الدول الأوروبية تدرس استضافة معتقلين من غوانتانامو

يسعى بعضها لإعادة توطين غالبية الـ60 معتقلاً الذين تمت تبرئتهم

TT

أوضح مسؤولون أوروبيون بارزون، ودبلوماسيون أميركيون، أن الدول الأوروبية قد شرعت في بدء مباحثات مكثفة بينها وبين حكوماتها بشأن ما إذا كانت ستعيد توطين المعتقلين القادمين من سجن غوانتانامو الأميركي أم لا، ليكون هذا الأمر على سبيل مقترح ستقدمه الدول لإدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما القادمة. ويمثل الاستعداد لدراسة قبول السجناء الذين لا يمكن إعادتهم إلى أوطانهم، مخافة أن يتعرضوا إلى التعذيب هناك، تغيرًا كبيرًا في موقف الحكومات الأوروبية. إذ دومًا ما كانت تتم مقابلة الطلبات المقدمة من إدارة الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش التي تطلب قبول الدول الأوروبية الحليفة توطين بعض من المعتقلين في معتقل غوانتانامو بالرفض. ويقول كارستن فويغت ـ منسق التعاون الأميركي الألماني بوزارة الخارجية الأميركية في محادثة هاتفية أُجريت معه أن إدارة بوش هي «التي أوجدت المشكلة. أما مع أوباما، فالوضع مختلف، إذ أنه يحاول حلها». وهناك ست دول أوروبية على الأقل تدرس إعادة توطين السجناء، فيما أقرت كل من ألمانيا، والبرتغال فقط بذلك علانية حتى الوقت الحالي. وأوضح الناطق باسم الخارجية الألمانية أمس، أن فرانك فالتر شتاينماير، وزير الخارجية الألماني، وجه المسؤولون إلى دراسة الأبعاد السياسية، والقانونية، واللوجيستية لهذه القضية. وأضاف المسؤولون الألمان أنه قد تم تداول ورقة مباحثات بخصوص الشأن ذاته بين الوزارات في برلين منذ أسابيع. وحسبما أفاد مسؤولون أوروبيون وأميركيون على دراية بالقضية، فإن المسؤولين الأوروبيين قد قدموا مقترحات غير نهائية لفريق باراك أوباما للنظر فيما إذا كان الفريق عازما على نقاش القضية أم لا، إلا أن الإدارة القادمة رفضت عقد أي مباحثات رسمية حتى حلول يوم التولية في 20 يناير (كانون الثاني). وأشارت بروك أندرسون، المتحدثة باسم رئيس الأمن القومي في فريق أوباما الانتقالي، بقولها: «لقد أوضح الرئيس المنتخب أوباما دومًا أنه يرغب في إغلاق معتقل غوانتانامو، وسيفي بهذه الالتزامات التي قطعها على نفسه حال توليه الرئاسة. إلا أنه يوجد رئيس آخر في الوقت الحالي، ونحن نحترم ذلك». وقد أعلنت الحكومة البرتغالية عن تلك النقاشات التي كانت تغلفها السرية خلال الشهر الجاري، وذلك بعدما قدم لويس أمادو ـ وزير الخارجية البرتغالي ـ القضية في خطاب أرسله إلى نظرائه في الدول الأخرى. وقد كتب في خطابه: «لقد حان الوقت للاتحاد الأوروبي لأخذ خطوة إلى الأمام، ومن حيث المبدأ والترابط، يتعين علينا إرسال إماءة واضحة باستعدادنا لمساعدة الحكومة الأميركية في هذا الصدد، وبالتحديد عبر إعادة إيواء السجناء. وطالما أن الحكومة البرتغالية معنية بالأمر، فسوف نكون على أتم الاستعداد للمشاركة». وقال أمادو في محادثة هاتفية أنه يخطط لإثارة القضية في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المزمع عقده نهاية شهر يناير (كانون الثاني)، كما من المنتظر مناقشة القضية أيضًا في مجلس الشؤون العامة، والعلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي المزمع عقده في 26 من ذات الشهر.

