شولتي لـ«الشرق الأوسط»: أمام سورية مهلة حتى مارس للتعاون في الملف النووي.. وإلا فسيكون لنا رد سلبي

قال إن كوريا الشمالية لم تنف دورها في مساعدة دمشق على بناء المفاعل النووي ولكنها التزمت بعدم استمرار نشاطات شبيهة في المستقبل

غريغوري شولتي («الشرق الأوسط»)
TT

وجه السفير الاميركي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية غريغوري شولتي، تحذيرا لسورية من استمرار رفضها للتعاون مع مفتشي الوكالة في التحقيق الذي تجريه حول نشاطاتها النووية، وشدد شولتي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» ان رفض سورية التعاون مع مفتشي الوكالة «لن يمر بدون عواقب». وأشار الى ان سورية تحت تحقيق كامل من الوكالة، وأنه «على السلطة في دمشق ان تقرر اذا ما كانت ستتبع خطى ايران، او تتعاون»، وأضاف: «آمل ان يتوصلوا الى نتيجة ان التعاون هو لمصلحتهم». وكانت الوكالة الدولية قد بدأت تحقيقا رسميا في سورية، حول موقع كبر في الصحراء الشرقية الذي تعتقد انه مفاعل نووي كانت تبنيه سورية في السر، وبمساعدة كوريا الشمالية. وقال شولتي ان لدى دمشق مهلة حتى مارس (آذار) المقبل للتعاون، وهو تاريخ اجتماع مجلس أمناء الوكالة المقبل في فيينا، والا فان الوكالة «سيكون لها رد فعل سلبي وستبدأ بطرح أسئلة جدية». وعلى الرغم من لهجة التحذير التي اعتمدها السفير في حديثه عن سورية، الا أنه بقي حريصا على عدم ذكر عقوبات قد تفرض عليها، وشدد على أن هدف الوكالة في الوقت الحاضر هو اقناع سورية بالتعاون، وقال: «لا احد يتحدث عن عقوبات اليوم، كل ما نتحدث عنه هو التحقيق... الوكالة تعطي السوريين فرصة للتعاون، ولديهم مهلة حتى الاجتماع المقبل للوكالة الدولية للطاقة الذرية لكي يتعاونوا (الاسبوع الاول من مارس (آذار)»، ولكنه أضاف ان هذه المهلة ليست رسمية، وانما هو التاريخ الذي ستعيد الوكالة طرح ملف سورية النووي بعد أن طرح في الاجتماع الاخير لمجلس الوكالة الذي انعقد منذ اسبوعين، وكانت المرة الاولى التي يطرح فيها الملف النووي السوري الى جانب الملف النووي الايراني والملف الكوري الشمالي النووي، الدائمي الحضور على اجتماعات المجلس.

وقال السفير الاميركي ان «سورية تختبر التكتيك الذي استعملته ايران لسنوات طويلة... عدم التعاون»، وأضاف: «هذا ليس المنهج الذي نريد لسورية ان تعتمده، نأمل ان سورية عوضا عن تتبع خطوات ايران، أن تأخذ خطوات تعاون كامل مع الوكالة والافصاح عما كان يجري في الصحراء». ورأى شولتي انه اذا بقيت سورية مصرة على عدم التعاون مع المفتشين الدوليين، فان المزيد من البلدان في مجلس أمناء الوكالة سيردون بطريقة سلبية. وردا على الخطوات التي يمكن ان تتخذها الوكالة في اجتماعها المقبل في حال أظهر تقرير المدير العام للوكالة محمد البرادعي استمرار سورية رفضها للتعاون، قال شولتي: «لا اريد التخمين ما الذي سيحصل... مارس بعيد ونحن ما زلنا ننتظر لنرى ما ستفعله سورية»، ولكنه أضاف: «اذا لم تتعاون، فستكون هناك عواقب». وأبدى ثقته من ان الصين وروسيا حريصتان على تعاون سورية مع التحقيق، وقال انهما أيدتا مطالب الوكالة المرفوعة الى سورية والتي ترفضها دمشق. وتركز المطالب على السماح لمفتشي الوكالة بالكشف على مواقع أخرى تظن انها مرتبطة بموقع كبر الذي جرى تفجيره، وأخذ افادات بعض الاشخاص، ومعاينة الموقع الذي جرى تفجيره، مرة ثانية، للتأكد من أنه كان مفاعلا نوويا.

وكان مفتشو الوكالة قد اكتشفوا آثارا لبلوتونيوم خلال الزيارة الوحيدة التي سمح لهم القيام بها الى موقع كبر السوري الواقع في الصحراء الشرقية، الا ان سورية قالت ان هذه الاثار ناتجة عن القنبلة التي اطلقتها اسرائيل واستهدفت الموقع. وقال شولتي تعليقا على الادعاءات السورية، ان «تقرير المدير العام للوكالة رفض هذه النظرية، وقال ان المفتشين لم يعثروا على اليورانيوم المنضب الذي يأتي من القنابل، بل عثروا على يورانيوم طبيعي من صنع الانسان». ورأى السفير الاميركي ان هذه القصة قدمتها السلطات السورية «للتغطية»، الا انه قال ان «السوريين لم يوفقوا جدا بهذه القصة»، وان الوكالة تحقق في هذه المزاعم ولكنها «لا تأخذها على محمل الجد».

