الحزب الشيوعي الصيني يواجه أكبر تحد اجتماعي لسلطته بسبب انعكاسات الأزمة العالمية

اتساع الاحتجاجات والاضطرابات العمالية وعريضة جريئة لـ 300 من النخبة المثقفة تطالب بإنهاء الشمولية

TT

قد تبدو علامات السخط قليلة، لكنها تبعث القلق في بلد شمولي يحظر المظاهرات، فقد قام عمال أحد مصانع لعب الأطفال بتحطيم النوافذ والحاسبات وقلبوا سيارات الشرطة في إقليم غواندونغ، كما قام عمال شركة في مدينة هاربين بالسفر إلى مقر الشركة في بكين ليطالبوا بأجورهم، واشتبك ما يصل إلى 20 الف سائق سيارات الأجرة مع قوات الشرطة في احتجاجات شهدتها 7 أقاليم. وفي الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد الصيني تراجعًا، جاءت تلك المظاهرات في صورة متفرقة ولا يتجاوز عدد المتظاهرين 100 شخص، لكن الأسابيع الأخيرة انتشرت المظاهرات في البلاد كالنار في الهشيم.

ويقول زيهو شياوزنغ، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الشعبية في بكين: «من المؤكد أن تلك هي أخطر المشكلات التي واجهناها منذ عام 1989، فلدينا ملايين الخريجين الجامعيين الذين لا يجدون عملاً... كما أن هناك عمالا مهاجرين فقدوا وظائفهم في المصانع وليست لديهم أراض يعودون إليها». وتبدو المشكلة المالية الصينية أقل خطورة إذا ما قورنت بالمشكلة الأميركية، فمن غير أن ترتفع معدلات البطالة عن 4.5% مقارنة بـ 6.5% في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، وعلى الرغم من خفض البنك الدولي من توقعاته للنمو في الصين خلال العام القادم من 9% إلى 7.5% إلا أن ذلك الرقم المنخفض يضع الصين في المقدمة من حيث معدلات النمو.

المشكلة هي أن النمو العادي قد لا يكون كافيًا لنظام مدعوم بمكاسب مرتفعة خلال السنوات الخمس الماضية. وقد تنبأ نوريل روبيني، الاقتصادي في جامعة نيويورك، الشهر الماضي أن الصين ما لم تحقق نسبة نمو ما بين 9% إلى 10% فإنها ستكون في طريقها إلى تباطؤ اقتصادي.

وتقول سوزان شيرك، الأستاذة في جامعة يو سي سان دييغو «أعتقد أن القادة الصينيين مذعورون، فقيادة الحزب الشيوعي تعتقد أن هناك علاقة بين النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي واستمرار حكم الحزب الواحد».

وقد أصبح البعض في النخبة المثقفة في البلاد أكثر جرأة وطالبوا بتغيير سياسي في عريضة نشرت الأسبوع الماضي والذي وضع على غرار العريضة التي نشرت في عام 1977 والتي تحدت الهيمنة السوفياتية على تشيكوسلوفاكيا. وتقول العريضة التي وقعها 300 من النخبة الصينية «إن الأنظمة الشمولية في العالم توشك أن تنتهي عما قريب».

وما يجعل الحكومة عرضة للانتقادات هو أن الأشخاص المتضررين ماليًا لا يمتلكون سوى القليل من الوسائل الشرعية التي يمكنهم من خلالها التعبير عن مشكلاتهم، فهم غير قادرين على الإطاحة بقيادتهم من خلال الانتخابات أو تنظيم الإضرابات أو الحصول على تعويضات من المحاكم ومن ثم فهم يحتجون، وعندما تتدخل الشرطة تتطور الأمور سريعا وتصبح أكثر عنفا.

وهذا بالضبط هو ما حدث في 25 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما قام 1000 عامل ممن فقدوا وظائفهم في مصنع كاي دا للعب الأطفال في دونغ غوان، ومدينة تقع في جنوب شرق الصين والتي تدعى غالبا باسم مصنع سانتا كلوز الحي لكم لعب الأطفال التي تصنع هناك.

ويصف ميكانيكي كان يعمل في المصنع: «دخلت مجموعة من العمال في نقاش مع الإدارة حول مكافأة نهاية الخدمة عندما حدث نزاع ورأينا، رجال الشرطة يضربون 5 من العمال بالعصي مما أدى إلى فقد الكثيرين منهم للوعي، مما أدى إلى تدافع الكثيرين من العمال وتجمعوا حولهم، ثم تجمع الآلاف منهم فحطموا سيارات الشرطة والأبواب والحاسبات».

وتلقي الأزمة الاقتصادية العالمية بظلالها بقوة على أقاليم مثل دونغ غوان الذي يضم مصانع لعب الأطفال والأحذية والملابس التي ترضي مطالب المستهلك الأميركي النهم، أما الآن فقد تقلص الطلب نتيجة للركود الأميركي والفضائح بشأن المواد الغذائية الملوثة والألعاب الخطرة التي تنتجها الصين.

