تحديات قضائية في تسليم المشتبه بضلوعهم في عمليات إرهابية إلى أميركا

عقد انقضى ولم ينتقل المتهمون في تفجير السفارتين ميلا واحدا خارج السجون البريطانية

TT

أفراد «القاعدة» المشتبه في ضلوعهم بالقيام بنشاطات إرهابية ظلوا لسنوات في السجون البريطانية بعد القبض عليهم؛ ففي أعقاب تفجير «القاعدة» للسفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا في عام 1998 قام قاض فيدرالي بإصدار أمر بالقبض على خالد الفواز (سعودي) موضع ثقة أسامة بن لادن والمتهم بالتآمر في الهجمات. وعلى الفور قامت الشرطة البريطانية بإلقاء القبض على الفواز، السعودي الجنسية في منزله بلندن، كما ألقي القبض على عنصرين آخرين لـ«القاعدة» في مناطق قريبة، وطلبت الحكومة البريطانية تسليم المتهمين إلى الحكومة الأميركية بأقصى سرعة ممكنة كي يمثلوا أمام القضاء.

بيد أن عقدا انقضى ولم ينتقل المتهمون ميلا واحدا خارج السجون البريطانية، أو حتى اقتربوا من المحاكم الأميركية، وقد توفي أحدهم في شهر يوليو (تموز) الماضي متأثرا بمرض السرطان بينما لايزال الآخران ومن بينهم الفواز في السجن في الوقت الذي تقترب فيه جلسات الاستماع الخاصة بهما.

ونظرًا لما يبرزه تأخر تسليم المشتبه بهم في بريطانيا، فسيكون من الصعوبة بمكان تقديم المشتبه بهم في الضلوع بعمليات إرهابية إلى العدالة ليحاكموا أمام محاكم مدنية. وتؤكد تلك القضايا على التحديات التي ستواجه الرئيس المنتخب باراك أوباما الذي يحاول أن يجد سبيلاً لإغلاق معتقل خليج غوانتانامو في كوبا، وإنهاء المحاكم العسكرية التي أقامتها إدارة بوش للحكم في قضايا الإرهاب القادمة من الخارج.

وكانت بريطانيا والكثير من الحلفاء الغربيين قد قدموا اعتراضات إلى الحكومة الأميركية حول معتقل غوانتانامو والمحاكمات والتكتيكات القانونية غير المعتادة التي استخدمتها في محاربة «القاعدة»، غير أنها في ذات الوقت كانت تعارض جهود الحكومة الأميركية محاكمة المتهمين بالإرهاب أمام محاكم فيدرالية.

ويعد الفواز وزميليه من بين ستة أفراد متهمين بالإرهاب كانت الحكومة الأميركية تسعى لتسلمهم من الحكومة البريطانية، وبرغم موافقة لندن على قانون «الدرب السريع» لتسليم المتهمين في عام 2003 وتوقيع معاهدة جديدة مع الولايات المتحدة، إلا أن المتهمين أحبطوا كل المحاولات لترحيلهم مستعينين على ذلك بالبيروقراطية البريطانية في عدم التسرع في تحريك القضايا قدما.

وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2005 أفرجت السلطات الألمانية عن محمد علي حامدي الذي أدين باختطاف طائرة تي دبيلو إيه في أوروبا في عام 1985 والذي كان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة، وبدلاً من أن تقوم السلطات الألمانية بترحيله إلى الولايات المتحدة حيث أدين بمقتل غطاس من البحرية الأميركية كان على متن الطائرة، سمحت له السلطات الألمانية بالعودة إلى موطنه في لبنان التي لم توقع على اتفاقية مع الولايات المتحدة اتفاقية تسليم المجرمين. وقام المسؤولون الأميركيون بتقديم احتجاج دبلوماسي في برلين وعرضت خمسة ملايين دولار مكافأة للقبض على حامدي. وفي اليمن، رفضت الحكومة اليمنية تسليم ثلاثة من أفراد «القاعدة» أدينوا في الولايات المتحدة، من بينهم اثنان متهمان بتفجير المدمرة الأميركية يو إس إس كول في عام 2000، وقالت الحكومة اليمنية إنها لن تسلم هؤلاء الأفراد لأنهم مواطنون يمنيون، كما أنها رفضت أيضًا احتجازهم متجاهلة المكافأة التي عرضتها الولايات المتحدة بقيمة 5 ملايين دولار للقبض عليهم. ولم تتمكن الولايات المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 إلا من تسلم عدد بسيط من الشخصيات الإرهابية الكبيرة مثل أسامة قصير المتهم بتمويل المواقع الإرهابية على الإنترنت وجرائم أخرى، وكانت الولايات المتحدة قد تسلمته من جمهورية التشيك في يناير (كانون الثاني) من عام 2007، وكذلك وسام الدليمي المتهم بمحاولة قتل أميركيين في العراق والذي تسلمته الولايات المتحدة من هولندا في سبتمبر (أيلول) 2007، لكن معظم قادة «القاعدة» المحتجزين في السجون الأميركية أتوا من السجون التابعة للاستخبارات المركزية الأميركية خارج الولايات المتحدة في عمليات سرية لتجنب الإشراف القضائي عليها.

