الأرض في كينيا.. أصل الأزمات في البلاد

السياسيون يمتلكون غالبية الأراضي بعد أن حصلوا عليها في صفقات مثيرة للشبهات خلال الأعوام الـ50 الماضية

TT

من داخل خيمته في معسكر اللاجئين، يجول كارانجا نجوجو بناظريه في الأفق الفسيح لتلك الأراضي غير المنزرعة التي يمتلك غالبيتها السياسيون الكينيون البارزون، ويتساءل: «لماذا يملكون كل شيء بينما نحن لا نملك شيئًا؟».

يقول نجوجو إن والده كان ثريًا في هذه الأرض قبل أن يطرده المستعمرون البريطانيون. وبعد الاستقلال استعاد القرويون السيطرة على الأراضي لكنهم أجبروا على مغادرتها مرة ثانية. الا ان تلك المرة، أجبرهم رجال الأعمال الكينيون الأثرياء الذين تربطهم صلات بالرئيس الكيني. وكنوع من التعويض، تلقى نجوجو 10 أفدنة من أرض تبعد مائة ميل عن أرضه، ولكن سكان تلك المنطقة هم من قبيلة أخرى ويرفضون وجوده. خلال فوضى الانتخابات التي حصلت العام الماضي وبداية العام الحالي، تعرضت تجارة نجونجو ومنزله إلى التدمير، يقول: «الآن سأضطر إلى البدء من جديد ولكن بلا شيء».

هناك إجماع عام في كينيا التي تعاني من نقص في الغذاء واقتصاد مترهل وجراح لم تندمل جراء عنف ما بعد الانتخابات، على أن قضية واحدة تقع في قلب المتاعب الكينية: إنها الأرض.

شهدت القارة الأفريقية حروبا مستعرة حول الأراضي جاءت جميعها في أعقاب خروج الاحتلال الأوروبي، لكن المستعمرين قدموا أفكارا غريبة مثل الحدود والملكية الخاصة، ومنذ أن بدأت حمى الاستقلال تجتاح القارة منذ 50 عامًا مضت، ناضلت الحكومات الأفريقية الناشئة لرد المظالم، لكن الأمر كان كارثيًا في بعض الأحيان. فالاقتصاد الزيمبابوي دُمّر على يد الرئيس روبرت موغابي الذي قاد حملة لنزع ملكية الأراضي من المزارعين البيض وإعادة توزيعها على المواطنين السود.

وقد عانت كينيا من إرث استعماري شبيه، لكنها اتخذت مسارا مختلفا. فكما هو الحال في العديد من الدول الأفريقية الأخرى، تسيطر أقلية من العائلات الكينية الثرية، وإلى جانبهم بعض الأجانب، على أكثر من نصف الأراضي الكينية، لكنهم على عكس زيمبابوي وجنوب أفريقيا حيث كان الصراع بين البيض والسود، فإن الأرض هنا يمتلكها سياسيون كينيون جمعوا الملايين من مساحات الأراضي الزراعية في صفقات عقارية مثيرة للتساؤل خلال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية. ويقول بول نودونجو مدير تقرير صدر في عام 2004 والذي تناول فيه أكثر من 40 سنة من سرقة الأراضي عن طريق الاحتيال: «إن تلك مسألة بين الكينيين، فهي بين كيني وكيني».

وقد نجمت النزاعات القبلية التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص والتي اندلعت في أعقاب الانتخابات المتنازع عليها في ديسمبر (كانون الأول)، بصورة كبيرة من النزاعات القبلية حول الأراضي. وبينما تسعى كينيا لتوفير الغذاء لشعبها، تقف مساحات شاسعة من أرضها عاجزة عن الإنتاج وغير مستخدمة، وظلت المشكلات حول الأراضي بدون حل. يقول أودندا لومومبا رئيس تحالف أرض كينيا، إحدى المجموعات التي تنادي بإصلاح نظام الأراضي في البلاد: «إن السلام والاستقرار في كينيا يحصل إذا ما تمت تسوية قضية الأراضي».

وقد تعهد جيمس أورنجو وزير الأراضي الجديد الذي كان ناشطا طلابيا سابقا والذي تعرض للسجن بسبب مساعدته مجموعة الانقلاب في عام 1982، بتطبيق سياسة تقدمية جديدة للأرض الزراعية ضد الأثرياء والأشخاص ذوي النفوذ في كينيا. ويرغب أورنجو أيضا في استصلاح الأراضي العامة المنهوبة، ومنع الأجانب من تملك الأرض الزراعية وفرض ضرائب على الأرض غير المزروعة وزيادة حقوق ملكية وضع اليد.