وقد أعلنت الحكومة الصينية يوم الأربعاء أن الشهر الماضي شهد تراجعا في الصادرات الصينية للمرة الأولى منذ 6 سنوات، فتشير الأرقام الواردة من الإدارة العامة للجمارك إلى انخفاض صادرات نصف الشركات الصينية التي تعمل في مجال لعب الأطفال والبالغ عددها 3,631 شركة. وغالبية العمال الذين فقدوا وظائفهم هم من المهاجرين الذين قد لا يجدون مكانًا يلجأون إليه. وزهونج وزوجته الحامل أتوا من منطقة في إقليم سيشوان التي عانت من أضرار بالغة بسبب الزلازل التي وقعت في مايو وقال: «نحن نتجول في الأماكن المختلفة بحثًا عن عمل».

تلك الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل والمحبطين أحد كوابيس الحكومة. ويقول زيهو تيانيونج، الاقتصادي في إحدى المؤسسات البحثية الحكومية، في افتتاحية صحيفة تشينا إكونوميك تايمز الأسبوع الماضي «إن إعادة توزيع الثروة عبر السرقة والرشاوى يمكن أن تزداد بصورة دراماتيكية وستزداد التهديدات التي تواجه الاستقرار الاجتماعي».

بيد أن المشكلة لا تكمن في إمكانية عدم السيطرة على المهاجرين، حيث أقدم بعض شباب المحترفين على تحطيم صالة عرض أحد المجمعات السكنية الذي يدعى جليمورس سيتي والذي يقع في هانغ زهو في إقليم زيانج بعد أن علموا أن مقاول العقارات أعطى تخفيضًا بنسبة 25% لبعض المشترين للوحدات في حين أنهم دفعوا الثمن كاملاً.

كان الغضب باديًا في مكاتب سمسرة بورصة بكين حيث جلس المستثمرون على صف من المقاعد البرتقالية يشربون الشاي الذي أحضروه من منازلهم ليشاهدوا الأرقام المحبطة على اللوحة الإلكترونية لأسعار الأسهم.

ويقول أحد الجالسين في صوت أحدث ضجيجيًا جعل الآخرين ـ الذين لم يعتادوا على أن يسمعوا كلامًا ضد الرئيس الصيني ورئيس الوزراء بصوت عال ـ يلتفتون إليه ليحاولوا إسكاته. (قالت له إحدى الجالسات إلى جواره «لا تخبر الأجنبي بالكثير عما يحدث في الصين»).

وافق الرجل الذي يبلغ من العمر 53 عامًا والذي أشار إلى نفسه باسم لو يانج أو «يانج العجوز» على خفض صوته واستمرت المحادثة، فذكر أنه فقد مدخرات سبع سنوات من عمله في مصنع مكونات الآلات الذي أغلق الآن.

شارك يانج بعض الحاضرين في غضبه حيث فقد عمال المصانع المتقاعدين وصناع المنازل وموظف البريد الأسبق قسمًا كبيرًا من مدخراتهم عبر اللعب في البورصة وشعروا بأن الحكومة خانتهم عبر عدم حمايتهم.

يقول زيونج هوان يونج، الذي يبلغ من العمر 66 عامًا، والذي تقاعد من عمله كموظف للبريد «فقد البعض كل شيء في سوق الأسهم، فقد باعوا منازلهم واقترضوا المال، ويعتقدون أن لا بد من وجود تشريعات أكثر حزمًا».

المشكلة البنيوية في الاقتصاد الصيني هي أن الأجور ومستوى المعيشة لم تتسق مع ذلك الزخم للنمو الاقتصادي المذهل، ونتيجة لذلك لم يشعر المستهلكون بالثراء بما يكفي لتحسين ذلك التباطؤ الاقتصادي ودفع عجلة الاقتصاد في وجه انخفاض الطلب من الولايات المتحدة وأوروبا.

وقد خفضت الحكومة الصينية سعر الفائدة مرات عدة كان آخرها الشهر الماضي عندما أعلنت عن مجموعة من الحوافز بقيمة 586 مليار دولار، ويتوقع أن يكون هناك المزيد من الخطوات، لكن الاقتصاديين يبدون تشككهم من فاعليتها.

يقول ماو يوشي الاقتصادي الصيني البارز «السياسة الاقتصادية الحكومية لا تزال تتطلع إلى تحقيق مستوى عال من النمو وليس إيجاد وظائف أو رفع دخل الأفراد».

وتعتقد شرك من جامعة سان دييغو أن الاحتجاجات سوف تتزايد طالما أدرك العمال أن تلك التحركات يمكن أن تساعدهم في الحصول على ما يرغبونه، فعلى سبيل المثال تلقى كل عامل من العمال الذين فقدوا وظائفهم في كاي دا معونة بحوالي 900 دولار بعد احتجاجهم.

لكن شرك تعتقد أن الحكومة قادرة على إدارة الأزمة طالما ظلت تلك المظاهرات على النطاق المحلي وظلت القيادة الوطنية موحدة، وتضيف «لقد تعلموا الدرس من أحداث تيانامين، فما دام بإمكانهم منع الانقسامات العامة والزج بقادة هذه الاحتجاجات في السجون وإلقاء اللائمة بالمشكلات على المسؤولين المحليين فإن بإمكانهم البقاء سويًا».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»