في زيمبابوي.. شعب يقتات الفئران والخنافس وفاكهة ينخرها الدود

7 مواطنين من بين كل 10 يتناولون وجبة واحدة يوميا أو كل يومين

TT

على جانبي الطريق في ماتابيليلاند، يقف الأطفال حفاة الأقدام وقد امتلأت جيوبهم بحبوب القمح التي سقطت من إحدى الشاحنات، كما لو كانت تلك الحبوب البنية التي لا تصلح إلا لطعام الحيوانات في الأوقات المعتادة، عملات ذهبية يتهافتون للحصول عليها.

في أحد الأزقة القذرة في منطقة تشيتونغويزا وموغارويس، جلست إحدى العائلات التي تعتاش من جمع الحطب، لتناول الطعام: رغيف من الخبز قُسم إلى إحدى عشرة شريحة لتطعم أفراد العائلة الستة. يحصل كل فرد على شريحتين ما عدا الطفل الصغير الذي لم يتجاوز عمره العامين، يحصل على شريحة واحدة. في المزارع الصغيرة هنا في إقليم ماشون لاند، التي كانت يوما خزان طعام لكل البلدان في جنوب افريقيا، يقوم الفلاحون المعوزون بجمع الصراصير والخنافس في السلال، ثم يرمونها في مقلاة حامية. «إذا تمكنت من الحصول على ذلك، تكون قد حصلت على وجبة»، يقول ستانفورد نهرا، مزارع هزيل تلتصق عظام قفصه الصدري بجلده.