كما يحاول أورنجو تحديث نظام تسجيل الأراضي الكينية العتيق الذي لم يتغير منذ الاحتلال البريطاني، باستخدام الحاسب الآلي، حيث ساعدت السجلات الورقية على التزوير والفساد. فعندما تم استجواب أحد سماسرة الأراضي المشبوهين، تعتقد الشرطة بأنه غطى عملياته بإحراق مكتب البحث المحلي الذي يتم الاحتفاظ فيه بالسجلات. وقد بدأت المعارضة في البروز، ولقب النقاد أورنجو بقلب «سيد الراديكالية»، وقالت إحدى جمعيات ملاك الأراضي إنه «يحمل أيديولوجيات ماركسية» وهو ما سيؤدي إلى انهيار اقتصادي على غرار زيمبابوي.

ويشير الخبراء إلى أن العقبة الأكبر بالنسبة لأورنجو ستأتي من داخل الحكومة ذاتها، فالنخبة السياسية الحاكمة كانت أكبر مغتصب للأراضي خلال عقود، وهو ما كان سببًا في عدم مضي كينيا في برنامج إصلاح الأراضي كما فعلت الدول الأفريقية الأخرى، ولا يزال الكثير من هؤلاء القادة في السلطة.

ويقول نودونجو عن ذلك: «لا يزال الأشخاص المسؤولون عن هذه الفوضى داخل الحكومة، وقد استخدموا نفوذهم لتأجيل برامج الإصلاح تلك». وقد ذكر نودونجو في تقريره أسماء بعض كبار الشخصيات النافذة في كينيا الذين استفادوا من تلك الصفقات غير الشرعية، ضمت نوابا في البرلمان ووزراء وقضاة وقادة عسكريين وأعضاء مجالس محلية. كما ضمت بعض قادة المعارضة بمن فيهم رئيس الوزراء رايلا أودينغا الذي قيل إن عائلته استفادت من إحدى تلك الصفقات المشبوهة بشأن مصنع لإنتاج السكر.

وقدمت الدراسة أكثر من 300 ألف قضية وطالبت الدولة باستعادة ما يقرب من نصف مليون فدان، لكن تلك التوصيات ذهبت أدراج الرياح، وقد حاول وزير الأراضي الأسبق حذف أسماء السياسيين من التقرير قبل نشره. وبدأ التباين الواضح في ثروة الأراضي في كينيا مع المحتلين البريطانيين الذين طردوا آلاف الأسر بالقوة حتى يتمكن المزارعون البيض من زراعة محاصيل البن والشاي. وبدلاً من رد تلك المظالم في أعقاب الحصول على الاستقلال، قام الآباء الروحيون لكينيا بزيادة تلك المظالم بمساعدة أنفسهم في الاستمرار في سياسات إعادة التوطين القسري، وكان كل رئيس كيني توجه إليه تهم بزيادة رقعة حيازته الزراعية، وتوزيع الممتلكات العامة على أبناء قبيلته وتوزيع الأراضي الزراعية مثل الحلوى للفوز بالانتخابات.

وقد وجدت إحدى اللجان الحكومية أن عائلة جومو كنياتا الذي يمثل جورج واشنطن بالنسبة لكينيا، تمتلك نصف مليون فدان، بينما استحوذ الرئيس الذي تلاه دانيال آراب موي على أكثر من مائة ألف فدان، والرئيس الحالي كيباكي يمتلك 300 ألف فدان. ويبقى نوجودو متشائما إزاء فرص الإصلاح، طالما يستمر القادة الكينيون الحاليون في مناصبهم. ويعترف أورنجو أنه يواجه معركة صعبة خاصة في محاولة الدفع بخطته إلى مجلس الوزراء، لكنه تعهد باستصلاح الأراضي العامة بدءًا من المشترين ومستأجري الأراضي الحكومية الذين لم يقوموا بتنمية ممتلكاتهم بالتوافق مع العقود.

وهدد أورنجو بعدم تجديد العقود التي يبلغ مداها 99 عامًا للأجانب والمتحدرين من المستوطنين، كما عبر عن رغبته أيضًا في إلغاء عقود الإيجار التي تبلغ مدتها 999 عامًا والتي تفاوضت عليها بريطانيا مع زعماء القبائل غير المدركين لحقيقة الاتفاق منذ قرن مضى. وقال أورنجو إنه يفكر في إعادة توزيع الأراضي التي تم الاستحواذ عليها على غير الممتلكين أو المهجرين قسرًا، وأشار إلى أنه لن يتردد في إحراج السياسيين الذين يرفضون إعادة الأراضي التي تم الحصول عليها بصورة غير شرعية، وقال: «إنها قضية سياسية ساخنة»، وأضاف: «لكن بعض المنتقدين سيجدون صعوبة في الحديث بصوت عالي، بأن بعض الأعضاء في الحكومة قد استفادوا بصورة كبيرة، إنه أمر بالغ السوء».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»