة شاملة لتعزيز المكتسبات لحقوق الإنسان المغربي

قال إن مجال حقوق الإنسان ما زال يشهد تحديات

TT

أعلن عباس الفاسي، رئيس الوزراء المغربي، عن الإعداد لخطة تشاركية ترمي إلى تعزيز المكتسبات المسجلة في مجال حقوق الإنسان بالمغرب.

واستعرض الفاسي، الذي كان يتحدث في لقاء خاص نظمه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أول من أمس بالرباط، بمناسبة تخليد الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مراحل تطور حقوق الإنسان في بلده، وكذا الخطوات التي خطاها من أجل ترسيخ ودعم حقوق الإنسان على المستويين القانوني والمؤسساتي.

وشدد الفاسي على أن «هذه المكتسبات لا يجب أن تثنينا، على الرغم من أهميتها، عن الوقوف على الإكراهات والاختلالات التي ما زال يشهدها مجال حقوق الإنسان، وجسامة التحديات اللازم رفعها لتحقيق المجتمع الديمقراطي».

ودعا الفاسي إلى إنجاز خطة وطنية حول حقوق الإنسان وفق مقاربة مندمجة وشمولية قائمة على ترابط حقوق الإنسان وتكاملها، مضيفا أن إعداد هذه الخطة يستدعي من الجميع «تعبئة قوية، ومشاركة فاعلة، وانخراطا مسؤولا لكل مكونات المجتمع المغربي، من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية، ومجتمع مدني، للمساهمة في وضع الخطوط العريضة للتوجهات الوطنية في مجال حقوق الإنسان، بما يضمن الفعالية والانسجام والتنسيق بين جميع الأطراف، وتحقيق الالتقائية في السياسات العمومية المختلفة حول مقاربة مندمجة لحقوق الإنسان».

وقدم مصطفى المنصوري، رئيس مجلس النواب، نظرة تأملية حول تجربة حقوق الإنسان في بلده، انطلاقا من السؤال التالي :«هل مستوى التراكمات والإنجازات التي عرفها المغرب في مجال حقوق الإنسان، وما واكبها ويواكبها من متابعة إعلامية محلية وجهوية ودولية، مشفوعا بنوع من التقدير والاهتمام، يسمح بالقول بوجود تجربة أصيلة في معالجة حقوق الإنسان، يتعين الاعتزاز والتعريف بها، واستلهام منهجيتها وقواعدها؟».

وبعد تسليطه الأضواء على مجمل القرارات المتخذة في هذا المجال، ومعالجة عدد من القضايا «بروح تتسم بالجرأة والإنصاف» خلص إلى القول إن ما يلفت الانتباه في تأمل حقوق الإنسان في المغرب هو ذلك الاهتمام بالحقوق في شموليتها، مشيرا إلى أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، «يهتم بحقوق المعاق، وحقوق الفقير، وحقوق المرأة والطفل، وحقوق القروي، ويجاهد ليدفع بعجلة التنمية، إيمانا منه بأنه لا حقوق بدون تنمية، وأن الحقوق لا تقتصر فقط على تلك التي ذات الطابع السياسي».

وتحدث محمد العراقي، والي ديوان المظالم، عن تجربة مؤسسته كأداة من أدوات النضال الحقوقي اليومي للدفاع عن المشتكين والمتظلمين الذين يعتقدون أنهم ضحايا التعسف والشطط والتجاوز والحيف الذي قد يصيبهم من جراء قرارات وأعمال وتصرفات بعض الإدارات العمومية وكل هيئة تتمتع بصلاحيات السلطة العمومية.

