رئيس برلمان إقليم كردستان: بغداد عاصمتنا جميعا.. ولكننا نتذكر الماضي أحيانا

عدنان المفتي لـ«الشرق الاوسط»: نختلف مع المالكي في السياسات ولكن لا نريد تغييره

عدنان المفتي (أ.ف.ب)
TT

بخلاف اللغة التي اتسم بها معظم المسؤولين في حكومتي بغداد وإقليم كردستان في الآونة الاخيرة والتي يمكن وصفها بـ«شديدة اللهجة» في تبادل الانتقادات واللوم والاتهامات حول صلاحيات حكومة اقليم كردستان وصلاحيات الحكومة المركزية برئاسة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بدت اللغة التي تحدث بها عدنان المفتي رئيس برلمان اقليم كردستان اكثر هدوئا واتزانا عندما حاورته «الشرق الاوسط» في لندن لدى زيارته للعاصمة البريطانية بدعوة من وزارة الخارجية البريطانية، إذ قال إن الجميع معرض للخطأ لكن السبيل الوحيد لحل الخلافات هو العودة الى طاولة الحوار. كما انتقد المفتي حوار الرسائل الذي نشط في الاونة الاخيرة سواء بين المالكي والرئاسة العراقية برئاسة جلال طالباني من جهة او بين المالكي ورئاسة اقليم كردستان بزعامة مسعود بارزاني من جهة اخرى، داعيا الى تغليب لغة الحوار والشفافية بين الاطراف كافة وعدم استخدام وسائل الاعلام للرد على الاخرين. وأقر المفتي الذي ترأس برلمان الاقليم منذ انتخابات عام 2005 بانه عندما تقع خلافات مع الحكومة الاتحادية في بغداد فان الاكراد يتذكرون احيانا الماضي إبان صراعاتهم مع الحكومات العراقية المتعاقبة في القرن الماضي. ويأمل المفتي، وهو قيادي ايضا في الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني، أن تجرى الانتخابات النيابية المقبلة في الاقليم في 19 مايو (ايار) المقبل، اي ذات التاريخ الذي اجريت فيه اول انتخابات في الاقليم عام 1992، أي بعد ان خرج الاقليم عن نطاق سيطرة النظام العراقي السابق.

واستمر عمل البرلمان منذ ذلك الحين رغم مقاطعة كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني عام 1994، بسبب نشوب خلافات مع الحزب الرئيسي الآخر، الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني، ولم تعقد اية جلسة مشتركة حتى عام 2002 عند اتمام خطوات المصالحة الوطنية بعد توقيع اتفاقية واشنطن عام 1998، واستمر البرلمان بعمله حتى اجراء الانتخابات النيابية الثانية في عموم العراق عام 2005 . وتأتي زيارة المفتي لبريطانيا للاطلاع على عمل البرلمانات الموجودة ضمن نطاق المملكة المتحدة ومنها برلمان آيرلندا الشمالية للتعرف على كيفية عمل اللجان البرلمانية وعلاقة البرلمان بالحكومة وكيفية استجواب المسؤولين، ووصف التجربة في آيرلندا الشمالية بانها «مشابهة الى حد كبير لتجربتنا في كردستان وان كانت تجربتنا اكثر مرارة واكثر عنفا في الماضي». وفي ما يلي نص الحوار:

