المغاربة «ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر» ينتقدون صمت حكومتهم ولامبالاة الجزائر تجاههم

في الذكرى الـ33 لطردهم عقب تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء نحو الصحراء

جانب من المغاربة ضحايا الطرد الجماعي من الجزائر خلال اجتماعهم مساء أول من أمس بمدينة سلا الجديدة (تصوير: «مصطفى حبيس»)
TT

وقفت امرأة اسمها ربيعة بنعمر لتدلي بشهادتها، كواحدة من آلاف المغاربة المطرودين من الجزائر، قبل 33 سنة. جلبابها النسائي المغربي يوحي بأنها مغربية أبا عن جد. طريقة نطقها كذلك تشير إلى أنها ولدت في مدينة سلا، المجاورة للرباط، حيث نظمت جمعية «المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر»، مساء أول من أمس، الذكرى الثالثة والثلاثين لعملية الطرد التي طالت، حسب الجمعية، 45 ألف عائلة مغربية سنة 1975، عقب تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء نحو الصحراء.

وحين أفصحت ربيعة عن جنسيتها، ارتسمت الدهشة على ملامح ممثلي الصحافة الذين كانوا يتابعون شهادات الضحايا.

فهي امرأة جزائرية متزوجة برجل مغربي، ومازالت تتذكر بألم بليغ، وقائع ذلك اليوم الذي داهم فيه رجال الأمن الجزائري بيتها في الجزائر، ليأخذوا أفراد أسرتها من المغاربة، ويتركوها وحدها في البيت.

تتذكر ربيعة: «كان اليوم عيد الأضحى، وكنت حاملا، حين فوجئنا بهذا الاقتحام غير المنتظر، الذي ترتب عنه فيما بعد الطرد نحو المغرب، دون مراعاة لأواصر الأخوة وحسن الجوار». وتضيف ربيعة، وقد عادت الابتسامة لتضيء وجهها: «الحمد لله، فالجنين الذي كان في بطني، أصبح شابا، ومستقرا في حياته، وهو الآن في أميركا، ويشق طريقه بنجاح. وقد وضعت في المغرب أربعة أولاد فتحوا عيونهم هنا».

في هذه اللحظة، تحتبس الكلمات في حنجرتها، وتكاد عيناها تدمعان، وهي تقول: «لا أريد مالا ولا ذهبا، أطلب فقط السماح لي ولأبنائي بالحق في صلة الرحم مع الأقارب في الجزائر. إنهم لا يعرفون أقاربهم هناك، وأخشى ما أخشاه، أن أموت هنا في المغرب، ولا يحضر أحد من أفراد اسرتي في الجزائر جنازتي».

وتوالت شهادات الضحايا، كهولا وعجائز مسنات، كل واحد منهم يروي مأساته بطريقته الخاصة، وأسلوبه في الحكي، ولم تتمكن إحدى النسوة من إتمام كلمتها بفعل التأثر، فقد عادت ذات يوم إلى الجزائر، ولقيت معاملة غير جيدة فور وصولها إلى الحدود من طرف الحرس الجزائري، ما جعلها تعود يائسة وحزينة حتى النخاع. وحكى جمال المنصوري المهدي، وهو فلاح بمراكش، أنه تعرض «للاضطهاد» في الجزائر. كان يومئذ يتابع دراسته هناك في الجامعة، ومنع من إتمامها، مشيرا إلى أن المظاهر الأساسية للتعسف كانت تتجسد في اقتحام البيوت، والمضايقات، وتشريد المغاربة وتهجيرهم، وتجريدهم من ممتلكاتهم، وتفريق الأب عن أبنائه، والزوج عن زوجته، وتشتيت شمل الأسر، وحرمان الطلبة من الشهادات والدبلومات المحصل عليها في الجزائر، مما جعل نتائج كل تلك السنوات الدراسية تضيع سدى.

ووصف بومدين العمراوي، وضعية المغاربة المطرودين من الجزائر، بأنها «مأساة إنسانية حقيقية»، مضيفا أن العديد منهم انتقلوا إلى رحمة الله، وفي نفوسهم غصة وحسرة، ووقف جميع الحاضرين لقراءة الفاتحة ترحما على أرواحهم، مذكرا أن هذا الوضع بمثابة «جرح ورثناه عن آبائنا، وهو جرح لا يندمل، مهما طال الزمن، لأنه باق في ذاكرة كل واحد منا».