يتضور سكان زيمبابوي جوعا في أرض كانت يوما تفيض بالخيرات. وقد كشف تقرير للأمم المتحدة صدر مؤخرا أن 7 من بين 10 يتناولون وجبة واحدة يوميا أو لا يتناولون طعاما الا كل يومين. ولا يزال يعاني أهل زيمبابوي الذين يقودهم الرئيس روبرت موغابي منذ ثلاثة عقود، من وطأة سبع سنوات عجاف متتالية من الجوع. هذه الكارثة التي كان الإنسان السبب فيها إلى حد بعيد، والتي تتفاقم أحيانا بسبب الجفاف أو الأمطار الغزيرة، ولدت نتيجة سياسات زراعية كارثية وانهيار اقتصادي كامل وحزب حاكم استغل الأراضي الزراعية والغذاء كسلاح في حملته الشعواء، والتي أثبتت نجاحا حتى الآن، للبقاء في السلطة. لكن هذا العام يختلف عن سابقه، فحدة الجوع ازدادت. والبحث الذي قام به برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) وجد تراجعا مفجعا في العام الأخير فقط. وقد كشف البحث الذي قُدم للمانحين الدوليين أن نسبة الفقراء الذين لم يتناولوا طعاما لمدة يومين قد ارتفعت إلى نسبة 12 في المائة من صفر، أما نسبة أولئك الذين يستهلكون وجبة واحدة في اليوم فقد ارتفعت إلى 60 في المائة بعد أن كانت 13 في المائة فقط العام الماضي. وكان موغابي قد منع المنظمات الخيرية الدولية في الفترة من يونيو (حزيران) وحتى أغسطس (آب) من العمل في البلاد، مما حرم أكثر من مليون شخص من تلقي المعونات الضرورية والغذاء، بعد أن عانت البلاد من أسوأ موسم للحصاد في تاريخها. ودافع موغابي عن عملية تعليق عمليات المساعدات بالقول إن منظمات المساعدات الغربية هذه كانت تدعم خصمه السياسي مورغان تسفانغيراي، الذي فاز عليه في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر مارس (آذار) لكنه أجبر على الانسحاب قبل انطلاق الدورة الثانية بسبب أعمال القمع التي مارستها السلطة ضد أنصاره. لكن جماعات الحقوق المدنية والمحللين قالوا إن موغابي قال إن الدافع الرئيسي وراء ذلك هو إخلاء المناطق التي يمكن أن تكون شاهدة على العملية العسكرية لقمع أنصار المعارضة وتجويع أولئك المناصرين. وما زاد أيضا من حدة تفاقم الأزمة السياسة والإنسانية في البلاد، اجتياح مرض الكوليرا لزيمبابوي بسبب انهيار البنية التحتية، وتدهور قطاعات التعليم والصحة ودخول محادثات تقاسم السلطة إلى نفق مظلم. وفي هذه الأثناء يلقي موغابي باللائمة في ما تعانيه بلاده على العقوبات الغربية، التي لم تكن تستهدف سوى أعضاء بارزين في حكومته. وكان وزير الإعلام الزيمبابوي قد اتهم بريطانيا، المستعمر السابق، الأسبوع الماضي، بأنها السبب وراء تفشي مرض الكوليرا الذي ينتشر عبر شرب الماء الملوث بمياه الصرف الصحي في البلاد. وأشار إلى أن ذلك نوع من «الحرب البيولوجية الكيميائية على بلاده» وهو ما اعتبر نوعا من جنون الاضطهاد أو السخرية. ومع كل الحقد الذي يحمله موغابي تجاه الغرب، إلا أن هناك الكثير من التناقض الذي شاب سنوات حكمه الطويلة، ألا وهي تلك السياسات الفاشلة لموغابي وحزبه «زانو بي.إف» والتي كان من بينها الاستيلاء بالقوة على المزارع التجارية التي جعلت بلاده تستغني عن المساعدات الأوروبية والأميركية، وكذلك كانت سياساته تجاه القادة الغربيين: فبالرغم من رفضهم الشديد له إلا أن منحهم السخية ساعدته في إبعاد شبح المجاعة عن بلاده. ويقول أحد مديري إحدى وكالات الإغاثية مشترطا عدم ذكر اسمه: «إنك تعمل لكي تنقذ البشر هنا وعندما تقوم بذلك فإنك تساعد هذه الحكومة». وعملت المؤسسات الخيرية المدعومة من الولايات المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي، منذ عام 2002، على إطعام ملايين الزيمبابويين بكلفة وصلت إلى 1.25 مليار دولار، وبعد بداية بطيئة هذا العام نظرا لتعليق العقوبات تقوم الولايات المتحدة إلى جانب الأمم المتحد بإطعام نصف سكان زيمبابوي هذا الشهر. لكن برنامج الغذاء العالمي، كما يشير ريتشارد لي، المتحدث باسم البرنامج، يعاني من نقص. وتقول ساره جاكوب من منظمة «أنقذوا الأطفال»: «إنك لم تشاهد المجاعة الجماعية بعد». وتشير إلى انه ما لم يتم تقديم شحنات عاجلة من الغذاء، «فإننا قد نشهد حدوث موقف أكثر هولا وفزعا في يناير (كانون الثاني)». ونظرا لعدم وصول أي من مساعدات الغذاء إلى قرية غيريرا في إقليم ماشونالاند القريب من هراري العاصمة، يخرج الناس كل صباح قبيل شروق الشمس لمحاولة ملء دلائهم بالفاكهة المتعفنة، لكن من يصلون مع طلوع الصبح يجدون الفاكهة قد قطفت. وقد أصبح لب ثمرة هاتشا الأصفر، غذاء للقرويين. وبالرغم من إصابة الفاكهة بنوع من الديدان البنية الصغيرة، إلا أن القرويات يقشرنها ويطحنها وينقعنها في الماء وقد تطفو بعض الديدان على سطح الماء، فترمى ويؤكل اللب المهروس. وفيما يسعى الآباء للبحث عن مصادر أخرى للغذاء، تحاول مونجينا بوتشيتو أن تلهي ابنتها البالغة عامين بطبق من الأوراق البرية المسلوقة. وتطحن مايدي كوناكا طعام الحيوانات من حبوب الفول والصويا والقمح وما تسميه الحبوب الخضراء الذي تكسبه من عملها في إحدى مزارع النعام القريبة، لكي تطعم أطفالها الثلاثة. وتقول: «إنها ليست لذيذة لكنها تملأ المعدة». ويقول القرويون ان بداية تدهور الظروف المعيشية في زيمبابوي كان في مطلع العام 2000، وهو الوقت الذي شعر فيه موغابي بمرارة الهزيمة السياسية، عندما رفض الاستفتاء حول منحه سلطات تنفيذية أوسع. عندها حاول الانتقام بإطلاق قدامى محاربي حرب التحرير الزيمبابويين وعصابات الشباب لغزو واحتلال المزارع التجارية التي يمتلكها البيض والتي كانت أكبر مستوعب للعمالة ومحرك أرباح الصادرات. ومع مرور الوقت، تم الاستيلاء على المزيد من المزارع، وفقد العمال الزراعيون وعائلاتهم الذين يبلغ عددهم نحو مليون شخص، وظائفهم وأموالهم، وفق الدراسة التي أجراها اقتصاديون زيمبابويون لصالح برنامج الأمم المتحدة للتنمية. وقد تحول برنامج إعادة توزيع الأراضي إلى انتزاع للأراضي من قبل النخبة السياسية الحاكمة. ومنذ ذلك الحين، بدأ محصول الذرة، المحصول الرئيسي في البلاد، بالتراجع بحوالي الثلث عن مستوياته السابقة، وذلك وفق ما أكده تقرير برنامج التنمية. وفي نزفيري يجلس مجموعة من الرجال الذين يعانون من هزال شديد تحت ظل شجرة يلفون التبغ في أجزاء من أوراق الصحف القديمة، ويتبادلون الحديث حول واقع زيمبابوي، ويجمعون على أنه لم يعد بالإمكان العمل كمزارعين مرة أخرى. في التسعينيات قال هؤلاء الرجال انهم كانوا يحصدون الكثير من الخضراوات من مزارعهم الصغيرة يطعموا أسرهم وكانوا يبيعون الفائض في هراري، أما الآن فلا تنتج أرضهم ما يكفي لإطعام أسرهم. وخلال الفترة التي كان المزارعون البيض يملكون فيها المزارع كانت الأسعار رخيصة، أما الآن فقد ارتفعت الأسعار وهو ما لم يعد يطيقه أصحاب المزارع الصغيرة. وأضافوا أن الحكومة تحتكر بيع وشراء الذرة عبر هيئة تسويق الحبوب. ومع ازدياد التضخم بنسب قياسية، يصبح ما تدفعه الدولة لهم عديم القيمة بمجرد خروجهم من البنوك التي تصرف لهم. وأشاروا إلى إن إعادة توزيع المزارع لم تفدهم على الإطلاق وإنما ساعدت أولئك الذين ناصروا الحزب الحاكم في انتزاع الأراضي. وحتى عندما أتت المساعدات الغذائية حصل عليها مؤيدو الحزب الحاكم. لذا فقد أصبحوا، كما يقولون، يقتاتون من القمامة، يعيشون بعيدا عن أرضهم، ويعيشون على الفئران التي يصطادونها من المزارع، والفاكهة البرية والنمل الأبيض والخنافس السوداء.

* خدمة «نيويورك تايمز»