تعديل اتفاق الطائف في موازين الأطراف: بين البازار الانتخابي والسعي لتغيير نظام الحكم

تصريحات عون من دمشق أشعلت فتيل السجال

TT

«إن الخلاف السياسي، وما نتج منه من إشكاليات دستورية مررنا بها، ينبغي أن يشكلا حافزاً لنا، ليس فقط لإيجاد المخارج لما يمكن أن نقع فيه مستقبلاً، وإنما أيضاً لتحقيق التوازن المطلوب، في ما بين الصلاحيات والمسؤوليات، يمكّن المؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية، من تأدية الدور المنوط بها»، هذا ما قاله قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان يوم انتخابه رئيسا توافقيا للجمهورية التي عانت 6 أشهر من الفراغ على مستوى الرئاسة الاولى وثلاث سنوات من الاضطراب المني والانشقاق السياسي، في خطاب القسم الذي أدلى به في مجلس النواب.

وأضاف: «لقد اختار لبنان السير في ما اتفق عليه في الطائف، وهو مدعو إلى حماية هذا الخيار، والعمل على ترسيخه. لأنه ينبع من الإرادة الوطنية الجامعة. فتحصين أي قرار سياسي، لا يتم إلا بهذه الإرادة».

وبعد مرور بضعة أشهر، طالب رئيس تكتّل «التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون، ومن سورية، بإدخال تعديلات الى اتفاق الطائف من دون ان يوضح مضمون هذه التعديلات. لكن كلامه أو «تلميحاته« كانت كافية لاثارة عاصفة من المواقف السياسية. عضو تكتّل «التغيير والاصلاح» النائب وليد الخوري قال في حديث لـ«الشرق الاوسط» ان طرح عون «ليس اولوية لنا في المرحلة الراهنة، بل المشاركة الفعلية في الحكم والتأثير في اتجاه رسم السياسات العامة خصوصا السياسات الاقتصادية وتوازن السلطات». وقال: «كلام العماد عون يعتبر بمثابة تشخيص للوضع بعد الطائف. فالتجربة أظهرت وجود مشكلات كبيرة يعانيها المواطن. واللبنانيون كافة متفقون على وجود خلل ويطالبون بتطبيق الطائف اولا، وتحسين وضع رئاسة الجمهورية. وما قاله العماد عون لم يتطرّق فيه الى التوقيت ولم يقل حتى انه حان الوقت لتعديل الطائف. ونحن مدركون ايضا انه لا مجال لادخال اي تعديلات الى الطائف من دون توافر الاجماع». ولفت الى «ان كتلا نيابية كبرى ستجتمع بعد الانتخابات البرلمانية لتبحث بشكل جاد في هذا الموضوع».

وأشار الى ان عون «لم يكن اول من لفت الى ضرورة ادخال تعديلات إذ سبقه الى ذلك الرئيس سليمان»، معتبرا ان كلام برّي «ليس مناقضا لكلامنا لانه يتحدّث عن التوقيت والاجماع، ونحن متفقون معه على ذلك». وعن سبب إثارة الموضوع ما دام ليس اولوية بالنسبة الى التكتّل، قال: «حتى نبدأ في البحث في الموضوع، علينا ان نطرحه من الآن. لكننا مدركون انه يحتاج الى اجماع».

وعن موقف «حزب الله» من الموضوع، قال: «هناك الكثير من الامور التي لا نتّفق مع حزب الله في شأنها بل نتداول بها. وفي ما يخصّ هذا الموضوع، لم نتناوله بعد».

في المقابل، رأى الوزير السابق عن «القوات اللبنانية» جو سركيس في حديث لـ«الشرق الأوسط» ان «اثارة موضوع بحجم تعديل الدستور او اتفاق الطائف، هدفها إلهاء الرأي العام عن المواضيع الجوهرية التي تناقش على طاولة الحوار وتتمتّع بالاولوية كسلاح المقاومة والاستراتيجية الدفاعية». وقال: «ندرك ان اتفاق الطائف ليس مُنزلا أو مقدّسا وقابل للتعديل شرط توافر الاسباب الموجبة والظروف المؤاتية. ونحن لا نرى توافر اي من هذين الشرطين. ثم لماذا البحث في امكان ادخال تعديلات اليه قبل تطبيقه تطبيقا كاملا؟ كما ان تعديله يحتاج الى شبه اجماع وهذا غير متوافر حاليا». واستغرب «صمت حزب الله حيال الموضوع، ما يعني ان اقتراح التعديل قد يشكّل محطة على طريق تغيير نظام الحكم في لبنان على المدى المتوسط او البعيد، بما يلائم مصالحه. لذلك نطالب الحزب بإعلان موقف رسمي». وقال: «اي مسّ بالدستور قد يفتح الباب على امور كثيرة وسيثير بلبلة سياسية كبيرة. ولنتذكّر ان الطائف أتى بعد 15 عاما من الحرب، والمطالبة باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية كما كانت قبل الطائف ستعيدنا 30 عاما الى الوراء». وبالنسبة الى ما ورد في خطاب سليمان، قال: «رئيس الجمهورية كان يشكو في خطابه الواقع غير السليم الذي كان قائما قبل انتخابه. ولا يمكن تفسير ذلك بأنه مطالبة باستعادة صلاحيات سابقة للطائف».