وأوضح حميد العاطي الله، أن الشعب الجزائري لا ذنب له في هذه القضية، «وتربطنا وإياه أواصر الجوار المشترك، واللغة والدين»، مشيرا إلى أن النظام الجزائري في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، هو الذي تسبب في هذه المأساة.

وطالب العاطي الله في تدخله بإرجاع كل الممتلكات لأصحابها، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، وتقديم اعتذار رسمي من حكومة الجزائر، وفتح الحدود في وجه الشعبين، وعدم خلط هذه القضية الإنسانية بملف نزاع الصحراء.

وقال ميلود الشاوش، رئيس جمعية «المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر»، التي نظمت هذه التظاهرة، بمدينة بسلا الجديدة، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذكرى 33 للطرد الجماعي للمغاربة من الجزائر سنة 1975، تحت شعار «33 سنة من المعاناة، الدفاع عن كرامتنا وحقوقنا واجب علينا»، إن الهدف هو التعريف بهذه القضية الإنسانية، والتذكير بالأضرار المعنوية والمادية التي يعاني منها الضحايا، «والدفاع عن مشروعية مطالبنا الحقوقية، لدفع المسؤولين، في حكومتي المغرب والجزائر، لتسوية ملفنا، وتمكيننا من حقوقنا، والمطالبة بالاستجابة للملف المطلبي الذي وجهناه إليهما معا».

وأوضح الشاوش أن الجمعية سلمت أيضا نسخا من ملفها المطلبي إلى كل من بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، والمجلس الاستشاري المغربي لحقوق الإنسان، والبرلمان المغربي بغرفتيه الأولى والثانية، والمنظمات الحقوقية والحزبية، وكذا منظمة العفو الدولية، فرع الرباط. وذكر الشاوش أن المطرودين يعانون أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة، يتعين الاهتمام بها، مشيرا إلى أن الجمعية سوف تطرق كل الأبواب من اجل الدفاع عن حقوق هذه الفئة من المواطنين المغاربة، الذين قال إن البعض منهم ساهموا في حرب التحرير الجزائرية. وأعلن الشاوش أن الجمعية سطرت برنامج عمل لسنة 2009، ويتضمن 24 نشاطا، بمعدل نشاطين في كل شهر، ضمنها التوقيع على اتفاقية شراكة في المجال الاجتماعي، والقيام ببحث ميداني حول الظروف السوسيو - اقتصادية للضحايا وأوضاعهم الصحية، وتنظيم وقفة جديدة أمام السفارة الجزائرية بالرباط، مؤكدا أن عمل الجمعية حقوقي بالأساس، ولا يكتسي أي صبغة سياسية.

وقبل تلاوة البيان الختامي للتظاهرة تم تكريم الصحافية نادية البوكيلي من يومية «الصباح» المغربية، تقديرا من الجمعية لدورها في التعريف بمعاناة ضحايا الطرد الجماعي من الجزائر. وعبر البيان الختامي الذي تلاه محمد الصالحي، عضو الجمعية، عن القلق إزاء ما أسماه «الصمت الرسمي المطبق الذي يلف القضية»، مطالبا الحكومة المغربية بتحمل مسؤوليتها كاملة نحو الضحايا، وذلك عبر فتح قنوات الحوار مع أعضاء الجمعية على ضوء الملف المطلبي الموجه إلى رئيس الوزراء، عباس الفاسي. كما انتقد البيان ذاته، لامبالاة الحكومة الجزائرية إزاء مطالب الضحايا، داعيا إياها إلى احترام المواثيق الدولية، خاصة ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وشدد البيان باسم الضحايا، على ضرورة تدخل جميع المؤسسات الوطنية والهيئات الحقوقية المغربية والدولية للضغط على الجزائر «من أجل الاعتراف بهذه الجريمة، والرضوخ لمطالبنا المشروعة، رافضين أي استغلال للقضية، خارج الإطار الإنساني والحقوقي، الذي سطرناه لجمعيتنا، محذرين من أي تسييس لهذه المأساة، أو المزايدة باسمها».