وعن تأثير اغتيال الجنرال السوري محمد سليمان الذي كان يلعب دور الوسيط بين سورية والوكالة، على مسار التحقيق في المفاعل النووي، وما اذا كان قد استبدل بوسيط آخر، أكد شولتي ان الوكالة لديها أشخاص تتحدث اليهم في سورية، الا انه لم يسمهم، وقال: «لا يمكنني ان اخمن لأية درجة اثر اغتيال سليمان على مسار التحقيق، ولكن أعرف ان الوكالة تتحدث الى اشخاص في دمشق ولكن لا اعرف من».

وردا على سؤال حول ما اذا كانت الوكالة تضمن في تحقيقها كوريا الشمالية التي اتهمتها بمساعدة سورية على بناء الموقع النووي، قال شولتي الوكالة سألت كوريا الشمالية عن الموضوع عبر مفاوضها هناك كريس هيل. وقال ان كوريا الشمالية لم تنف ضلوعها بالقضية، الا انها لم تؤكدها أيضا، ولكنها قالت لهيل اننا «نتفهم قلقنا»، والتزمت «بأنه لن يكون هناك استمرار لهكذا نشاطات في المستقبل». ولكن رد كوريا الشمالية لم يكن كافيا بالنسبة للوكالة، وقال شولتي ان الوكالة لا تصدق ما تقوله كوريا الشمالية، ولذلك هناك ضرورة باستمرار التحقيق في سورية، وأضاف: «من الجيد انهم قالوا ما قالوه، ولكن علينا التأكد من الامر في سورية».

وأشار شولتي الى ان سورية تعمدت، قبل وبعد بدء التحقيق، اخفاء الادلة. وكان المدير العام للوكالة محمد البرادعي قد قال في تقريره الاخير الذي رفعه للمجلس، ان سورية لا تؤمن التعاون الكامل الذي يطلبه مفتشو وكالة الطاقة، وانها لم تقدم تفسيرات على اثار اليورانيوم التي عثر عليها مفتشو الوكالة، ولم تعط اجوبة على المنشآت التي كانت موجودة هناك قبل تفجيرها. وأشار السفير الاميركي الى ان سورية تواجه أصلا تحقيقا دوليا (حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري)، وتساءل: «هل تريد فعلا ان تواجه المجتمع الدولي في قضية ثانية؟» وقال ان اصرار سورية على مواجهة المجتمع الدولي، في وقت تبدو فيه حريصة على بناء علاقات مع الاتحاد الاوروبي والتواصل مع المجتمع الدولي، سيكلفها الكثير. وتعمل سورية اليوم على توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الاوروبي، وهو أمر شكك شولتي بأن تسعى اوروبا لاتمامه مع دولة تخضع لتحقيق تلو الاخر.

وردا على سؤال حول مدى تأثير فوز باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية الاميركية على تحقيق الوكالة، وما اذا كان حديثه عن الحوار معها قد يثنيها أكثر عن تقديم التعاون المطلوب، قال شولتي: «لا يمكنني ان أقرأ عقل الاسد ولا مساعديه، لا أعرف كيف ستكون ردة فعلهم على هذا الامر. ولكن اذا كان هناك تحقيق مفتوح من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهم لا يتعاونون معهم، فان أي رئيس أميركي ستكون لديه أسئلة حقيقية وقلق من هذا الامر».

وفي الملف الايراني، والتغييرات التي قد تطرأ على التعاطي معه في ظل الادارة الاميركية الجديدة، قال شولتي التكتيك الذي سيعتمده اوباما في التعاطي مع ايران غير معروف بعد، ولكنه أضاف انه من المؤكد أن «الرئيس المنتخب يعرف ان ايران تحد كبير وانها كقوة نووية ستكون مشكلة كبيرة، وقال ان ايران كقوة نووية أمر غير مقبول».

وحول النصيحة التي يمكن أن يقدمها شولتي لاوباما حول التعاطي مع الملف الايراني، بعد ثلاث سنوات ونصف السنة قضاها كسفير للولايات المتحدة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال ان الرئيس المنتخب لم يطلب نصيحته بعد، الا انه قال ان النصيحة التي يقدمها الان للرئيس الاميركي جورج بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، هي ضرورة استمرار التحقيقات في الملف النووي الايراني، على ان «الهدف يبقى التفاوض على تسوية، والوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك هو باقناع الايرانيين ببدء مفاوضات». وتعرض الولايات المتحدة المفاوضات على ايران بشرط وقف ايران لانشطتها النووية غير المدنية، وهو أمر ترفضه طهران وتطلب مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة.