حديث الأسد عن مفاوضات مباشرة مع إسرائيل يفتح جدلا في لبنان حول السير على الطريق نفسه

صلوخ ينفي تصريحات عدم ممانعته وعون يقترح تفاوضا ثلاثيا والحريري يستبعد التفاوض المباشر

TT

أثار اعلان الرئيس السوري بشار الاسد توقعه الانتقال الى مفاوضات مباشرة ببين سورية واسرائيل تفضي الى اتفاق سلام من دون أن يحدد الموعد، ردود فعل لبنانية متباينة وفتح جدلا في لبنان حول امكانية دخوله هو الاخر في مفاوضات مع اسرائيل بينما قلل مسؤولون من فصائل فلسطينية مرتبطة بسورية من تأثير مثل هذه المفاوضات عليهم متوقعين ألا تتم.

في بيروت بدا ان هناك موقفا اقرب الى الانفتاح للتفاوض مع اسرائيل من جانب قوى تمثل المعارضة واقرب الى حزب الله ودمشق رغم تضارب التصريحات. وقد رد رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري على اسئلة تتعلق بتصريحات لميشال عون قال فيها انه لا يمانع في مفاوضات لبنانية مع اسرائيل بحضور سورية وقال الحريري للصحافيين اثر زيارته البطريرك الماروني نصر الله صفير «نحن في لبنان لن نباشر أي مفاوضات مباشرة مع إسرائيل للمصلحة الوطنية، والحكومة هي التي تأخذ القرار مجتمعة». وتمنى في الوقت ذاته السلام العادل للبنان وسورية. واشار الى «اننا طلبنا من الحكومة السورية ترسيم الحدود وكان الرد أنها لن ترسم الحدود ما دامت مزارع شبعا محتلة، واذ بالرئيس الاسد يطالب اسرائيل بترسيم الحدود والاراضي المحتلة في الجولان». وأضاف: «اننا مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني اليوم في غزة. ونحن ضد الانقسام الفلسطيني لانه يؤثر على القضية المركزية».

وكان عون قد اجاب على سؤال قبل يومين عما اذا كان يؤيد دخول لبنان تفاوضا غير مباشر بقوله أنا مؤمن بنظرية الطاولة الثلاثية، وهذا موقفي منذ العام 1989 حين كنت في قصر بعبدا وكنت مختلفا مع السوريين وكنا في حال تصادم وحرب، وما زال هذا رأيي حتى اليوم. إذ يجب أن تتحاور سورية ولبنان وإسرائيل على الطاولة ذاتها، وسورية يمكن ألا توافق على ذلك ولكن هذا رأيي، وهو المفاوضات المباشرة ضمن طاولة «مثلثة الأضلاع».

وسئل: تؤيدون المفاوضات المباشرة مع إسرائيل وفق هذا الرأي؟ فاجاب: نعم. لبنان لديه مشكلة أرض ومشكلة اللاجئين. وإذا لم تحل قضية الإنسان الفلسطيني فلن تحل مشكلة الأرض. ونفى أن يكون قد تطرق الى الموضوع خلال زيارته لسورية.

من جانبه نفى وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ ما نقل عنه: «لا مانع من مفاوضة اسرائيل اذا ضمن لنا ساركوزي انسحابها من شبعا». وقال لـ«الشرق الاوسط»: «موقفي هو عكس ذلك تماما، فأنا أحذر من الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.

ونحن جربنا المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل التي تتولاها قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) بشأن قضية بلدة الغجر، وتبين لنا ان الجانب الاسرائيلي يعطي وعوداً، لكنه لا يلتزم بها. كما ان لبنان غير معني بأي مفاوضات مع اسرائيل، لأن المواضيع العالقة بين كل من البلدين تحكمها قرارات مجلس الامن، وتحديدا القرار 1701. وتزورنا وفود خارجية كثيرة تعرض علينا السير في المفاوضات وتشجعنا على ذلك. الا ان دخولنا اي مفاوضات يسقط القرار 1701». وفي حين ذكّر ان لبنان معني بعملية السلام الكاملة، أضاف صلوخ: «موقفي كان واضحا في الرد على سؤال يتعلق بما قد يحمله الرئيس الفرنسي ساركوزي الى لبنان. قلت انه اذا ضمن لنا انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وكذلك من بلدة الغجر التي احتلتها إسرائيل في العام 2006، حينها نفكر بالخطوة المقبلة. ولم أقل اننا لا نمانع في إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل».

وعن المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية المباشرة قال صلوخ: «في حال اقتنع الجانب السوري ان مطالبه سوف تتحقق من خلال المفاوضات غير المباشرة لينتقل حينها إلى المفاوضات المباشرة فهذا امر جيد. وهو ينسحب بالتالي ايجابا على لبنان».

وكانت وكالة الانباء الوطنية اللبنانية قد نقلت عن صلوخ أمس انه قال في دردشة مع اعلاميين ردا عن اعلان الرئيس الأسد ان المفاوضات ستتحول الى مباشرة (في حال وصل الجانب السوري الى قناعة بان مطالبه سوف تتحقق فهذا امر جيد وهو ينسحب بالتالي على لبنان). وردا على سؤال عن زيارة ساركوزي المقبلة وماذا كانت تساعد في دخول لبنان على خط المفاوضات قال (اذا ضمن ساكوزي لنا انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا لما لا وكذلك بلدة الغجر).