وقد ظهرت عقبات في طريق تسليم المتهمين بصورة كبيرة خاصة في بريطانيا، حيث استفاد المتهمون المشتبه بانتمائهم إلى «القاعدة» من العملية القانونية الرتيبة والبيروقراطية المترهلة في إعاقة تسليمهم. ولم تسلم بريطانيا سوى مشتبه به واحد إلى الولايات المتحدة وهو سيد هاشمي المواطن الأميركي البالغ من العمر 28 عامًا والمتهم بالمساعدة في تزويد معسكرات «القاعدة» في باكستان بالمعدات العسكرية، حيث نقل إلى السجون الأميركية في مايو (أيار) من عام 2007، وهو الآن رهن الحبس الانفرادي في سجن نيويورك، في انتظار محاكمته التي باتت وشيكة. ولا يزال ستة متهمين آخرين محتجزين في بريطانيا كان قد ألقي القبض عليهم ما بين عامي 1998 و2006 في انتظار ترحيلهم. وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة البريطانية قرارات أولية بترحيلهم جميعًا، إلا أن المسؤولين أبدوا استجابتهم للتحديات القانونية التي تشير إلى حقوق الإنسان، حيث سوف يتم انتهاكها إذا ما أرسلوا إلى الولايات المتحدة، ولذا لم يوقع المسؤولون البريطانيون الأوراق التي تقضي بتسليم وترحيل الفواز حتى مارس (آذار) من هذا العام بعد تسعة أعوام ونصف العام من القبض عليه.

وتقول جاريث بيرس محامية عادل عبد المجيد عبد الباري، المصري الجنسية الذي أدانته محكمة فيدرالية أميركية في عام 1999 بتفجير السفارتين، وبابار أحمد البريطاني الجنسية المتهم بتمويل مواقع الشبكات الإرهابية، إن موكليها يفضلان البقاء في السجون البريطانية إلى ما لا نهاية دون محاكمة، عوضًا عن المثول أمام المحاكم الأميركية. وقالت «إنهم يتوقعون، أنهم إذا ما سلموا إلى الولايات المتحدة أن تتم إدانتهم ليقضوا بقية حياتهم في السجن في ظروف بالغة السوء». وأضافت «على الرغم من براءتهم إلا أنهم يعتقدون أنهم لن تتم تبرئتهم في محكمة أميركية». وفي قرية ليتلتون، في وسط انجلترا يوجد سجن لونج لارتين الذي يسميه منتقدوه بـ«لونجتانامو» حيث يعتبر النسخة البريطانية من غوانتانامو. ويوجد في هذا السجن أربعة من بين الستة الذين ينظرون قرار ترحيلهم إلى الولايات المتحدة في جناح يحظى بحراسة مكثفة. لكن أيًا منهم لم توجه له تهمة في بريطانيا ودخلوا في طي النسيان إذ لم توجه لأحدهم تهمة إلى الآن.

ويقول معظم بيغ الذي كان معتقلاً سابقًا في غوانتانامو والذي يعمل الآن لصالح منظمة كيدج بريزونرز، وهي جماعة حقوقية بريطانية تدافع عن المسلمين المعتقلين بتهم الإرهاب: «لقد اختفوا من قائمة الاهتمام العام، ولا أعلم ما إن كانوا يدركون ما سيحث لهم، أو ما إذا كان سيتم الكشف عن تفاصيل هذه القضية أم لا». وفي عام 1994 قرر أسامة بن لادن أنه بحاجة إلى دعاية أفضل لمنظمته، وأسس مكتبًا في لندن وأسند إدارته إلى خالد الفواز، كان المكتب يعرف باسم لجنة الاستشارات، والذي عمل كذراع العلاقات العامة في «القاعدة» يصدر المراسلات التي تهاجم أعداء «القاعدة» الآخرين. لم يكن المكتب ضخم التمويل؛ فقد أنشئ بميزانية قليلة وكان مقره في بيت الفواز في حي دوليس هيل شمال غربي لندن.