* في التاريخ الذي يمتد لأكثر من 15 عاما منذ ان خرج الاقليم عن سيطرة بغداد، هل نجحتم في تصويب أداء حكومة الاقليم ومراقبة عملها أو الاعترض على قراراتها؟ ـ الى حد ما نستطيع ان نقول نعم، لكن هذا التقييم ينبغي ان يكون وفق فهم الواقع لسنوات كان البرلمان غير قادر على اداء هذا الدور بسبب الاختلافات التي كانت قائمة (بين الحزبين الرئيسيين) والظروف غير الطبيعية، ولكن خلال السنتين او الثلاث الاخيرة تقدم البرلمان في اداء هذا الدور الذي هو من صلب مسؤولياته، لكني لا استطيع ان اقول ان هذا الدور كامل إلا اننا نسير بشكل جيد، فهناك 15 لجنة برلمانية مكلفة بمراقبة أداء الحكومة ويتم استدعاء رئيس الوزراء ونائبه والوزراء لمناقشتهم في مسائل معينة، وكانت هناك جلسات مشتركة كثيرة معهم لمناقشة القضايا الساخنة التي تهم الشعب في كردستان والعراق عموما كالقضايا السياسية والخدمات وخاصة الكهرباء والماء.

* لكن كانت هناك انتقادات لعدد من القوانين التي اقرها البرلمان أخيرا منها حماية المرأة، والسماح بتعدد الزوجات، وكذلك قانون الصحافة في الاقليم، فما رأيكم بذلك؟ ـ عندما صوت البرلمان اول مرة لقانون الصحافة كان التصويت بالاكثرية، ولكن عندما اعترض رئيس الاقليم على القانون ورجع مرة اخرى للبرلمان لمناقشته كانت لدينا الفرصة للدخول في تفاصيل دقيقة فاخذنا تجارب القوانين الموجودة في الدول المجاروة والدول الاوروبية، واستطيع ان اقول ان القانون الذي صدر قبل اشهر متقدم جدا وليس له مثيل في الشرق الاوسط، فلأول مرة لا يجوز غلق صحيفة تحت اية ذريعة كانت، كذلك ليس هناك عقوبات بالسجن بل بغرامة مالية تقررها المحكمة، اضافة الى ان ميثاق الشرف الدولي للصحافة اصبح جزءا من القانون ووضع مادة ملزمة للاطراف، سواء للصحافيين كمبادئ عامة أو للمجتمع للتعامل مع هذه الصحافة.

أما قانون الاحوال الشخصية فهو صادر أصلا عام 1959 ، وتم اجراء التعديلات عليه 13 مرة، ولكن كان هناك مشروع لتعديل القانون ينسجم مع التطور والتقدم اللذين نريدهما، ويلبي طموحاتنا جميعا لرفع الغبن عن المرأة ومساواتها مع الرجل. منذ اكثر من عام ونصف تم تقديم هذا المشروع وأحيل الى اللجان البرلمانية ونظمت مؤتمرات، كما اهتمت حكومة الاقليم بالموضوع وناقشته مع رجال مختصين من قانونيين ورجال دين ومتنورين وقدموا مشروعا وتم تعديل القانون، واعتقد ان هذا التعديل يشكل خطوة كبيرة الى الامام.

* تعتزمون إقرار دستور إقليم كردستان قريبا، كما اصدرتم العديد من القوانين التي قد تكون لها علاقة من قريب او بعيد بحكومة بغداد مثل قانون النفط والغاز، فكيف يتم سن مثل هذه القوانين وهل تنسقون مع الحكومة المركزية ببغداد قبل إقرارها؟ ـ في اي قانون يسن في اقليم كردستان نأخذ بالاعتبار ان يكون منسجما مع الدستور العراقي، وفي الدستور العراقي هناك صلاحيات محددة للإقليم واخرى محددة بالحكومة الاتحادية، وهناك ايضا صلاحيات مشتركة. وعندما تكون صلاحياتنا ضمن ما جاء بالدستور العراقي فنحن نسن القانون وعندما تكون متعلقة بالصلاحيات المشتركة فنتوقف كثيرا ونسأل الخبراء لكي لا يكون القانون الذي نصدره يقف بالتضاد مع القانون العراقي. لحد الان لم نسمع أي اعتراض على القوانين التي صدرت في اقليم كردستان، وحتى قانون النفط والغاز الذي صدر في الاقليم جاء ضمن فهمنا للدستور العراقي وأشرنا الى المواد التي استندنا اليها، والقانون ينظم كيفية عمل وزارة الموارد الطبيعية في كردستان لاستخراج هذه الموارد وادارتها، وينبغي ان يكون ذلك في كثير من المجالات بالتعاون مع السلطات الاتحادية، واذا ما كانت هناك اشكالات فهي ليست اشكالات قانونية تتعلق بنا (البرلمان) بل هناك اشكالات قانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان تتعلق بتفسير بعض المواد الدستورية.