واستطرد أمادو: «أعتقد أن الأوضاع مع الإدارة الجديدة سوف تكون مواتية لإيجاد ديناميكية جديدة من التعاون». وأشار إلى أنه عندما أثار قضية معتقل غوانتانامو للمرة الأولى في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قبل 7 أشهر، عارضت بعض الدول مساعدة إدارة بوش». وأوضحت سارة ميندلسون، مديرة مبادرة حقوق الإنسان والأمن بمركز الدراسات الدولية الاستراتيجية، ومؤلفة تقرير إغلاق غوانتانامو: «أعتقد أن الإدارة الجديدة سترسل شخصًا ما على متن طائرة متجهة إلى أوروبا في غضون دقائق من أداء أوباما للقسم". وأوضح مسؤولون أوروبيون لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم، نظراً إلى أن حكوماتهم لم توضح مواقفها علانية إزاء تلك القضية، أنهم يتوقعون أن تشرع إدارة أوباما في اتخاذ خطوات تهدف إلى ضمان التعاون الأوروبي، ويبدو فعليًا أن بعض من تلك الخطوات تخضع لمباحثات جادة من قبل الفريق الانتقالي. وأشار المسؤولون الأوروبيون إلى أن دولهم ترغب في الحصول على التزام تام بشأن إغلاق معسكر غوانتانامو، والاعتراف بالمبادئ القانونية المشتركة في الحرب على الإرهاب، ومنها تلك التي تتعلق بمعاملة المشتبه بهم. وأفاد أمادو وجون بيلينغر الثالث ـ المستشار القانوني بوزارة الخارجية الأميركية أن سلسلة من الاجتماعات التي جرت بين الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي في إطار قانوني لمحاربة الإرهاب أسفرت عن تقريب الاختلافات بشأن تطبيق قانون حقوق الإنسان، وقانون اللاجئين، وقانون المساعدات الإنسانية إلى حد كبير. ويريد الأوروبيون أيضًا من أوباما الموافقة على نقل عدد صغير من المعتقلين إلى الولايات المتحدة قبل محاولتهم الترويج لبرنامج إعادة التوطين لدى المواطنين الأوروبيين. ويقول أمادو: «أعتقد أن هذا سوف يحدث». ومن إحدى المجموعات التي من المحتمل توطينها في القارة الأوروبية، 17 معتقلاً من الأويغور الصينيين، والباقين رهن الاعتقال منذ سنوات في معسكر غوانتانامو. وأقرت إدارة بوش أن الأويغور ليسوا من المحاربين الأعداء، وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أصدر قاض فيدرالي أمرا بإطلاق سراحهم إلى الولايات المتحدة. وفي خضم مباحثات داخلية للخارجية الأميركية، أوضحت الوزارة أن الأويغور تم جلبهم إلى الولايات المتحدة لإقناع أوروبا بإعادة توطين المعتقلين الآخرين. إلا أن مسؤولا بوزارة الخارجية الأميركية، لم يرغب في الكشف عن اسمه، نظرا لحساسية القضية، أوضح أن وزارتي الأمن الوطني والعدل، بالإضافة إلى مسؤولين من البيت الأبيض اعتبروا إعادة التوطين داخل الولايات المتحدة بمثابة «خطا أحمر». واستأنفت وزارة العدل الحكم الصادر من القاضي الفيدرالي والذي يقضي بإطلاق سراح الأويغور. وقال أحد المسؤولين الأميركيين: «أن وزيرة الخارجية (كوندوليزا) رايس وآخرين بالوزارة عارضوا إعادة التوطين داخل الولايات المتحدة على أنها نوع من التسوية، ولكن من الواضح أن هذه الإدارة لن تتجه إلى إعادة دراسة قضية إعادة التوطين». وحسبما أفاد البنتاغون، فإن معتقل غوانتانامو يأوي في الوقت الحالي 250 معتقلاً. ويقول بعض المسؤولون الأوروبيون أن عددًا من الحكومات تدرس في الوقت الحالي لوجيستيات إعادة توطين غالبية الـ60 معتقلاً الذين تم تبرئة ساحتهم فعليًا استعدادًا لإطلاق السلطات الأميركية سراحهم. ومع ذلك، لم يحدد البنتاغون هؤلاء الـ60، إلا أن دراسة أصدرها معهد بروكينغز الأسبوع الماضي توصلت إلى أنهم يتضمنون معتقلين من اليمن، وتونس، والجزائر، وأوزباكستان، والعراق، والسعودية، ومصر، وليبيا، والأراضي الفلسطينية، إلى جانب مجموعة الإيغور. وكشفت الدراسة أن هؤلاء السجناء يعتبرون أقل خطرًا بالنسبة للباقين. