مرمم لوحات يعيد رسم الماضي في بلدية نيويورك.. بتأن كبير

يصلح اللوحات التاريخية التي تزين الردهات وغرف الاحتفالات في مبنى مجلس المدينة

TT

يبدو الانخفاض الضئيل في مستوى كثافة ألوان السماء الداكنة المرسومة فوق رأس جورج واشنطن، وكأنه يشتكي إلى كينيث موزر. من خلف نظارة مكبرة، نظر موزر إلى الضرر الذي لحق باللوحة، والذي لا يمكن إدراكه إلا من خلال العين المدربة، ثم وضع خطة للعمل. «تناول أحدهم فرشاة كبيرة ورسم فوق اللون البالي»، قال موزر. هذا هو سبب الخطأ الموجود فيها. قال إنه يخطط لأن يملأ الفراغ الذي خلفه تقشر اللون، حتى يكون في المستوى ذاته مع بقية سطح اللوحة. موزر مسؤول عن ترميم اللوحات، وعلى مدار عامين يرمم اللوحات التاريخية التي تزين الردهات وغرف الاحتفالات ومكاتب العمل في مبنى مجلس المدينة. وتنزل اللوحات التي تبلى بسبب تقادم الزمن عليها وسوء المحافظة، عن أماكنها وتحول في مجموعات صغيرة متفرقة، ثم تعود بعد عدة أشهر إلى مكانها كسابق عهدها.

تكشف الأدوات التي يحتفظ بها موزر في ورشته الفنية في بروكلين، عن التعقيدات التي تشوب مهنته. فهناك سلم ولفة ثوب كثيف من القطن وآنية تحتوي على ملطفات ومذيبات وغراء، وأنبوب للتخلص من الأدخنة الضارة ومصباح يعكس ضوؤه نور الصباح، وأصباغ جافة، وألوان، وفرش بجميع الأشكال والأحجام. ويشمل عمله جزءا كيميائيا وجزءا ترميميا وجزءا فنيا. يقول موزر، «إنه نوع من فهم العلاقة بين أمور مختلفة. وترميم اللوحات ليس علما دقيقا تضع فيه واحدا من هذا واثنين من ذاك وثلاثا من تلك وتنتهي من العمل». على خلاف جراحي التجميل، الذين يجاهدون من أجل العودة بالزمن إلى الوراء، يهدف مرممو الصور إلى تقليل أثر الزمن بدون تغيير طبيعة اللوحة الفنية. وعملهم ليس متعجلا ويتميز بالدقة والفردية، حيث أنهم يجتهدون وحدهم بمصاحبة الموسيقى في بعض الأحيان، (وكان موزر في يوم أحد سابق يعمل وهو يستمع إلى إحدى مقطوعات باخ الموسيقية)، ودائما ما تكون معهم الوجوه والمشاهد التي يتقربون منها بفراشيهم.

يقول موزر، ان الدافع هو الاستمرار في إصلاح عيوب اللوحات، حتى لو لم يكن أحد آخر يستطيع ملاحظتها. إنها معركة داخلية بين الاستحواذ والقيود التي يعرفها، من أجل الحفاظ على دقة العصر الذي تنتمي له اللوحة وأسلوب الرسام. ويضيف، «بمجرد أن أتناول الألوان ويزول صفار اللون الأبيض لزي الجندي أو تظهر النافورة الموجودة في الخلفية من تحت طبقات الغبار، أعرف أنه حان الوقت لأتوقف. هناك جزء منك يجب أن تنحيه جانبا، إنه الأنا».

ويعد عمل موزر في ترميم اللوحات جزءا من حملة أطلقها عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ لتجديد المقتنيات الفريدة الموجودة في مبنى المدينة. ويمكن أن يتكلف تجديد اللوحة الواحدة حوالي 60 ألف دولار، وفقا لحجمها، حيث يمكن أن يصل حجم اللوحات إلى 13 قدما طولا و4 أقدام عرضا، ووفقا لحالتها كذلك. وقد جمع صندوق تجديد مدينة نيويورك، وهو مؤسسة لا تستهدف الربح أسسها بلومبيرغ 1.7 مليون دولار من أفراد وشركات ومؤسسات، ومن الوقف الوطني لفنون من أجل تجديد اللوحات والاهتمام بالمجموعة على المدى الطويل. ويحصل موزر على أجره بالساعة، ولكنه رفض أن يذكر المبلغ الذي يحصل عليه.

وتقول ماري بيث بيتس، الخبيرة المقيمة، إن آخر مرة تم فيها إجراء عمليات ترميم شاملة للوحات كانت في العشرينات. وتقول جاكي سنايدر، المديرة التنفيذية للجنة التصميم العام في المدينة، وهي المسؤولة عن المجموعة، إنه حتى الآن تم تجديد 43 لوحة من 108، والهدف هو ترميم 10 لوحات أخرى بحلول الخريف المقبل. وتحمل معظم اللوحات صورا لعمد سابقين. وبعض اللوحات تصور حكام الولاية، ومن بينهم ويليام مارسي وجوزيف ياتس وروبن فينتون، وأبطال عسكريون مثل أليفر هازارد بيري، قائد البحرية الذي قاد القوات الأميركية للنصر ضد بريطانيا في معركة بحيرة إيري أثناء حرب عام 1812.

وقد رسم الكثير من اللوحات كبار فناني القرنين الـ18 والـ19، مثل توماس سولي ورامبرانت بيل وجون ترومبل، الذي تظهر لوحته «إعلان الاستقلال» على ظهر ورقة العملة فئة دولارين. وكانت لوحة بيري، التي رسمها جون ويزلي جارفيس، من بين أولى اللوحات التي رممت. ويعمل موزر الآن على تجديد لوحة جورج واشنطن التي رسمها إم إم سوِت. ووصلت اللوحة إلى ورشة موزر الموجودة في ساحة حوض السفن في بروكلين منذ شهرين، وبدت متسخة للغاية وكأنك «تنظر إليها بنظارة شمسية»، بتعبير موزر. وكان أول شيء فعله هو التأكد من أن أي جزء من الألوان تقشر ثابت في مكانه، وهي العملية التي تسمى تثبيت. وبفرشاة أو إبرة، وضع مادة لاصقة خلف القطعة، مثل الجيلاتين وغراء جلد الأرنب أو غراء سمك الحفش، واستخدم سكينا خاصة ليثبت القطعة في مكانها.

وكانت الخطوة التالية إزالة الطبقة الرقيقة من القذارة والأتربة التي كانت تغطي اللوحة، وهي المهمة التي تستغرق منه حوالي 10 أيام. ومثل اللوحات الأخرى، تعرضت لوحة واشنطن لدخان العوادم التي تدخل إلى مبنى مجلس المدينة عبر الفتحات والنوافذ المفتوحة ودخان السجائر والشموع والفحم المستخدم لتدفئة المبنى والغاز المستخدم لإشعال مصابيحه.

وكان موزر طوال 30 عاما يستخدم في بعض الأحيان الماء لإزالة هذه الطبقة، وأحيانا أخرى كان يستخدم المنظفات أو اللعاب. ولكنه الآن يزيل طبقات الأوساخ التي تلطخ اللون وتغطي اللوحة منذ ما يزيد على قرن.

* خدمة «نيويورك تايمز»