ساركوزي في ختام قمة بروكسل: أوروبا لا يمكن أن تكون قزما عسكريا وعملاقا اقتصاديا

القادة الـ 27 بحثوا سياسة دفاع ذاتية واتفقوا على ملفات المناخ واستفتاء ثان بآيرلندا وتحفيز الاقتصاد

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء فرانسوا فيلون في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد انتهاء قمة بروكسل أمس (رويترز)
TT

نجح قادة دول الاتحاد الاوروبي في تجاوز الخلافات، حول الموضوعات الرئيسية الثلاثة التي احتلت صدارة اجندة القمة، التي استغرقت يومين ببروكسل، وهي موضوعات تتعلق بخطة قدمتها المفوضية الاوروبية لتحفيز الاقتصاد الاوروبي، وملف التغير المناخي والطاقة، الى جانب ملف الاستفتاء الايرلندي، وانقاذ معاهدة لشبونة لاصلاح المؤسسات الاتحادية. وبعد ختام القمة قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس ان اوروبا «لا يمكنها ان تكون قزما عسكريا»، وعليها ان «تحافظ» في هذا المجال على «حرية تحركها» مع التعاون مع حلف شمال الاطلسي والحفاظ على صداقتها مع الولايات المتحدة.

وشدد ساركوزي حسب وكالة الصحافة الفرنسية على انه «لا يمكن لاوروبا ان تكون قزما على الصعيد العسكري وعملاقا في الموضوع الاقتصادي، هذا غير ممكن»، واصفا الخلاصات التي توصلت اليها قمة الاتحاد الاوروبي التي ترأسها على صعيد السياسة الاوروبية الدفاعية بانها «بالغة الاهمية».

واعرب قادة الدول الاوروبية الـ27 عن «نيتهم» اعطاء «دفع جديد» للسياسة الدفاعية عبر تعزيز وسائلها الوقائية، الامر الذي شكل احدى اولويات الرئاسة الفرنسية للاتحاد الاوروبي.

واضافوا ان الاتحاد الاوروبي سيقوم بذلك «في صورة متكاملة» مع الحلف الاطلسي، ولكن «مع احترام سيادة قراراته».

وقال ساركوزي عن محادثاته مع نظرائه «عندما تحدثنا عن الدفاع الاوروبي، لم اجد حرجا في التحدث عن تعاون مع الحلف الاطلسي مع احتفاظ اوروبا بحرية تحركها»، واضاف «على اوروبا ان تملك سياسة دفاع ذاتية ولكن مع حلفائها»، متابعا «في ذهني قمة الحلف الاطلسي في ستراسبورغ» المقررة في ابريل ( نيسان) المقبل.

لكن ساركوزي لم يفصح عما اذا كان يعتبر محصلة الرئاسة الفرنسية كافية لاعلان عودة فرنسا الكاملة الى البنية العسكرية للحلف الاطلسي في ستراسبورغ، وهو امر دعا اليه في الاشهر الاخيرة في موازاة تعزيز السياسة الاوروبية الدفاعية.

وتركت باريس بشكل كامل قيادة حلف شمال الاطلسي عام 1966 وعادت اليها جزئيا في التسعينات.

ولاحظ ساركوزي ان «عدم وجود طرف ينظر الى السياسة الاوروبية الدفاعية كسياسة عدوانية حيال الولايات المتحدة هو بمثابة نجاح»، مذكرا بان الرئيس الاميركي جورج بوش اقر في قمة الحلف الاطلسي في ابريل (نيسان) 2008 في بوخارست بأسس الهوية العسكرية الاوروبية.

واعتبر ان الاوروبيين «يفهمون» انهم غير ملزمين الاختيار بين «صداقة الولايات المتحدة» و«السياسة الدفاعية المستقلة لاوروبا»، مؤكدا ان «علينا القيام بالامرين». وشدد ساركوزي على انه «تقدم تاريخي»، مؤكدا ان «اصدقاءنا البريطانيين مستعدون للمضي قدما» في ذلك.

وابدت لندن ترددا حيال اي تقدم دفاعي في اوروبا خشية ان يتضارب مع وظيفة الحلف الاطلسي او يهدد وجوده، ولا تزال ترفض انشاء مقر عسكري اوروبي عام في بروكسل، الامر الذي تسعى اليه فرنسا، لكن ضابطا بريطانيا يقود للمرة الاولى عملية بحرية تابعة للاتحاد الاوروبي، وتحديدا قوة «اتالنتا» البحرية لمكافحة القرصنة قبالة الصومال.