* هذا الكلام يقودنا الى الخلافات بين حكومتي بغداد وأربيل، ففي الاونة الاخيرة تبادل القادة العراقيون الحوار عبر الرسائل، فهل برأيك يعجز القادة العراقيون عن اللقاء على طاولة المفاوضات فلجأوا الى حوار الرسائل؟ ـ اكثر شيء خطأ في هذه المسألة ان الاعلام هو الذي يعالج هذه المشكلة، اذا كنا نسميها مشكلة، فالاختلاف في وجهات النظر بين السيد رئيس الوزراء (المالكي) واحيانا بعض المسؤولين الاخرين في الحكومة الاتحادية وبين حكومة اقليم كردستان، وكذلك بين السيد رئيس الوزراء واطراف اخرى في الحكومة الاتحادية، يتم عبر وسائل الاعلام، في حين يجب ان يكون ذلك ضمن الآليات الموجودة ضمن الحكومة الاتحادية ذاتها، فهناك المجلس السياسي (للأمن الوطني الذي يتألف من قادة الكتل السياسية) الذي ينبغي ان تتم مناقشة كل المسائل داخله، كما ان هناك آلية للتباحث بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية، ولكن الذي يحصل ان هذا التنسيق غير موجود بالشكل الذي نريده، فتتراكم الاختلافات وتجد طريقها الى الاعلام، وعندما تصل اي قضية الى الاعلام بدون حل يجري تضخيمها، طبعا انا لا اقول إننا معصومون من الخطأ، كل من يعمل يخطئ، لكن الاخرين ايضا ليسوا معصومين من الخطأ، لكن اهم شيء الانسان في العراق الجديد انه لا يمكن لاي طرف ان ينفرد بالقرارات، لان العراق الجديد مبني على التوافق والقبول بالآخر والديمقراطية التي تعني ان تأخذ بالآخر وان تتقبله، وان لا تفرض عليه رأيك، وبالتشاور مع بعض، لكن الذي حصل ان بعض الخطوات تم اتخاذها من قبل الحكومة الاتحادية من دون ان يكون هناك تشاور.

* أنتم تتكلمون الان عن رئيس الوزراء نوري المالكي الذي اتهمه الأكراد بالانفراد بالسلطة..

ـ انا لا اقول انفراد بالسلطة لانه لا أحد يستطيع الانفراد بالسلطة، فالعراق القائم حاليا لا يمكن لأي شخص فيه ان ينفرد بالسلطة حتى لو كانت له رغبه بذلك، وربما هناك بعض الخطوات التي توحي بذلك مثل مواجهة المجاميع الارهابية في ديالى، فحكومة اقليم كردستان ابدت رغبتها بالتعاون وسبق لقوات حرس الاقليم (البيشمركة) وقوات الاساييش (الامن الكردي) ان قامت بدور كبير في دحر المجاميع الارهابية وتطهير المنطقة، سواء في ديالى او في محافظة كركوك، وعندما وضعنا برنامجا لتطهير هذه المناطق فوجئنا بقوات عراقية تتقدم نحو خانقين رغم ان خانقين لم تكن ضمن الاماكن التي تضم هذه المجاميع. إن ارسال القوات العسكرية الى الاماكن المتوترة أمر طبيعي، اما في المناطق الآمنة فالجيش العراقي لا ينبغي ان يتدخل في هذه المسائل، وذلك بحسب الدستور. كما ان منطقة خانقين تعتبر مشمولة بالمادة 140 (التي تعني بتطبيع الاوضاع في المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل) إذن فهي ليست منطقة خارج الاقليم ولا منطقة داخل الاقليم، فالامر بحاجة الى تشاور. ان التشاور لم يتم لا مع حكومة الاقليم ورئيس الاقليم، ولا حتى مع قائم مقام قضاء خانقين، كذلك لم يتم (القرار) في مجلس الوزراء، ولم يتم التنسيق مع نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح (كردي) ايضا، وكان القرار مفاجئا له، وحسب علمي فان القرار كان بين رئيس الوزراء والمسؤولين العسكريين.

