العاهل المغربي يفاجئ الوسط السياسي ويبقي الراضي وزيراً للعدل

الخارجية بشأن إقالة لخريف: أدى مهمته بتفان لكن المنصب لا يتلاءم واكتساب جنسية إسبانية

TT

ثبت العاهل المغربي الملك محمد السادس، عبد الواحد الراضي، وزير العدل الحالي في منصبه، وهنأه على انتخابه أمينا عاما لحزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (مشارك في الحكومة)، واضعاً بذلك حدا للأخبار التي تداولها الوسط السياسي بقوة في غضون الأسابيع الأخيرة في المغرب، التي كانت تتوقع بين الفينة والأخرى إدخال تعديل حكومي جزئي على حكومة عباس الفاسي، يتم بمقتضاه استبدال الراضي على رأس وزارة العدل، استجابة لرغبة عبر عنها قبل ترشحه لمسؤولية أمانة الاتحاد الاشتراكي، حتى يتفرغ لإعادة بناء الحزب الذي تراجع في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ما انعكس سلبا على مؤتمره العام الأخير الذي عقد على مرحلتين، حيث تعذر اتفاق المؤتمرين في الجولة الأولى على مجموعة من التدابير التنظيمية، بينها نمط الاقتراع لانتخاب قيادة الحزب وأجهزته المقررة.

واستقبل العاهل المغربي مساء أول من أمس بالقصر الملكي بمدينة إيفران، الراضي، الذي قدم للملك مشروع مخطط لإصلاح القضاء، كونه أحد الأوراش التي يوليها العاهل المغربي أهمية خاصة بل يبوئه مكانة الصدارة في الإصلاحات الهيكلية الكبرى، في أفق ترسيخ دولة الحق والقانون وسيادة الأمن القضائي وتحقيق التنمية.

ولوحظ أن خبر استقبال الراضي، ورد في بيان صادر عن الديوان الملكي، ما يفسر الكلمات الودية التي قالها العاهل المغربي في حق وزير العدل وثقته في جدارته بالمنصب الذي يتولاه وكذلك الثناء على حزبه، مثمنا الدور الذي ما فتئ يقوم به «الاتحاد الاشتراكي» من أجل الدفاع عن القضايا العادلة للوطن والمواطنين داخليا وخارجيا، على حد تعبير بلاغ الديوان الملكي.

ويأتي القرار الملكي بإبقاء الراضي في مهامه، مباشرة بعد إعفاء أحمد لخريف، كاتب الدولة (وزير الدولة) السابق لدى وزير الخارجية والتعاون، المحسوب على حزب الاستقلال، الذي يتولى في شخص أمينه العام رئاسة الجهاز التنفيذي، خاصة وقد برر الإعفاء على خلفية حصول الوزير المقال على جنسية إسبانية، باعتباره مولودا في مدينة «السمارة» التي كانت خاضعة قبل عام 1975 للاستعمار الإسباني، بينما رأت تقارير صحافية في إقالة لخريف، غضباً على هذا الأخير، جراء ارتكابه سلوكا سياسيا شخصيا، يتنافى مع وضعه الحكومي ومصالح البلاد، ما يعني أنه يتحمل وحده مسؤولية ما نسب إليه من أفعال. وهكذا بادرت وزارة الخارجية المغربية، حرصا منها على التقليل من أبعاد الإقالة، إلى نشر بلاغ أكدت فيه أن الوزير السابق «أدى مهمته بجدية وتفان وكفاءة وحس عال من المسؤولية»، موضحة أن «ممارسة منصب حكومي يندرج ضمن الوزارات السيادية كما هو الحال بالنسبة للخارجية، تبدو غير متلائمة مع اكتساب جنسية إسبانية».

ويفهم من البلاغ التوضيحي للخارجية المغربية أنه أراد وضع حادث الإعفاء في سياقه العادي والطبيعي، وبالتالي فهو دعوة ضمنية إلى عدم القيام بأية استنتاجات سياسية والمضي بعيداً في تحليلات، قد تذهب إلى القول على سبيل المثال إن «الإعفاء» يحمل في طياته معاني عدم الرضى على حزب الاستقلال وعلى أداء الحكومة الحالية، وتحديداً وزراء يشرفون على قطاعات لم يبرهنوا عن مهارات وكفاءة في تدبيرها.

