تعريف «الجندي المقاتل» وموعد الانسحاب الأميركي من مدن العراق يؤرقان البنتاغون

العديد من المخططين العسكريين يقرون بأن الكثير من القوات ستبقى بعد مهلة يونيو 2009

أفراد من الشرطة العراقية يستعرضون مهاراتهم القتالية في حفل تخرج من أكاديمية الشرطة ببغداد أمس (رويترز)
TT

بات واضحًا أن ثمة سؤالا يعتبر من أكثر الأسئلة المزعجة داخل أروقة البنتاغون في الوقت الحالي، وأنه بدأ في إثارة الكثير من الجدل، ويتمثل هذا السؤال في: ما هو تعريف الجندي المقاتل؟ والأكثر أهمية، متى ستنسحب كل القوات الأميركية المقاتلة من المدن العراقية الكبرى؟ وتتمثل الإجابات المختصرة في أن القوات المقاتلة، والتي عرّفها الجيش على أنها تلك التي تتمثل مهمتها الرئيسة في الاشتباك مع العدو بقوة ساحقة، ستخرج من المدن العراقية بحلول 30 يونيو (حزيران) 2009، وهو الموعد النهائي المحدد بموجب اتفاقية وضع القوات المتفق عليها أخيرا بين الجانبين الأميركي والعراقي. أما الإجابات المطولة لتلك الأسئلة فتتحدث عن استجابات بالغة التعقيد للمشكلات السياسية والعسكرية التي تواجه الرئيس المنتخب باراك أوباما. ورغم دعوة الاتفاقية، التي صادقت عليها الحكومة العراقية، جميع القوات الأميركية المقاتلة إلى مغادرة المدن مع نهاية شهر يونيو (حزيران)، يقر العديد من المخططين العسكريين على نحو متحفظ بأن الكثير من تلك القوات سيبقى لما بعد تلك الفترة تحت مسمى جديد، ألا وهو «المدربون»، «والمستشارون»، وستظل تلك القوات في أدوار وعمليات قتالية فعلية. بمعنى آخر، انهم سيظلون مشتركين ومنخرطين في العمليات القتالية ولكن تحت مسمى آخر. ويقول جون ناغل، المقدم المتقاعد وأحد مؤلفي كتيب الإرشادات الميدانية الجديدة لمكافحة الإرهاب: «في بعض الأحيان، يتم إطلاق النيران على المدربين، وسيكون لزامًا عليهم في تلك الأثناء الرد على إطلاق النيران». ويعتبر الأمر عسيرًا بعض الشيء بالنسبة لأوباما، حيث حفزت تعهدات حملته الانتخابية بإنهاء حرب العراق مؤيديه ومناصريه الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض. ولكن مع بدء أوباما الاجتماع مع مستشاريه العسكريين، وهما وزير الدفاع روبرت غيتس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مايك مولن، بات واضحا أن تعريفه لإنهاء الحرب يعني الإبقاء على الآلاف من الجنود الأميركيين. ومن أحد تلك الأسباب، أن أوباما يقف أمام موعدين نهائيين للانسحاب، وكلاهما متداخلان ويقتربان سريعًا، أحد هذين الموعدين الذي حددته إدارة الرئيس بوش، والآخر هو ذلك الذي حدده أوباما. وبعد انقضاء يونيو (حزيران) 2009، سيلوح في الأفق مايو (أيار) 2010، أي بعد مرور 16 شهرًا على تولية أوباما، والأخير هو الشهر الذي حدده أوباما خلال حملته الانتخابية لسحب القوات الأميركية كاملة من العراق. ثم يأتي الميعاد الثالث، وهو ديسمبر (كانون الأول) 2011، وهو الميعاد النهائي المحدد ضمن اتفاقية وضع القوات لسحب جميع القوات الأميركية من العراق. وفي محاولة للوفاء بتلك المواعيد النهائية دون تعريض الاستقرار النسبي والهش بالعراق إلى الخطر، يقول المخططون العسكريون إنهم سيعيدون تخصيص بعض القوات المقاتلة لتدريب ودعم العراقيين، رغم أن تلك القوات ستظل محتفظة بأسلحتها، وستمضي في دوريات الحراسة القتالية إلى جانب شركائهم العراقيين. ورغم إعادة تعريف أدوارهم، إلا أن المخاطر التي يواجهونها ستبقى كما هي. وأفاد أندرو كربينفتش، الخبير العسكري بمركز التقييمات الميزانية والاستراتيجية، وهي مجموعة بحثية: «إذا كنت في عملية قتالية، لن يكون هناك أدنى اختلاف فيما إذا كنت مستشارًا أم لا: فأنت تخاطر بحياتك، والرصاص ليس منقوشا على بعضه للمستشار، وعلى الآخر للوحدة القتالية». ويبلغ عدد القوات الأميركية بالعراق زهاء 146.000، متضمنة أفراد الدعم والخدمات. وأحجم الجنرال راي أوديرنو، القائد الأعلى للقوات الأميركية بالعراق، عن إخبار الصحافيين هذا الشهر بعدد القوات التي من المحتمل بقاؤها بالمدن العراقية بعد انقضاء الموعد النهائي في يونيو (حزيران) 2009، وأوضح أن العدد الدقيق ما زال بحاجة للتفاوض عليه مع العراقيين. إلا أن بعض الخبراء العسكريين مثل مايكل أوهالون، الزميل البارز بمعهد بروكينجز، ذهبوا إلى الى القول إن 10.000 جندي أميركي تقريبًا يتعين عليهم البقاء في بغداد لما بعد يونيو (حزيران) المقبل، إلى جانب وجود الآلاف أيضًا في المدن الأخرى حول البلاد. من جانبه، أوضح الجنرال أوديرنو أن العراقيين ما زالوا بحاجة إلى المساعدة، وأن دور الولايات المتحدة سينزوي إلى حد ما، ولكن ليس تمامًا. وقال أوديرنو للصحافيين: «ما أريد أن أقوله، هو أننا سنبقي على شراكتنا الوثيقة مع قوات الأمن العراقية في كل مكان بالعراق، وحتى بعد الصيف». ويقول المسؤولون العسكريون إن بإمكانهم تحقيق هذا بواسطة «إعادة تحديد» موعد بقاء القوات المقاتلة. ورسميًا، يتم تعريف الجندي المقاتل على أنه أي شخص حاز تدريبا على ما يتم وصفه بأنه اختصاصات عسكرية قتالية، متضمنًا بذلك المشاة والمدفعية والقوات الخاصة، للاشتباك مع العدو. ومع ذلك، يمكن للقوات المقاتلة أن تتولى مهام مختلفة. ومن وجهة النظر العسكرية، ليس الجندي المقاتل بما يتم وصفه به، بل بما يفعله. ومثالاً على ذلك، ففي المنطقة الجنوبية من بغداد والتي كانت تسمى في يوم من الأيام «بمثلث الموت» نظرًا لوجود المتمردين السنة بها، تم استبدال لواء مقاتل يبلغ عدده ما بين 4000-5000 جندي مقاتل من الفرقة 101 المحمولة جوًا بما يطلق عليه الجيش قوة انتقالية قوامها من 800-1200 جندي، وكانت مهمتهم تنصب في تدريب وتقديم النصح والمشورة للجيش العراقي. ويقول المقدم ناغل: «لم يعد الأميركيون يبرزون عضلاتهم القتالية، فالآن توجد دوريات عراقية تضم مجموعة صغيرة من المستشارين الأميركيين في وسطهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»