* ولكن قائد أركان الجيش العراقي كردي؟

ـ (هو) لم تكن لديه لا موافقة ولا اطلاع ولم يكن موجودا، وهذا خلق ردود افعال ومواقف سلبية ومخاوف من الامر، المالكي رجل مناضل وحليف للتحالف الكردستاني لكنه بحاجة الى ان يتحاور، ونحن ايضا بحاجة الى ان نتحاور وان تكون لغة التفاهم هي الاساس وليس فرض ارادة على ارادة اخرى.

* وماذا عن خلافاتكم الأخرى مع رئيس الوزراء العراقي؟ ـ تشكيل مجالس الإسناد.. فقبل ان نعترض عليها، اعترض الاخرون. نحن اعترضنا عندما وصل تشكيل هذه المجالس الى المناطق المشمولة بالمادة 140، اي كركوك ومناطق اخرى من ديالى، وهذه مسألة حساسة بالنسبة لنا، لان تشكيل هذه المجالس من قبل الحكومة الاتحادية من خلال الدعم المالي والعسكري، ولو انه (المالكي) نفى الدعم العسكري، يذكرنا بسياسات سابقة للأنظمة الحاكمة التي كانت دائما تحاول إدخال شريحة معينة تابعة وموالية لها لحل المشاكل السياسية مع ممثلي الشعب الكردي، كما ان هذا الشيء مخالف للدستور ولم يكن ايضا قرارا لمجلس الوزراء.

* من المسؤول بحسب الدستور العراقي عن حماية المناطق المتنازع عليها، قبل البت بأمرها وفق المادة 140، هل هي الحكومة الاتحادية أم حكومة الإقليم؟ ـ الدستور العراقي لا يشير الى الحماية، لكن كأمر واقع فان قوات البيشمركة والاساييش (الامن الكردي) ساهمت في توفير الامن لهذه المناطق فلم تكن هناك قوات اتحادية، نحن الذين واجهنا الارهاب وقدمنا ضحايا كثيرة. ان الامن مستتب هناك لان هناك قوات الشرطة وقوات الاساييش المحلية، ولكن مدعومة من حكومة الاقليم. بالتأكيد ان لدى الحكومة الاتحادية مسؤولية لان هذه المناطق مشمولة بالمادة 140، اذن فالمسؤولية مشتركة. وهناك ايضا اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140، ونحن ننتظر الخطوات التي ستقوم بها هذه اللجنة وليست خطوات للعودة الى الوراء.

* وإلى أين وصلت قضية مدينة كركوك الآن؟ ـ لدينا وثائق تاريخية وخرائط تعود الى 400 سنة، وكذلك لدينا وثائق صادرة من حكومة صدام حسين، وكلها تبين كيف جرى طرد وترحيل آلاف العوائل الكردية ومئات العوائل التركمانية من محافظة كركوك، وكيف تم جلب العشائر العربية وإسكانها. يجب العودة الى احصاء 1957 لان هناك شكوكا من كل طرف (بالاحصائيات الاخرى)، فهناك من يقول إننا جلبنا اكرادا من تركيا وايران الى كركوك، فاذا كان اكراد من سكان كركوك لا يعودون فكيف نستطيع جلب اكراد من تركيا وايران؟

ان من له جذور في احصاء 1957 فهو من أهل كركوك سواء كان عربيا او كرديا او تركمانيا، وبعد ذلك نجري الاستفتاء، فاذا قال السكان انهم يريدون الانضمام الى الاقليم فيجب احترام إرادة الاغلبية.