بدوره، قال عضو «كتلة المستقبل» النائب أحمد فتفت لـ«الشرق الأوسط» ان «الحديث عن تعديل الطائف يعني العودة بلبنان الى مرحلة التوترات وتهديد السلم الاهلي، ويشكّل مسا بتركيبة لبنان. فالوصول إلى الطائف كلّف لبنان 200 ألف قتيل ومئات الجرحى. ولا يمكن ادخال اي تعديلات الا بالإجماع. وإذا طرح هذا الموضوع للبحث وفق معادلات جديدة، فكل طرف سيعرضه من زاوية محدّدة، فيما انه مبني على توازنات معيّنة. ونحن على أبواب إنتخابات، لذلك فإن طرح الموضوع يعني إدخال البلاد في أزمة وطنية حقيقية، فضلا عن كونه أمرا غير مبرّر بما ان الاتفاق لم يطبّق تطبيقا كاملا... لا التوقيت يسمح ولا المنطق السياسي أو الاسلوب المعتمد مقبول. على أية حال، أعتقد ان طرح الموضوع الآن هدفه انتخابي. كما انه ابتزازي لانه يفتح الباب للسجالات السياسية التي تتخذ بعدا مذهبيا».

وعما اذا كان يرى أن الازمة الاخيرة اظهرت حاجة الى تعديل الدستور، قال: «هناك ثغرات في تطبيق الدستور وليس في النص، لذلك يجب ان تناط صلاحية تفسير الدستور بالمجلس الدستوري وليس بمجلس النواب». ورأى ان «الرئيس سليمان استطاع من خلال ممارسته تطبيق قسم كبير من صلاحياته وإعادة الدور الى منصب الرئاسة سواء عبر الاتصالات الدولية أو عبر رعايته مؤتمر الحوار الوطني».

في المقابل، أبدى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب محمد حيدر تحفّظه عن الموضوع، لانه «شائك ومعقّد ولا يمكن تناوله في ظل الانقسام الحاد. وأتمنّى عدم ادخاله في البازار السياسي». واعتبر ان «توقيته ليس جيدا لانه موضوع ميثاقي يحتاج الى توافق واسع يصل الى حد الإجماع». وقال: «موقفنا كحزب الله، ينسجم مع ما يجمع عليه اللبنانيون. والبحث في هذا الموضوع، يحتاج الى ظروف بعيدة عن اجواء الانقسام والسجال. وكما قال الرئيس بري ان الطائف ليس مقدّسا، انما تعديله يحتاج الى إجماع ومناخ اكثر هدوءا». أضاف: «من حق اي طرف ان يطرح ما يشاء، انما لادخال تعديلات لا بد من توافر اجماع ولا بد من وجود حد ادنى من الاستقرار». وأضاف: «نحن متمسكون بالصيغة التي تمثّل الحد الادنى المقبول بين اللبنانيين قبل ان يتفقوا، مجتمعين، على صيغة جديدة (...). حاول البعض إلباسنا مطلب المثالثة في الحكم. انما لا نحن ولا حركة أمل، طالبنا بها. كان ذلك يرمي الى اخافة اللبنانيين منا، لكننا في المقابل نصرّ على ان لبنان بلد توافقي ولا يحكم الا بطمأنة جميع مكوّناته السياسية».

عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هنري حلو، طالب ايضا بـ«تطبيق الطائف رغم ما يحويه من شوائب قبل التطرق الى إمكان تعديله. فمصلحة النظام السوري لم تكن تقتضي تطبيقه». واعتبر ان اثارة الموضوع «ليست مناسبة في ظل الاحتقان، اذ ان كل طرف سيطلب تعديله من منظار مختلف، فضلا عن انه يتطلّب اجماعا وطنيا، وطرحه اليوم سيحدث مأزقا حقيقيا لانه يتناول نصا لم يطبّق بعد». ولفت الى ان «التصريحات الأخيرة لحلفاء عون من موقفه هذا لم تصب في مصلحته أكان لناحية موقف بري أو (الأمين العام لـ «حزب الله» حسن) نصر الله»، مؤكدا ان «الأولوية هي للبحث في سلاح المقاومة ودمجها في المؤسسات».