واشار ساركوزي ايضا الى ان البولنديين «سيؤدون الدور المطلوب منهم».

على صعيد الملفات الاخرى أكد ساركوزي، ورئيس المفوضية الاوروبية مانويل باروسو، في المؤتمر الصحافي الختامي للقمة، نجاح القادة في تحقيق الاتفاق على الموضوعات المطروحة، وعملوا من أجل المشروع الاوروبي، ومن أجل مستقبل الاجيال القادمة.

وقال برلسكوني «أشعر بارتياح تام»، وأضاف «لقد اتفقنا على الاجراءات الرامية إلى معالجة الازمة التي يجب أن تكون متطابقة مع معاهدة الاستقرار»، وأردف «لقد حققنا كافة اهدافنا»، في إشارة إلى خطة النهوض الاقتصادي، وعلى صعيد التسوية حول الحزمة الاوروبية، اكد برلسكوني أن ايطاليا «حصلت على كل ما أرادته»، واضاف «ستنفذ الاجراءات الاوروبية بعد عام 2013 » وأردف « كما نجحنا في ادراج بند ينص على، مراجعة عامة تتم في الشهر الثالث من عام 2010، لحزمة الطاقة والمناخ بكاملها، بحيث تتم توسيعها لتشمل تقييماً يتعلق بوقع الحزمة على المنافسة».

وأشار ساركوزي في المؤتمر الصحافي الى أن الحكومة الايرلندية التزمت تنظيم استفتاء ثاني خلال العام القادم على معاهدة لشبونة في مقابل ضمانات بالحفاظ على مفوض إيرلندي في الجهاز التنفيذي الأوروبي وضمان أن تحترم الدول الأوروبية في إطار معاهدة لشبونة خصوصية التشريعات الايرلندية في مواضيع مثل العائلة (الإجهاض) والسياسة الضريبية وغيرها ووصف الرئيس الفرنسي المفاوضات بـ«الصعبة» مع الايرلنديين، وأردف « ولكننا توصلنا إلى حلول انطلاقاً من قناعتنا بأهمية إيرلندا لأوروبا، وحاجة الأخير للتكتل الأوروبي».

وحول الأزمة الاقتصادية، أعلن الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي بأن الدول الأوروبية ستعمد إلى تخفيض قيمة نسبة ضريبة القيمة المضافة في شهر مارس (اذار) من العام القادم، وأضاف «يعود لوزراء الاقتصاد والمالية الأوروبيين تفصيل ووضع التعليمات التنفيذية لهذا القرار»، وأوضح ساركوزي بأن الزعماء طلبوا من المفوضية الأوروبية إعداد مقترحات لمشاريع محددة من أجل استخدام مبلغ 50 مليار يورو (من الأموال غير المستخدمة قبلاً لمنح قروض لخدمة الاقتصاد الأوروبي).

وشدد الرئيس الفرنسي على إلتزام الدول الأعضاء العودة إلى احترام متطلبات وثيقة الاستقرار والنمو الأوروبية بخصوص عدم تجاوز حدود عجز الموازنة المسموح به أوروبياً بعد مرور الأزمة، وأضاف «نحن نجتاز مرحلة استثنائية اقتصادياً»، وركز ساركوزي على أن الدول الأوروبية حافظت على الالتزام المنصوص عليه في مخطط المفوضية 1.5 % من إجمالي الناتج المحلي لخدمة إعادة إطلاق الاقتصاد والاستثمار في المجالات الصديقة للبيئة وتشجيع الأبحاث والطاقة البديلة، أما الإنجاز الأهم للقمة، والكلام دائماً للرئيس الفرنسي، فيتمثل في قدرة أوروبا على تجاوز خلافاتها وتبني حزمة الطاقة والتغير المناخي، وتفهم مخاوف الدول التي تحفظت عليها وأعطى ساركوزي مثالاً على كلامه بقوله إن الزعماء الأوروبيين عملوا على وضع تعليمات تساعد بولندا على تجنب أي ارتفاع في أسعار الكهرباء لديها في حال التحقت بالعمل الأوروبي الرامي إلى تخفيض معدل انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بمقدار 20 % بحلول 2020، وهي الدولة التي تعتمد في اقتصادها على 80 % من الفحم (الملوث الأكبر للبيئة).