* هل الحكومة العراقية مسؤولة ايضا عن عرقلة تطبيق المادة 140؟ هناك اعضاء أكراد في اللجنة المسؤولة عن التطبيع وان الحكومة العراقية لا تدير اللجنة بمفردها؟

ـ نعم ان الاكراد موجودون في اللجنة، ان الذي يعرقل (تطبيق المادة) هو عدم وجود الثقة والتدخلات الخارجية من دول الجوار، مثلا، والدول العربية وتركيا، وكذلك استخدام هذه الورقة في التنافس الحزبي بين هذا الحزب وذاك، فعندما تكون هناك انتخابات ترفع بعض الاحزاب الموجودة في الوسط العربي او الوسط التركماني شعارات متطرفة لجذب المصوت الذي يتبع هذه الثقافة، ومن المعروف فإن الثقافة الموروثة غير متسامحة وغير منفتحة.

* وماذا عن الخلافات حول النفط؟ ـ هناك نقطتان، الاولى ان السياسة النفطية خلال التسعين عاما المنصرمة كانت سياسة مركزية نفطية صارمة، والعراق الجديد هو عراق اتحادي يعطي صلاحيات للأقاليم والمحافظات بضمنها صلاحيات في الادارة المشتركة للنفط، وهناك مواد في الدستور تنظم المسألة، إحداها تقول إن النفط هو ملك للشعب العراقي، ولا يكتفي بهذا القدر بل يقول إن النفط ملك للشعب العراقي في كافة الاقاليم والمحافظات، وهذا معناه اعطاء خصوصوية لتلك الاقاليم والمحافظات، وثانيا، فان الانتاج الحالي للحقول النفطية المنتجة هو من مسؤولية الحكومة الاتحادية وهذا الامر مفروغ منه، لكنه (الدستور) يقول إن الحقول المستكشفة هي من مسؤولية الحكومات في الاقاليم والمحافظات بالتعاون مع الحكومة الاتحادية.

ونحن نعتقد ان انتاج النفط من الحقول الجديدة يعني قوة جديدة للاقتصاد العراقي، ان العراق يصدر الآن نحو مليوني برميل من النفط وله الحق ان يصدر اكثر من ثلاثة ملايين برميل، نحن لا نريد ان نطلب الميزانية من الحكومة الاتحادية فقط بل نريد ان نشارك بهذه الميزانية بقوة اقتصادية. وهناك مبدأ آخر لا غبار عليه هو ان الواردات النفطية يجب ان تذهب الى الموازنة العامة وليس لموازنة الاقليم لاننا متفقون على ان الميزانية واحدة في العراق ولنا نسبة فيها. إن الشفافية مطلوبة، فلا ينبغي ان يكون هناك اي شيء سري، ولذلك دعونا وزير الموارد الطبيعية لبرلمان اقليم كردستان وشرح لنا بالتفصيل العقود والمبالغ والى اين تذهب، والحكومة الاتحادية لها الحق ان تناقش، لكن لا أن تقول إنها باطلة.

* ذكرتم كلمة الشفافية، فهل عرض اقليم كردستان العقود النفطية على حكومة بغداد قبل إبرامها مع الشركات الاجنبية؟ ـ هذه العقود تسبق سقوط النظام (السابق) وهناك شركات تعمل في كردستان قبل سقوط النظام، وفي الدستور العراقي هناك مادة تقول ان كل القرارات المتخذة من حكومة الإقليم هي قانونية، إذن فان الدستور يحسم بأن هذه المسائل هي قانونية.

* الدستور العراقي تحدث عن تعاون بين الحكومة المركزية والاقليم في مجال النفط، ولكنه لم يتحدث عن إنتاج او تصدير، وهذا ما أثار حفيظة الحكومة العراقية..