وكان الفواز، المفرط في السمنة والذي يرتدي الثياب التقليدية السعودية ويتحدث الإنجليزية بصورة رديئة، يعد المتحدث الرسمي للمكتب، وقد أقنع العديد من الصحافيين بالسفر إلى أفغانستان لإجراء مقابلات مع أسامة بن لادن في أواسط التسعينيات قبل أن تعتبر «القاعدة» تهديدا عالميا.

في فبراير (شباط) من عام 1998 أرسل الفواز فاكسا بفتوى بن لادن إلى صحيفة «القدس»، تعلن أن «القاعدة» أعلنت الحرب على «الصليبيين واليهود» وأن من واجب المسلمين وحلفائهم محاربة الأميركيين وحلفائهم حول العالم.

ومن بين الأمور الأخرى التي قام بها الفواز بها تزويد بن لادن بجهاز جوال القمر الصناعي الذي يمكنه من الاتصال بالناشطين حول العالم. ووفق ما ذكره المسؤولون الأميركيون الذين اعترضوا العديد من هذه المكالمات، ان بن لادن استخدم الهاتف للاتصال بالفواز والعملاء الآخرين في لندن أكثر من 200 مرة.

وقامت المباحث الفيدرالية في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها السفارتان الأميركيتان في كينيا وتنزانيا في السابع من أغسطس (آب) عام 1998 والتي أودت بحياة 200 شخص، بإثبات تورط الفواز بالهجمات. ونظرا لخشيتهم من الهرب من بريطانيا، وقال كولمان عميل المباحث الفيدرالية المتقاعد إنه اضطر إلى إيقاظ قاض فيدرالي في الساعة الثالثة صباحًا لتوقيع أمر اعتقال الفواز.

عارض الفواز تسليمه إلى الولايات المتحدة أمام سلسلة من المحاكم، وقد كان يخسر في كل منها، لكنه كان يستأنف الحكم إلى أقصى حد ممكن، بيد أنه يبدو أن حظه قد نفد في ديسمبر 2001 عندما أصدر مجلس اللوردات قرارا بأن الحكومة البريطانية لها الحق في ترحيله. كما أصدر المجلس أيضًا قرارًا بإمكانية ترحيل الحكومة لكل من عبد الباري وعيدروس المصريين اللذين عملا مع الفواز في لندن. وكانت قد اكتشفت بصمات أصابعهما على الفاكسات التي أرسلت إلى الوكالات الإعلامية التي تشير إلى مسؤولية «القاعدة» عن التفجيرات.

ولم يرد قسم تسليم المطلوبين بوزارة الداخلية البريطانية على الاستجواب الذي قدم ويطلب تفسيرًا للتأخير في تسليمهم إلى الولايات المتحدة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الداخلية، طالبة عدم الكشف عن اسمها، بحسب سياسة الحكومة: «لقد تمت مناقشة القضية على كافة المستويات، وأخذت مساحة كبيرة من الوقت للتعامل معها بعدالة وحيادية». وبعد أن قام صحافيون بريطانيون بالتساؤل عن وضع الفواز، أصدرت وزارة الداخلية بيانا مكتوبا قالت فيه «إن القضية برمتها استغرقت حيزا من الوقت أطول مما كان متوقعا»، وقد ألقى البيان بصورة غير مباشرة باللائمة في التأجيل على واشنطن، مشيرًا إلى أن المسؤولين الأميركيين استغرقوا عامين للرد على طلب بريطاني بشأن المعلومات. ولم تكن الولايات المتحدة الوحيدة في شكواها من الإجراءات البريطانية الطويلة في تسليم المجرمين، فلا يزال المسؤولون الفرنسيون يشعرون بالغصة من السنوات العشر التي تطلبها تسليم رشيد رامدا، الجزائري الذي اتهم فيما بعد بتمويل الهجمات الإرهابية بالقنابل على مترو أنفاق باريس في عام 1995.

وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 على نيويورك وواشنطن، أقرت الحكومة البريطانية بالمشكلات وتعهدت بإصلاحها، وفي مقابلة أجرتها صحيفة «واشنطن بوست» مع ديفيد بلانكيت وزير الداخلية آنذاك، اعترف الوزير بأن قوانين بلاده «عتيقة وسرية». وأضاف «ليست هناك فائدة في وجود ترتيبات تسليم مجرمين جيدة مع دولة أخرى إذا كان النظام القضائي لديك مترهلا بهذه الصورة وبطيئا، ولن يمكنك من تنفيذ هذه الاتفاقيات»، وأشار حينها إلى أن بريطانيا تتفاوض مع الولايات المتحدة حول اتفاقية تسليم مجرمين جديدة وبعد ذلك بقليل تم إقرار قانون جديد يسمح بسرعة تسليم المشبه بهم إلى دول عدة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ(«الشرق الأوسط»)