حركة شباب في مخيمات دارفور.. تتحول إلى قوة ضاربة ضد السلطة القبلية.. والحكومة

متشددون أكثر من الشيوخ.. وأكثر تهورا.. متهمون بقتل 11 من زعماء قبائلهم بسبب تهاونهم مع الخرطوم

اجتماع لعدد من شيوخ دارفور.. الذين يواجهون سلطة متنامية من الشباب الغاضبين على الأوضاع (نيويورك تايمز)
TT

كان الشيخ في حالة من الهلع، فالشباب الغاضبون في مخيم الحميدية، غرب دارفور، والذين يفترض أن له سلطة عليهم، قد حصلوا بطريقة سرية على معلومات بخصوص حضوره حفلا، شارك فيه مسؤول من الحكومة السودانية، التي يناصبونها العداء منذ أمد. ولخوفه الشديد من أن يتهمه الشباب بالخيانة، توسل الشيخ إلى مسؤولي الأمم المتحدة كي يسرعوا إلى نجدته، بأن يشهدوا أنه لم يفتح موضوع التسوية (بينهم وبين الحكومة). لقد أصبح الشباب قوة سياسية مناصرة للمتمردين بصورة كبيرة في المخيمات، التي يسكن فيها 2.7 مليون مواطن نزحوا خلال أعوام من الحروب بين الحكومة السودانية والمتمردين في منطقة دارفور السودانية.

ولشعورهم المتنامي بالغضب وخوفهم من مصير غير مؤكد، يتحدى هذا الجيل الذي ترعرع في المخيمات الشيوخ العرفيين، فيما يمثل انقلابا على هيكلة السلطة التي تميز بها مجتمعهم القبلي منذ وقت طويل، كما يعقد ذلك من الجهود التي تسعى لتحقيق السلام. ويقول مسؤول الأمم المتحدة، الذي روى قصة الشيخ الخائف، شريطة عدم ذكر اسمه حتى لا تتعرض مكانته بين الشباب للخطر «إنهم متشددون أكثر من الشيوخ، كما أنهم متهورون».

وقتل أحد عشر شيخا قبليا حول منطقة زالنجي، حيث يقع مخيم الحميدية ضمن خمسة مخيمات للاجئين يعيش فيها 120,000 نازحا، منذ بداية عام 2007. وعثر على أحد الشيوخ وقد أُدخل مسمار في جبهته، فيما أطلق الرصاص على آخر من بندقية تكاد تكون ملاصقة لجسمه. ولم يكشف ما وراء هذه الحوادث، ولكن تحوم الشكوك حول الشباب. ويقول عبد الله آدم خاطر، وهو ناشر في الخرطوم وكاتب سياسي من دارفور «لقد تأثر الشيوخ والزعماء التقليديين بالحكومة، ولذا لا يعتقد الشباب أن الشيوخ يحافظون على ولائهم لقضية وشعب دارفور». ويعني خاطر بتأثر الشيوخ أنهم قد حصلوا على رشى من الحكومة. وعلى المدى القصير، فإن ظهور الشباب يجعل من أية مفاوضات لتحقيق السلام أمرا أكثر تعقيدا، حيث يجب على قادة التمرد المحافظة على التابعين لهم الذين يشعرون بالغضب الشديد، والذين يعارضون إلى مساومة مع الحكومة.

وفي العام الماضي وفي مخيم كالما في جنوب دارفور، قامت مجموعة الفور العرقية بترحيل جميع أفراد قبيلة الزغاوة، عقابا لهم على توقيع قادتهم أول اتفاق سلام في دارفور مع الحكومة. وقام المحتجون، الذين تزعمهم الشباب، بترحيل أكثر من 10,000 شخصا من المخيم. ونتج عن ذلك مقتل العديد من الناشطين بين الشباب. وعلى الرغم من أن لفظة «الشباب» قد أصبحت تستخدم للإشارة إلى أهل دارفور من الشباب، إلا أنه لا توجد صلة بينهم وبين مجموعة الشباب المتمردة في الصومال. وعلى المدى الطويل، يشعر البعض بالخوف من تشكل مجموعة مسلحة قوية البنيان في العديد من المخيمات في دارفور، كما حدث في الأراضي الفلسطينية وبين اللاجئين الأفغان. ويرقب الشباب، الذين يتسمون بالتشدد في تعاطيهم مع الأمور السياسية، بحذر إلى أي إشارة على مساومة مع حكومة الرئيس عمر حسن البشير. ويشك مسؤولون في مجال العمل الإنساني في أن هناك سجونا يديروها الشباب في المخيمات، وأنهم يعاقبون المتجاوزين. وفي منطقة زالنجي، اعتاد مسؤولو الأمم المتحدة إخطار الشيوخ قبل تجمعهم أمام المخيمات بأربع وعشرين ساعة، حتى يأخذ الشيوخ الموافقة من ممثلي الشباب المنتخبين. وعلى الرغم من أن رئيس الشرطة في منطقة زالنجي، وهو من أفراد قبيلة الفور التي تسيطر على المخيم، لديه أقارب في داخل المخيم، عندما يحضر حفل زفاف أو أي تجمع عائلي آخر، يضطر إلى قيادة سيارته الخاصة، لأن رؤية سيارته الرسمية يمكن أن يتسبب في أعمال شغب، حسب ما يقوله مسؤول في الأمم المتحدة. وخلال جولة في مخيم الحميدية قام بها مسؤولون بارزون في الأمم المتحدة أخيرا، هاجم شفيق عبد الله، وهو قيادي في حركة الشباب يبلغ من العمر 33 عاما، صحافيا سودانيا من الخرطوم بشدة، بدعوى أنه جاسوس حكومي، وتوتر الوضع لدرجة أن الأمم المتحدة قامت بتعبئة قوات أمنية من حولهم. وقد ذكر عبد الله أربعة شروط يجب أن تتحقق، قبل أن يوافق الشباب في أي مخيم على إجراء مفاوضات بين متمردي دارفور والحكومة وهي: نزع سلاح الميليشيات الحكومية ومحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب، بدءا بالرئيس البشير، وترحيل أي شخص استولى على أراضي سرقت من المزارعين النازحين، وتنفيذ كافة القرارات التي اتخذها مجلس الأمن بخصوص دارفور. وأضاف عبد الله في مقابلة أجريت معه «نقيم مسيرات احتجاجية ضد أي شخص يقول إنه يجب علينا التفاوض مع الحكومة من أجل صالح دارفور. أنا أتحدث من أجل صالح قضيتنا، حتى لو كانت النتيجة هي موتي». ولم يعد الشيوخ متأكدين من أنه يمكنهم الفوز على رجال من أمثال عبد الله. ويقول دبلوماسي غربي في العاصمة الخرطوم، لديه خبرة واسعة في شؤون المخيمات: «لقد بدأت الهيكلة التقليدية للسلطة تتداعى، فلم يعد قادة التمرد يسيطرون على المواطنين من خلال الشيوخ».