وفي حين لم تتغير مواقف «حزب الله» الرافضة أي مفاوضات لبنانية ـ اسرائيلية، ساد خوف من «ثمن ما يدفعه لبنان» نتيجة تسوية تفرضها هذه المفاوضات. كذلك ساد تأكيد «قديم ـ متجدد» مفاده ان لبنان سيكون الدولة العربية الأخيرة التي ستوقع اي اتفاق سلام مع اسرائيل. يقول النائب عن «القوات اللبنانية» في البرلمان اللبناني انطوان زهرا: «اعلان الطرفين السوري والاسرائيلي استعدادهما الدخول في مفاوضات مباشرة يقترن بنظرة الطرفين الى لبنان كأحد الاثمان التي يمكن ان يتفاوضا عليها. والامر طبيعي بالنسبة لكل من اسرائيل وسورية، فهما لا ينظران الى لبنان على انه دولة مستقلة ذات سيادة. وبالتالي لن يحترما سيادته واستقلاله. واذا قيض لهما ان يتفاوضا على حسابه لن يترددا بذلك». لكنه ينبّه من ان «لبنان ليس قابلا ليكون جائزة ترضية لأحد او وسيلة لإرضاء أحد». ويضيف: «ازاء هذا الواقع، علينا كلبنانيين ان نحسن وضعنا ونوحد موقفنا ونؤكد اننا متمسكون باتفاقية الهدنة. وعندما ينتهي الجميع من الاتفاق مع اسرائيل قد نبدأ نحن مفاوضتنا معها».

وردا على سؤال عن تداعيات المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية مقابل بقاء لبنان خارج اي تفاوض، وتحديدا في قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة الى فلسطين، يقول زهرا: التفاوض المباشر او غير المباشر بين لبنان واسرائيل لن يحل قضية الفلسطينيين ويعيدهم الى ديارهم، وحده قيام دولة فلسطينية يحل هذه القضية. على اي حال تركيبة لبنان لا تسمح بدخوله المفاوضات مع اسرائيل في المرحلة الراهنة».

ولا يجد زهرا ان المفاوضات السورية الاسرائيلية ستؤدي الى حل يكرس السلام بين الدولتين. يقول: «سورية تحتاج الى دينامية المفاوضات وليس الى نتائجها. فهي تحاول فك عزلتها الدولية ليس اكثر.

وتسعى الى الانفتاح على الغرب والعرب. عندما يحصل السلام بين سورية واسرائيل، سيكون النظام السوري الحالي هو الضحية الأولى. ولن يرضى الشعب السوري بأقلية تحكمه تحت حجة الصمود والتصدي التي تكون قد زالت اسبابها. كذلك اسرائيل، فهي لا تسعى الى السلام، لأن حالة العداء مع محيطها تساهم بنهوض اقتصادها وترغم المكلف الاميركي على مواصلة دعمه لها». النائب في كتلة «التغيير والاصلاح» الدكتور سليم سلهب يرى ان للمفاوضات بين سورية واسرائيل احتمالات بأن تتضمن تسوية على حساب لبنان. ويقول: «عندما تعطي اسرائيل سورية الجولان، ستطلب الثمن. ونحن نخاف من تسوية على حسابنا لأننا الحلقة الاضعف. وفي حين نتسلى بخلافاتنا يعمل من حولنا وفق مصالحه. وبالتالي لن يسأل عنا أحد. من هنا يجب ان نواكب ما يحصل من مفاوضات ونعرف الى اين تذهب الامور. ولكن ليس بالضرورة ان ندخل في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل لأن لتداعيات هذه المفاوضات سلبيات عديدة».

والسبب كما يوضحه سلهب، يعود الى أمرين. «الاول هو ان اي مفاوضات لبنانية مع اسرائيل ستؤدي الى طرح مسألة المياه. والمشكلة تعود الى طمع اسرائيل بمياهنا وحاجتها اليها. ولطالما كانت تحاول سرقة ما تستطيع من المياه اللبنانية، كما حرصت على الحؤول دون استفادتنا منها. اما السبب الثاني فهو عدم اعتراف اسرائيل بحق عودة الفلسطينيين. وكلنا نعلم ان لبنان يرفض توطين الفلسطينيين». ولا يجد سلهب سوى تنفيذ المبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002، اضافة الى تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان، وذلك عوضا عن الدخول في متاهات المفاوضات.

اما النائب في كتلة «المستقبل» محمد قباني فيشير الى ان «الصراع مع اسرائيل مستمر انطلاقا من موقف قومي ووطني. والاهم ان اسرائيل لم تلغ اطماعها». ويضيف: «صحيح ان الحكومة السورية تذهب في اتجاه المفاوضات، الا اننا في لبنان نؤمن بوحدة الموقف العربي، فمشروع الحل العربي هو مشروعنا، وبالتالي نحن نرفض الحلول الجزئية».

نائب الجنوب في «حركة أمل» علي خريس يقول: «ليس ضروريا ان يبادر لبنان الى القيام بكل ما تقوم به سورية. وبالتالي لا داعي للمفاوضات المباشرة او غير المباشرة مع اسرائيل. من حيث المبدأ نحن ضد أي مفاوضات ولا حاجة لنا بها. يكفينا تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان، ومنها 425 و1701». ولا ينتظر خريس اي نتائج ايجابية من المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية. يقول: «إسرائيل عودتنا على تمييع الأمور. ولا ننسى ماذا فعلت مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. كما ان الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس يعاني من هذا الموضوع. اسرائيل لا تعطي أي شيء بالمفاوضات. وضمن الأجواء العربية القائمة على الشرذمة والضعف لن تعطي شيئا بالتأكيد.

عندما يكون العرب اقوياء وصامدين في موقف موّحد قد يرغمون اسرائيل على احترام حقوقهم. هناك لغة واحدة تفهمها اسرائيل هي لغة المقاومة. اسرائيل لن تقدم اي سلام إلى سورية في ظل المعطيات الحالية».