فريدكوت .. مدينة باكستانية فوق صفيح ساخن

خرج منها المسلح المحتجز في مومباي وباتت هدفا لأجهزة الإعلام

TT

يبلغ اتساع الطريق إلى مدينة المعتقل الوحيد في تفجيرات مومباي، والذي يقطع مزارع واسعة من قصب السكر وحقول البطاطا ويتميز بوعورته نحو 20 قدما.

وقبل أن تعلن السلطات الهندية عن صلة أكمل أمير كساب والباكستانيين التسعة الآخرين بتفجيرات مومباي، لم تكن مدينة فريدكوت لتشكل أي اهتمام لأحد حتى لأن توضع كنقطة على خرائط باكستان، كما أنه لا توجد مدن باكستانية أخرى تحمل اسم فريدكوت، لكنها باتت اليوم قبلة لاجهزة الاعلام. بيد أنه مع إعلان السلطات الهندية أن كساب، الذي يبلغ من العمر 21 عاما، أتى من هذه المدينة التي تقع في إقليم البنجاب، باتت المدينة محور التحقيقات في الهجمات. وقد أشارت السلطات الهندية إلى أن اثنين من بين الضالعين في الهجمات التي أودت بحياة 170 شخصا وأصابت 230 جاؤوا من نفس المنطقة، غير أنه على عكس المهاجمين الآخرين الذين ماتوا، أصيب كساب بجراح واعتقل من قبل القوات الهندية، وقال المحققون الباكستانيون إن كساب قدم أثناء التحقيقات الكثير من المعلومات حول الطريقة التي تم بها التخطيط والتنفيذ لتلك العملية. وقد عززت المزاعم الهندية باشتراك عملاء استخبارات باكستانيين سابقين وحاليين من حالة الاستنفار الأمني في فريدكوت، فقد وضعت الحكومة الباكستانية التي نفت ضلوع أجهزة استخباراتها في الحادث المدينة تحت الرقابة الدقيقة.

وعلى أطراف فريدكوت يمر الرجال بزيهم الباكستاني التقليدي بالسيارات التي يرمقونها بنظرات تملؤها الشكوك. وعلى المدخل إلى الطريق الرئيسي لفريدكوت يقف رجال الشرطة ليتفحصوا أوراق الغرباء القادمين إلى المدينة ويتأكدوا من أرقام لوحات السيارات.

كانت المدينة تعرف منذ قرون مضت باسم معلمها الصوفي بابا فريد، عندما كان راوو القصص والشعراء المسلمون يتجولون في شبه القارة الهندية قبل زمن طويل منذ تقسيم عام 1947 الذي أحدث العداوة بين الهند وباكستان طوال ستة عقود. ويشير الخبراء إلى أن المنطقة التي تعيش في فقر مدقع والتي لا تبعد عن الحدود الهندية أكثر من 25 كيلومترًا كانت خلال الأعوام الأخيرة أرضا خصبة لتجنيد العديد من أبنائها في الجيش الباكستاني وكذلك في الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل عسكر طيبة. أما الآن فيخشى حتى جيران كساب من الاعتراف بصلتهم به. وخلال المقابلات التي أجريت مع السكان في المدينة ادعوا أن كساب غير موجود أصلاً أو أنه ابن أحد صناع الأواني الخزفية، او عامل في مصنع طوب أو بائع متجول في الشوارع أو رجل مسن في الثمانين من عمره. وقال شقيق محافظ المدينة: «لا يوجد هنا أحد اسمه أجمل أو كساب، لدينا هنا قائمة بأسماء كل الأشخاص الذين يتقدمون للإدلاء بأصواتهم ولا يوجد من بينهم أحد باسم كساب». وعندما سئل عن المزاعم الهندية بأن والدة كساب التي تدعى نور إلهي تعيش في المدينة، ضحك شير ـ شقيق محافظ المدينة وهز رأسه وقال هناك العديد من النساء اللاتي يعشن في فريدكوت يحملن نفس الاسم، أما بالنسبة لمحمد أمير والد كساب فيؤكد السكان أنه كان يعيش من قبل بالمدينة، لكنه كان يبلغ من العمر 75 أو 80 عامًا ورحل عن المدينة قبل عشرة أعوام، وأضافوا أن اكمل كساب كان يعمل في مصنع للطوب وليس جزارًا كما يمكن أن تعني ترجمة كلمة «كساب» باللغة الأوردية. وفي أحد اجتماعات مجلس المدينة التي عقدت في أحد المحال المهجورة الرطبة التي تطل على شارع فريدكوت الرئيسي بدأ العديد من الرجال الذين تجمعوا للإجابة على الأسئلة حول المسلح الوحيد الذي بقي على قيد الحياة بعد أحداث مومباي، في التصايح. وقام أحد الرجال الذي يرتدي زيًا غربيًا بالهمس في أذن جاره وبدأ يتصل من هاتفه المحمول. وعندما تفرق الجمع في الشارع ظهر الكثيرون ممن يرتدون الزي الغربي في الأماكن القريبة. وقال شير «إن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، لا يوجد دور باكستاني، إنهم ليسوا باكستانيين، ربما يكون أفغانيًا أو من أية جنسية أخرى، إننا لا نعرف هذا الشاب فكيف نتأكد أن ما يقوله صحيحا؟» أما غلام مصطفى محافظ مدينة فريدكوت الذي ظهر فجأة فقال نعم كان يقطن هنا من قبل شخص باسم أجمل ومنزله لا يزال هنا ووالدته موجودة ويمكننا الذهاب إلى هناك. تقاطرت الجموع أثناء قيادة مصطفى لذلك الجمع عبر ممرات ضيقة تتخلل مجموعة من المنازل المتداعية المبنية بالطوب اللبن، ومر الجمع عبر منزل ينبض بالموسيقى التي تعلن عن حفلة خِِطبة، ثم قاموا بالتوجه بعد ذلك عبر مدخل خشبي لمجموعة أخرى من المنازل حيث يوجد بعض الأطفال بملابس المدرسة. قال مصطفى: «أم الرجل الذي يعرف بأجمل تعيش هنا». قالت المرأة والدموع تملأ عينيها إن ابنها يبلغ من العمر 25 عامًا ويعمل في مصنع للطوب ويكسب 25 روبية في اليوم وهو يتجول هنا وهناك وليس لديه هاتف جوال لأتصل به. وعندما سئلت عما إذا كان ابنها متزوجًا قالت إنه متزوج ولديه طفلان وزوجته تعيش مع والدها في قرية شيرجاره جاوي. وعندما سئلت عن هويته أشارت باتجاه المحافظ وقالت إنه رفض استخراج هوية له، ولذا فهو السبب في عدم وجود صورة له. من جهة أخرى، كشفت مصادر هندية مطلعة ان قيادي جماعة «عسكر طيبة» والعقل المدبر لهجمات مومباي زكي الرحمن الأخوي الموضوع تحت الاقامة الجبرية الى جانب مؤسس الحركة حافظ سعيد، ارسل نجله محمد القاسم عام 2006 الى الجانب الهندي من كشمير للقتال في صفوف المتشددين لكنه لقى حتفه العام الماضي. واشارت المصادر الى انه بعد وصوله بعدة شهور بات اهم شخصية في عسكر طيبة داخل قطاع كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان. وقال ضابط شرطة هندي في جامو ان محمد القاسم قتل يوم 3 اكتوبر (تشرين الاول) من العام الماضي، وقال انها عادة متوارثة بين قادة الحركات الاصولية في كشمير يقومون فيها بارسال اولادهم الى خطوط القتال حتى يكون مثلا اعلى بين اتباعه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»