ـ الدستور يقول ان السياسة النفطية توضع بشكل مشترك، إذن فإن الانتاج من بين تلك السياسة، لكن الاقليم لم يصدر النفط، فليس لدينا شبكة لتسويق النفط، من الممكن ان تبيع النفط بالبراميل وهذا لا شيء، ومن الممكن ايضا بيعه من خلال السيارات الكبيرة (الصهاريج) وهذا الامر يكلف كثيرا وربما اكثر من سعر النفط.

* ذكرتم كثيرا كلمة أزمة الثقة، فهل هناك قلق كردي أزلي من بغداد جراء تاريخ طويل من الصراع الكردي مع الحكومات في بغداد، رغم ان الاكراد الآن لديهم اقليم وان الرئيس العراقي هو كردي وهناك ايضا الدستور الذي نص على حماية حقوقهم؟

ـ لا اعتقد ذلك، اعتقد باننا توجهنا بعد سقوط النظام الى بغداد، واعتبرنا بغداد هي للجميع وعاصمة الجميع وينبغي ألا ننظر اليها كما كنا ننظر في السابق، ولكن عندما تحصل بعض الخلافات او بعض السياسات، ربما نتذكر الماضي سريعا، ولكن ليس بالضرورة ان يكون لدينا مسبقا موقف سلبي.

* هذا الحديث يذكّرنا بقضية تسليح الجيش العراقي واستيراد طائرات حربية، وكنتم قد اعترضتم او انتقدتم شخصيا على هذا الامر، رغم ان الوضع الامني سيئ في العراق والجيش العراقي بحاجة ماسة الى التسليح. ـ انا لم اعترض، فالجيش العراقي بحاجة الى التسليح، وأنه في موقع جغرافي مهم وتحيط به دول قوية وفيها مشاكل وينبغي التسليح للحفاظ على السيادة، لكن هذا لا يعني ان يهدد العراق الاخرين، فهذا الامر مرفوض نهائيا، ينبغي ان يكون العراق مسلحا وقويا لكي يدافع عن نفسه. أنا قلت إن هناك بندا في الدستور العراقي يقول يجب ان لا يتدخل الجيش في السياسة، انا قلت اننا نريد ضمانات من ألا تستخدم هذه الاسلحة مستقبلا ضد الاقليم وضد السكان في البصرة والموصل والرمادي وفي اي مكان، وهذا الكلام ليس موجها للمالكي، فالمالكي ربما في الانتخابات المقبلة (نهاية 2009) لن يكون رئيسا للوزارء، وهذا الكلام يطمئن كل الشعب العراقي من أن أي شخص يجلس في موقع القوة في بغداد ينبغي ألا يتصور ان الامور ستكون مهيأة له اذا أراد في ان يفكر بطريقة دكتاتورية، هناك ضمانات دستورية ضرورية وهناك ضمانات قانونية وهناك اتفاقات سياسية لكن اذا كانت هناك ضمانات في ألا تستخدم هذه الاسلحة في قمع اي مشاكل تحصل في المدن فهذا ايضا يطمئننا ويجعل المسيرة الديمقراطية اكثر وضوحا. وهذه ليست ازمة ثقة، فحتى لو كان رئيس الوزراء كرديا ينبغي ان يقال هذا الكلام (الضمانات). وهناك رأي آخر يقول لماذا لا نفكر في الوقت الحالي، ونحن لدينا امكانية كبيرة في صرف هذه المبالغ الكبيرة على الصحة والتربية التي هي بأمس الحاجة للنهضة.