وأشار ساركوزي أيضاً إلى أن بولندا حصلت على مساعدات اقتصادية تصل إلى 15 مليار يورو لدعم «عملية التأقلم الاقتصادي البولوني مع أهداف البيئة» كما تحدث الرئيس الفرنسي لألمانيا، التي أظهرت تحفظاً كبيراً على حزمة الطاقة في البداية، مشيراً إلى أنها حصلت على تعهدات بدعم اقتصادي يوجه لمحطات توليد الطاقة الألمانية خلال الفترة الواقعة بين 2013 ـ 2016 ، لتخفيض آثار الحزمة البيئية على الاقتصاد الألماني، وأوضح الرئيس الفرنسي بأنه بذل جهوداً كبيرة لتقريب وجهات النظر بشأن البيئة، «إذ من غير المقبول التذرع بالأزمة المالية للتخلي عن إلتزام أوروبي رائد على الصعيد العالمي»، وأضاف «لقد نجحنا في ذلك فأهدافنا ثابتة»، أما رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو، فقد أكد أن الاتفاق على حزمة الطاقة والمناخ انتصار أوروبي ورسالة قوية للعالم، خاصة لأميركا»، وأضاف باروسو بأن أوروبا تستطيع أن تقول للولايات المتحدة الآن «يمكنكم العمل مثلنا ومعنا»، خاصة في ظل إعلان الرئيس المنتخب باراك أوباما ووضعه لقضية المناخ في صلب أولوياته، وكانت أروقة القمة الأوروبية قد شهدت مشاورات مكثفة مع الدول التي اعترضت على حزمة الطاقة ومحاربة التغير المناخي، التي قدمت في شهر يناير 2008، مثل ألمانيا، إيطاليا، بولونيا، المجر، وبعض دول أوروبا الشرقية، ما اضطر الرئاسة الفرنسية لتقديم بعض المحفزات للتوصل إلى إقرار هذه الحزمة قبل نهاية العام الحالي، كما سبق أن تعهد الرئيس الفرنسي. وفيما يتعلق بملف تحفيز الاقتصاد الاوروبي اقرت القمة الاوروبية خطة المفوضية الاوروبية للاصلاح المالي لمواجهة الازمة المالية العالمية. وذكرت القمة في بيانها الختامي ان الزعماء الاوروبيين، يدعمون الخطة الاوروبية، التي تقدمت بها المفوضية لدفع الاقتصاد، والتي خصص لها مبلغ 200 مليار يورو، باعتبارها تمثل اطارا متماسكا للعمل على مستوى الاتحاد الاوروبي، آخذة بعين الاعتبار، الاختلاف في قدرات الدول الاعضاء. وفي ملف اخر جرى الاعلان في ختام القمة، عن توصل زعماء الاتحاد الى اتفاق، لمعالجة التغير المناخي، وكانت تسع دول بأوروبا الشرقية، تعتبر العقبة الرئيسية الاخيرة، هي الاتفاق على حزمة من الاجراءات تهدف الى مكافحة ارتفاع درجة حرارة الارض، لكنها ستزيد من تكاليف قطاعات الطاقة بها، واكدت القمة الاوروبية التزامها بتنفيذ اهداف حزمة التغييرات المناخية والطاقة، واستعدادها لموقف موحد في مؤتمر المناخ المقرر عقده في كوبنهاغن اواخر العام المقبل. وذكرت القمة في البيان الختامي، ان القادة الاوروبيين يؤكدون التزامهم، بتنفيذ الخطة المتعلقة بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2020. وقالت ان القادة يؤكدون ايضا التزامهم بجعل الطاقة المتجددة، تمثل 20 في المائة من استهلاك الطاقة بحلول العام نفسه. ورحبت القمة بما تم التوافق عليه حول خفض نسبة انبعاث ثاني اوكسيد الكربون، في السيارات الجديدة خلال عام 2015. ودعت القمة مجلس الاتحاد الاوروبي، للاتفاق مع البرلمان الاوروبي، بما يمكن من تبني مجموعة الحزمة، قبل نهاية العام. وكان البرلمان الاوروبي قد دعا في بروكسل قبل ايام الى ضرورة اقرار حزمة التغييرات المناخية والطاقة خلال جلسته المقرر عقدها في مدينة ستراسبورغ الفرنسية 17 الشهر الجاري، باعتبارها تحديا كبيرا للاتحاد الاوروبي.