وذكر العراقي أن مؤسسة ديوان المظالم أسهمت في إقامة قطيعة بين الإدارة وبعض الممارسات المنافية لمبادئ حقوق الإنسان، وشكلت من خلال الوساطة بين المواطنين والإدارة وتنمية التواصل بينهما، والتنسيق المستمر مع الحكومة والإدارات المعنية، أداة لتسوية حالات عديدة من الحيف والتجاوز، وتحسين التدبير الإداري، بما يكفل التزامها بمبادئ الحكامة الرشيدة، وقيم التخليق، وثقافة المرفق العمومي، حفظا لحقوق جميع المتعاملين معها، مهما كانت فئاتهم وطبقاتهم. واشتملت الكلمة التي ألقيت باسم خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لتعذر حضوره، على جرد كامل لما قام به المجلس منذ تأسيسه يوم 26 مارس (أذار) 2006، من نهج لسياسة تصالحية، وذلك من اجل القضاء على مخلفات الماضي فيما يخص المس بحقوق الإنسان في أقاليم المغرب الجنوبية، وذلك كيفما كانت هذه الحقوق سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إدارية.

وركز ادريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، كلمته على مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال والمهاجرين وأفراد أسرهم، مبرزا أهميتها في زمن عولمة الهجرة، «حيث تشغل إشكاليات الحركة الإنسانية، والتعدد المتمخض عن الهجرة حيزا كبيرا في جدول أعمال سياسات الدول».

وأشار اليزمي إلى أن المغرب، ومنذ توقيعه على هذه الاتفاقية سنة 1993، وهو يطالب بتفعيلها لصالح مواطنيه المهاجرين، مذكرا، في نفس الوقت، بأن هناك تأخيرا من طرف بلده في تقديم تقريره الدوري أمام لجنة حقوق المهاجرين، يعود إلى سنة 2004، «لذا فقد حان الوقت لتدارك هذا التأخير».

وأوضح اليزمي أن هذا التقرير يتحتم عليه أن يأخذ بعين الاعتبار تحولات ظاهرة الهجرة، «بعد أن أصبح المغرب الذي يعتبر أرضا للهجرة بامتياز، أرض عبور، وأكثر فأكثر، أرض استقبال المهاجرين إليه. ومهما كانت مسؤولية الدول الأخرى في هذا المجال، وخاصة بعض السياسات الأوروبية، سيكون علينا توخي التماسك والوفاء بالتزاماتنا الدولية، والتعامل الإيجابي مع تاريخنا، ومع محيطنا الاستراتيجي، ومع المسؤوليات الجديدة المترتبة عن هذه الوضعية». واختتمت الجلسة الأولى التي ترأسها احمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بكلمة أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، استحضر فيها هو الآخر، أهم المنجزات والمكتسبات التي حققها المغرب في حقل الحقوق الثقافية بمفهومها الشامل، «وخاصة ما يتعلق منها بالثقافة الأمازيغية بوصفها مكونا أساسيا للثقافة الوطنية وملكا لكل المغاربة بدون اسثتناء». وأبرز بوكوس القيم التي تضيفها الأمازيغية لثقافة حقوق الإنسان، استنادا إلى خلاصات ودراسات أنثروبولوجية اجتماعية وثقافية مختصة، أفادت بأن الثقافة الأمازيغية تحمل قيما حضارية من صميم قيم حقوق الإنسان، من قبيل التضامن الجماعي، واحترام الحياة والحرية الفردية وغيرهما.

وتمحورت الجلسة الثانية التي ترأسها عبد الحي المودن، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، على مداخلات ألقاها عدد من أعضاء المجلس حول عدد من المواضيع همت بالخصوص:«الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بين تأصيل المبادئ وتطوير آليات التفعيل» لمحمد البردوزي، و«التطور المرتقب بتفعيل مقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، و«دور المؤسسات الوطنية في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها» لأمينة المريني، و«مكانة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في المشهد المؤسساتي على المستويين الوطني والدولي» لمحمد مصطفى الريسوني، واعتذر أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء عن إلقاء عرضه المعنون بـ«الحقوق التضامنية أفق جديد لحقوق الإنسان: المقومات والمقتضيات» لظرف طارئ.

وأعقبت المداخلات مناقشة عامة وتعقيبات أعلن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أنه سيتولى نشرها إلى جانب العروض التي ساهم بها باقي المسؤولين في هذا اللقاء الخاص المنظم بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار: «ستون عاما منذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: من ترسيخ المبادئ إلى توطيد المكتسبات في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها».