سكان سومطرة يتذكرون.. بعد 4 سنوات على كارثة تسونامي

بعض السكان بدأوا حياة جديدة وغيرهم يتأملون أطلال بيوتهم بانتظار وعود الحكومة

TT

باندا آتشيه (إندونيسيا) ـ د ب أ: بدأت الأعشاب تزحف فوق المقبرة الجماعية في باندا آتشيه بجزيرة سومطرة الاندونيسية التي تضم رفات نحو 14262 من ضحايا كارثة تسونامي التي ضربت المنطقة في ديسمبر (كانون الأول) 2004. يقف شابان بلا حراك لدقائق طويلة أمام المقبرة وكأنهما يفكران في الأموات المدفونين في هذه المقبرة، ولكن الأحياء أيضا الذين نجوا من هذه الكارثة الطبيعية لاتزال ذكرى الكارثة حية في أذهانهم كما لو كانت حدثت بالأمس.

يقول جواندا ،32 عاما، ويعيش في بلدة كالانج الساحلية التي تقع على بعد ساعتين بالسيارة جنوب العاصمة الإقليمية باندا آتشيه: «كنت متأكدا وقتها أن هذه هي نهاية العالم». ويعيش في كالانج حاليا 600 عائلة حيث أن 80 بالمائة من سكان البلدة لقوا حتفهم خلال كارثة تسونامي قبل أربعة أعوام. ويضيف جواندا الذي نجا بحياته مع عدة مئات الاشخاص بعد أن احتموا بتل خلف البلدة: «لم نتلق أي مساعدات لمدة أسبوعين كاملين واعتقدنا أن هذه هي نهاية الحضارة وأن العالم كله مدمر». أما فوزان أزيمسيا ،25 عاما، فقد كان يعيش في باندا آتشيه عندما وقعت الكارثة ويتذكر تفاصيل الساعات الرهيبة قائلا: «وقفنا هناك بالاعلى»، ويشير إلى الطابق الثاني في إحدى الفيلات، ويضيف: «كنت وقتها طالبا واستأجرت حجرة بالقرب من هنا». وفر فوزان من المنزل الذي يسكن فيه عندما بدأت الهزة الارضية في ساعات مبكرة من الصباح ليرى ما الذي يحدث في الجوار ولكنه لم يسمع سوى صرخات تقول: «المياه قادمة..اهربوا».

صعد فوزان سلالم الفيلا بسرعة وقال: «عندها رأيت امرأة في المياه ومعها طفل على ذراعها». وحاول فوزان دفع المرأة لتتمكن من الصعود على درجات السلم. وأضاف: «عندما توقفت المياه رأيت أمامي بشكل مفاجئ رؤوس ست سيدات مسنات كن يحاولن البحث عن الهواء». ونجح فوزان في انقاذ هؤلاء النساء قبل أن يخرج للبحث عن شقيقته ولكنه فوجئ بالموجة الثانية التي دفعته للسباحة حتى وصل إلى أحد الاسوار التي تشبث بها ليشاهد المياه وهي تدخل من ناحية لتخرج من الناحية الاخرى.

استمر هذا الامر لساعات طويلة، ظل فوزان بعدها هائما على وجهه في الشوارع لمدة يومين ولكنه لم يعثر حتى يومنا هذا على أثر لشقيقته أو طفليها. وأودت هذه الكارثة الطبيعية المروعة بحياة نحو ربع مليون شخص في منطقة المحيط الهندي وكان إقليم آتشيه من أشد المناطق المتضررة من الكارثة التي كانت محصلتها وفقا لتقرير هيئة اعادة الاعمار: 170 ألف قتيل و 550 ألف مشرد بالاضافة إلى تدمير شوارع بطول 300 كيلومتر و2000 مدرسة و2000 جسر و2000 من السفن والقوارب و700 مستشفى.

وتوجد في باندا آتشيه بعض الاشياء التي تشبه النصب التذكارية لضحايا الكارثة وهي عبارة عن حطام سفينة عملاقة في قلب إحدى الضواحي التي تبعد عدة كيلومترات عن الشاطئ. وألقت الامواج العارمة بهذه السفينة على الشاطئ حيث اصطدمت بعد ذلك بالعديد من المنازل. وتسببت الصور المفزعة التي انتشرت أثناء فترة احتفالات أعياد الميلاد آنذاك في موجة غير مسبوقة من أنشطة منظمات الاغاثة حيث جمعت المنظمات التابعة للهلال أو الصليب الاحمر نحو مليار دولار على مستوى العالم كتبرعات. واستخدمت هذه النقود في بناء 1491 منزلا و 32 مدرسة وسبعة مستشفيات بالاضافة إلى تدريب المعلمين وانشاء المدارس المهنية وتدريب الاطفال والبالغين على سبل حماية النفس بشكل أفضل حيث أن الكارثة المقبلة في اقليم آتشيه المهدد بالزلازل قادمة لا محالة.

يصرخ حارس مدرسة ابتدائية في باندا آتشيه قائلا: «زلزال». فترك التلاميذ والمعلمون كل شيء ونزلوا تحت المقاعد وبدأت المعلمة في تلاوة آيات القرآن والتلاميذ كانوا يرددون وراءها من تحت المقاعد. بعد انتهاء التدريب قالت المعلمة: «فعلنا ذلك حتى لا تعم الفوضى والذعر».

وتوجد إحدى المدارس التي شيدها الصليب الاحمر الالماني على جزيرة بولاو ويه التي تقع على بعد ساعة واحدة بالقارب من مدينة باندا آتشيه. وهي المدرسة الثانوية الوحيدة في الجزيرة ويدرس بها ما يزيد عن 500 تلميذ ويعمل فيها 53 معلما. وكانت موجة المد العاتي قد دمرت المبنى القديم للمدرسة وأودت بحياة مدير المدرسة. أما اليوم فإن أسقف المدرسة الحمراء تسطع في ضوء الشمس في حين يقف 25 تلميذا ويغنون النشيد الوطني الالماني تقديرا لزوار المدرسة من عناصر الصليب الاحمر الألماني. وتقول التلميذة بوتري أجوستينا ،17 عاما: «كل شيء هنا جديد ونظيف». أما المعالجة النفسية للمدرسة وتدعى ايفا نورسانتي فتقول: «في البداية كان يأتي لي الكثير من التلاميذ وهم يعانون من مشكلات بسبب تسونامي أما اليوم فأغلب المشكلات هي مشكلات بين التلاميذ».

وتم تصنيع المقاعد والمناضد والكراسي المستخدمة في المدرسة في أحد مصانع الاخشاب في باندا آتشيه بتكليف من الصليب الأحمر الألماني. ويعمل في المصنع الآن 25 نجارا صنعوا مستلزمات فصل دراسي كامل يتسع لـ 30 تلميذا مقابل نحو 300 يورو فقط. وكان الصليب الأحمر يشتري في بداية الأمر انتاج الورشة بالكامل ولكن بعد فترة تولى النجارون إدارة الورشة بأنفسهم.

ولكن ليس كل فرد من سكان القرى المدمرة نجح في بدء حياة جديدة، فهناك بعض الاشخاص يجلسون بين أطلال المباني المدمرة حيث أنهم رفضوا تسليم أراضيهم المطلة على الساحل وهم ينتظرون الوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها. وتقف سبريدا نور حياني البالغة من العمر 50 عاما، أمام أرضها وبعض الدجاجات الهزيلة تتجول حولها. وفقدت حياني في كارثة تسونامي اثنين من أطفالها وشقيقها وستة من أحفادها. تقول: «تنتابني الكوابيس بسبب الكارثة كلما أغلقت عيني». وتنام حياني مع شقيقتها فوق سرير بدائي مصنوع من الخشب في حين تجد الدجاجات مأوى مناسبا في سقيفة ذات سقف من الصفيح. أما زوج حياني، عثمان، فهو صياد و«يضيع النقود القليلة التي يكسبها على التدخين»، كما تقول زوجته.