ويعد مخيم كالما، الذي يعيش فيه قرابة 80 الف شخص، من أكبر المخيمات وأكثرها توترا. وعندما كانت مجموعة من المسؤولين البارزين في الأمم المتحدة تفتش في محطة لضخ المياه هنا في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني)، تحدث محمد أحمد إسماعيل، الذي يبلغ من العمر 20 عاما، إليهم قائلا «لسنا أحرارا في كالما». قال ذلك بالإنجليزية التي تعلمها في مدرسة المخيم، محاكيا طريقة المحامي في التحدث، حيث أنه يأمل في أن يصبح محاميا. وأضاف: «انظروا إلى مشايخنا، إنهم ليسوا أحرارا، يمكن أن يأتي الأمن إلى كالما في أي وقت».

وقد ساعد التعليم في المخيمات على توسيع مدارك بعض الرجال من أمثال محمد، فلم يكن يتم تدريس الإنجليزية، على سبيل المثال، في القرى التي كانوا يسكون فيها في الماضي، والتي سويت بالأرض، ولكن مع المستوى الأعلى من الوعي، زاد شعورهم بالغضب من الأخطاء التي ارتكبت ضدهم، وبسبب عدم إتاحة الفرصة أمامهم للقيام بما يريدون. ويقول عبد الله، الكاتب «لا يمكن أن تطلق عليهم مجموعة موحدة لديها أيديولوجية سياسية واحدة، ولكنهم غضبون جميعا، هذا هو العامل الذي يوحدهم جميعا».

ويضيف أن ترك الشباب يشعرون بالعزلة من دون أي بارقة أمل في المستقبل، سوف يكتنفه الكثير من المخاطر، حيث يمكن أن يدعم الشباب أي نوع من أعمال العنف. يشار إلى أن تكلفة المحافظة على المخيمات كبيرة للغاية، فمن بين 7 مليارات دولار في صورة تبرعات، تسعى الأمم المتحدة للحصول على مساعدات إغاثية لكافة أنحاء العالم وتسعى للحصول على مليار دولار لصالح دارفور. وعلى الرغم من أن مخيم كالما يتكون من عشوائيات بنيت في الأغلب من الطوب الطين والقش، نجد فيه أشياء تعطي إحساسا بالاستمرارية، حيث يحتوي على سوق واسع، وهناك صهاريج مياه معدنية تقوم على توفير الكثير من المياه التي يحتاجها المخيم، ويمتد المخيم على مساحة 10 أميال، بطول خط سكة حديد، وبه قرابة عشرة مساجد و8 أماكن لدفن الموتى. ويقول المقيمون في المخيم انهم يخشون البعد عن تخومه حتى لا يقعون فريسة للجنجاويد، وهي الكلمة التي يستخدموها لوصف أعدائهم، وليس الميليشيات المتحالفة مع الحكومة. وفي محاولة للسيطرة على غضب الشباب، قامت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بتعيين بعض الشباب، ومن بينهم محمد، في شرطة تتكون من متطوعين، لمحاربة الجريمة في المخيم. وواقعيا، أصبحت المخيمات أماكن لا تستطيع الحكومة السودانية الذهاب إليها، وتقول الحكومة بصورة مستمرة، انها سوف تخلي هذه المخيمات، في خطوة تضاد كافة المعايير الإنسانية. وتعمد الحكومة إلى وصف المخيمات بأنها ملاذ للمتمردين والعصابات المجرمة، التي تسرق السيارات وتزرع المخدرات.

خدمة: «نيويورك تايمز»