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لا تحتجز أي مواطن أوروبي بين المعتقلين في غوانتانامو. وقال توماس ستيغ – الناطق باسم الحكومة الألمانية ـ بالأمس، أن الولايات المتحدة لن يكون بمقدورها وضع أي شروط تتعلق بمعاملة المعتقلين الذين سيتم نقلهم، إذا ما قبلتهم أوروبا. وقال للصحافيين: «هناك شيء واضح: أن الأميركيين لا يمكنهم المطالبة بأي بنود خاصة ـ وليس هناك اتفاقات أخرى، أو مقايضات، أو شروط ستصاحب تلك العملية». وتابع أيضًا أن جميع الدول الـ27 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي سيتعين عليها مناقشة الأمر. حري بالذكر، أن دولا مثل الدنمارك أفادت فعليًا أنها لن تقبل أي معتقلين، مشيرة إلى أنهم مسؤولية الولايات المتحدة منفردة. وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الدنماركي ستيغ مولر الشهر الماضي: «لماذا يتعين أخذهم إلى المجتمع الدنماركي الأصغر حجمًا؟ لا أحد من هؤلاء السجناء لديه ما يقوم به أي كان في الدنمارك». ويلزم التوصل إلى اتفاقية عامة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على أساس وجود قانون حرية السفر داخل الاتحاد، إلا أنه ليس من المتوقع أن تؤدي الشروط المطلوبة مسبقًا إلى إعاقة اتفاقية إعادة التوطين، وذلك على أساس الرغبة الأوروبية العامة «لإسعاد أوباما»، كما قالها فعليًا أحد المسؤولين الألمان في مقابلة أُجريت معه. وطبقًا للدبلوماسيين الأميركيين وجماعات حقوق الإنسان، أرسلت إدارة بوش قوائم بالمعتقلين إلى عدد من الدول الأوروبية، آخرها كان في العام الماضي، وذلك عندما تمت مطالبة المسؤولين الأوروبيين باستضافة 16 معتقلاً من جملة 17 يتضمنون الأويغور، وأربعة أوزباكستانيين، ومصري، وفلسطيني، وصومالي. وقال بيلينغر ـ المستشار القانوني بالخارجية الأميركية، إذ أوضح أن الإدارة اتصلت بحوالي 100 دولة في محاولة منها للسعي لإخلاء معتقل غوانتامو: «كانت هناك دفعة قوية بالعام الماضي. وكانت هناك بعض الدول لديها العزيمة على دراسة الأمر، إلا أنهم كانوا جزءًا من المجموعة. ومع ذلك لم تتول أي دولة زمام المبادرة». وأشار المسؤولون الأميركيون الى أن عددا من جماعات الحريات المدنية، وحقوق الإنسان عقدت بدورها مباحثات مع الحكومات الأوروبية، والخارجية الأميركية الموافقة بتحفظ. وقالت جوانا مارينر ـ مديرة برنامج مكافحة الإرهاب في هيومان رايتش ووتش، والتي تحدثت مع المسؤولين الحكوميين بالعواصم الأوروبية: «قلنا لهم إذا كنتم تريدون إغلاق غوانتانامو، فلا يمكن لإدارة (أوباما) القيام بهذا دون المساعدة الأوروبية». وأحجمت مارينر عن تحديد أسماء الحكومات التي تحدثت معها، إلا أنها قالت أن «ثمة تغيرا واضحا في الموقف» منذ انتخاب أوباما. وتابعت: «لقد كانوا يقولون من قبل: لماذا يتعين علينا تنظيف الفوضى التي أحدثها بوش؟ أما الآن، فهم يسألون أسئلة عميقة بشأن المعتقلين وكيف يمكن أن يندمجوا معهم».

* خدمة «واشنطن بوست»: خاص بـ(«الشرق الأوسط»)