وفي هذا السياق ذكرت جريدة «الأحداث المغربية» سبعة أسباب تستدعي من وجهة نظرها، إجراء تعديل حكومي موسع، بينها ضعف مؤسسة الوزير الأول، وقصور أداء بعض الوزراء في مجالات إستراتيجية، وعجز الحكومة في تدبير مشاكل الاحتقان الاجتماعي، والأكثر من هذا بروز الحاجة إلى خلق أجواء تعبئة لرفع درجة المشاركة في الانتخابات البلدية المقبلة، مخافة تكرار النسبة المتدنية التي ميزت الاستحقاقات التشريعية الأخيرة يوم 7 سبتمبر (أيلول) 2007 والتي انبثقت عنها الحكومة الائتلافية الحالية. والهاجس الأخير يقلق الأحزاب والنظام على حد سواء.

ويوجد سبب آخر، يبرر التعديل، حسب اجتهاد ذات الجريدة، يتمثل في وضعية حزب الاتحاد الاشتراكي، داخل الحكومة الحالية، من خلال الحقائب المتواضعة التي أسندت إليه باستثناء العدل، إذ يرى الحزب على لسان أمينه العام عبد الواحد الراضي أن تمثيل تنظيمه السياسي في الحكومة لا يتناسب مع حجمه في الواقع الاجتماعي، ولذلك فإن الراضي، وضع ضمن أسبقياته وهو أمين عام، إعادة التفاوض مع حزب الاستقلال، شريكه الأساس في الحكومة وتحالف الكتلة الديمقراطية، في أفق إنصاف الاتحاد الاشتراكي.

ويتعرض الراضي، الذي فاز بفارق بسيط في الأصوات عن منافسه الأول في الترتيب، زميله في المكتب السياسي، الوزير السابق للمالية فتح الله ولعلو، إلى ضغوط من غالبية منتسبي الحزب، يدعون إلى تجديد هوية حزبهم الإيديولوجية وتموقعه ضمن عائلة اليسار العريضة، ما يعني أنه في حال فشل الراضي في إقناع حلفائه بالشروط الجديدة، فإن الحزب ربما يجد نفسه مضطرا للتلويح بالعودة إلى المعارضة.

لكن يبدو أن الاحتمال الأخير بات مستبعدا، بعد الاستقبال الملكي للراضي والإشادة بحزبه، ما يحمل على الاعتقاد أن الحسم في التعديل الحكومي أو عدمه، موكول إلى العاهل المغربي. وفي هذا الصدد يصح القول إن إعفاء الوزير لخريف أول من أمس، مؤشر على أن الملك محمد السادس، قد يلجأ إلى عدة أدوات يتيحها له الدستور، لتفعيل الجهاز التنفيذي، بينها التعديل الواسع أو المحدود، بدل المحافظة على كامل الحكومة الحالية بدعوى استقرار الفريق الحكومي، وهو إجراء دستوري باتت الظرفية الدولية تفرضه.

وبرأي متتبعين، فإن القول الفصل في الموضوع، مؤجل، إلى ما بعد المؤتمر العام المقبل لحزب الاستقلال متزعم الائتلاف الحكومي، المقرر انعقاده من 11 إلى 13 من الشهر المقبل، حيث يتوقع تجديد انتخاب الأمين العام الحالي لولاية ثالثة، بعد إدخال تغيير على قانون الحزب الذي يحصر ولاية الأمين العام في فترتين.

ومن باب تحصيل الحاصل ألا يضطر عباس الفاسي، إلى بذل جهود كبرى لنيل ثقة المؤتمرين واستئناف نشاطه في مكتبه القريب من ساحة «باب الحد» حيث المقر الرئيس للحزب، لكن عليه أن يسابق الزمن ويضاعف من السرعة لكي يظل في المكتب الوثير برئاسة الحكومة جوار القصر الملكي، وهي الحظوة التي طالما تمناها، فحققتها له الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولو بنسبة مشاركة ضعيفة.