* ولكن الوضع الأمني الراهن في العراق يفرض أن تكون الاولوية للأمن؟ ـ نحن نؤيد ان يكون الجيش العراقي جيشا قويا وهو جيشنا ويجب ان يدافع عن السيادة العراق، ولكني اؤكد ألا يتدخل الجيش العراقي في السياسة وان يبقى بعيدا عنها. المسألة يجب ان تنظم ضمن الآليات الديمقراطية، لن يكون هناك تهديد لأحد بانقلاب عسكري في اي وقت من الاوقات، او ان يتدخل الجيش ويدمر كل ما بنيانه من أسس، ان الجيش الذي نريد ان نبنيه وبدأنا ببنائه يختلف بالتأكيد (عن الجيش السابق)، وانا اقدر ان وزير الدفاع وقادة الجيش كلهم يختلفون عن رجالات الجيش السابق ولكن كل هذه المسائل يجب ان تنظم دستوريا.

* ولكن بالمقابل فان مصادر اميركية تحدثت عن استيراد اقليم كردستان شحنات اسلحة من بلغاريا ووصلت الى مطار السليمانية في سبتمبر (ايلول) الماضي من دون علم بغداد ـ هذا الكلام مردود ولا اساس له من الصحة، ولن يقبله عقل، واذا عملناه في المستقبل فهو عمل خاطئ، لان بمثل هذه الصفقات لن يكون الاقليم قويا، فالاقليم قوي عندما تكون هناك ديمقراطية في العراق. واذا سلكنا هذا الطريق (التسليح) فان بقية انحاء العراق اقوى منا، وجيراننا اقوى منا مئات المرات. ان قوتنا في الاقليم هي عندما نستكمل المؤسسات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني ونحارب الفساد.

* ولكن كانت هناك تلميحات من مسؤولين اكراد في اللجوء الى القوة أو المواجهة لوقف تشكيل مجالس الإسناد في المناطق المتنازع عليها في الشريط الحدودي مع كردستان؟ ـ لا اعتقد ان اي مشكلة في العراق يمكن حلها بالقوة، العراق يختلف الان، والذي يفكر باستخدام القوة مخطئ، واذا استخدمها فهو مخطئ مرتين. واستخدام القوة قاتل للشخص الذي يستخدمها لحسم الصراعات السياسية، فالذي يفكر باستخدام السلاح سيفشل وهذا الطريق ينبغي الا يفكر فيه أحد، سواء في حكومة الاقليم او في الحكومة الاتحادية.

* هل مشكلات حكومة الاقليم مع الحكومة العراقية ام مع المالكي شخصيا؟

ـ ليست لدينا مشكلات لا مع الحكومة العراقية ولا مع شخص المالكي، فنحن حلفاء معه ولكن نختلف في وجهات النظر، لدينا تفسيرات مختلفة للصلاحيات الموجودة، فهو يفسر بطريقة ونحن ربما نفسر بطريقة اخرى، فاتفقنا على ان يكون الحكم بيننا هو الدستور.

* حين رشح رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفري من قبل كتلته لشغل المنصب مرة ثانية بعد الانتخابات التي اجريت نهاية عام 2005 اعترضت كتلة التحالف الكردستاني على شخص الجعفري، والان لديكم اعتراضات على المالكي، فهل هذا يعني انه سيكون لدى الاكراد خلاف مع أي رئيس وزارء مقبل في الحكومة الاتحادية؟

ـ هاتان قضيتان مختلفتان، ان اختيار رئيس الوزراء يتم ضمن الالية الدستورية الموجودة، فالقائمة التي لديها الاغلبية في البرلمان هي التي تختاره وليس نحن، وبالبداية كانت هناك انتخابات داخل كتلة الائتلاف (العراقي الموحد الحاكم) لشخص ابراهيم الجعفري، وكلنا نعلم بأي طريقة صارت، ونحن دعمناه وتعاونا معه، لكن ظروف اختيار الجعفري كانت مختلفة. ليس هدفنا التعامل مع المالكي بنفس الطريقة او تغييره، فنحن نختلف معه في السياسات، ونريد ان تكون سياساته وسياساتنا قابلة للمناقشة والحوار وقبول الخطأ، ليس هدفنا مجرد تغيير المالكي، ان هذا الامر بعيد عنا.