بيريس: المنطقة نضجت للتوجه نحو السلام

الرئيس الإسرائيلي لـ «الشرق الأوسط»: لولا حماس لكانت المفاوضات قد انتهت بإقامة الدولة الفلسطينية

شيمعون بيريس (رويترز)
TT

يعتقد الرئيس الاسرائيلي شيمعون بيريس في حوار مطول أجرته معه «الشرق الأوسط» أن الوضع في الشرق الأوسط سيرى بشكل مختلف خلال ثلاث سنوات، حيث ان الأمور نضجت للتوجه نحو السلام. وكنا قد التقيناه في مقر رؤساء اسرائيل في القدس الغربية، في يوم حافل بالنشاطات. في الخارج يتحدثون عن احتمال التدهور نحو الحرب في قطاع غزة. السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الاسرائيلي يطلعه على بعض الأسرار، عندما كان رئيس الحكومة ايهود أولمرت يتحدث عن ضرورة استئناف المفاوضات المباشرة بين اسرائيل وسورية. وعندما أنهينا المقابلة كان في انتظاره ثلاثة جنرالات من قيادة الجيش الاسرائيلي ودخلوا وهم يحملون رزمة ملفات. وهو كعادته، كان قد بدأ نهاره في الخامسة صباحا، حيث يبدأ بقراءة تلخيص لما نشر في صحف ذلك اليوم، أعده له مستشاره الاعلامي، ويحتوي على أهم المقالات في شؤون العلوم والسياسة. ثم يمارس رياضته البدنية اليومية لمدة عشرين دقيقة ثم يتناول افطاره التقليدي، سلطة عربية وبعض اللبن. وفي الثامنة يدخل مكتبه ويبدأ لقاءاته التي تستمر حتى العاشرة ليلا. مساعدوه يضجون من نشاطه المتعب، مع ان فارق العمر بينه وبين أكبرهم يزيد عن ثلاثين سنة. فقد دخل الى سن السادسة والثمانين.

استقبلنا في ديوانه وهو في أوج حماسه، معلنا «الحرب على الحرب»، قائلا انه يحمل رسالة سلام الى العالم العربي كله.

> العالم يعيش أزمة اقتصادية هي الأشد ضراوة في التاريخ البشري، ولذلك تراه يوفر من مصاريفه لدرجة التقتير، ومع ذلك فإننا في منطقة نعيش أجواء تدهور نحو حرب قد تكلف أموالا باهظة عوضا عن الخسائر البشرية الفادحة. فما الذي يجري؟ هل هو الجنون؟

ـ أنظر. لقد أجريت عدة لقاءات في الآونة الأخيرة مع رجال دين مسلمين ومسيحيين ويهود. وإذا كان المطلب ذات مرة بالفصل ما بين الدين والدولة، فإن القناعة السائدة اليوم هي في الفصل ما بين الدين وبين المتطرفين. المشكلة هي ان غالبية المتدينين يعارضون الحرب، ولكن المتطرفين يعيشون على الحرب. في السياسة يوجد مجال للتنازل والوصول الى حل وسط. ولكن في الدين هذا غير ممكن، خصوصا لدى المتطرفين. أنظر ما الذي يحدث لايران، فهي بلد النفط، ولكنها تعاني من أزمة اقتصادية شديدة. أنظر الى «حماس»، انها تعيق قيام الدولة الفلسطينية. فلولا حماس لكانت مفاوضات السلام بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن (محمود عباس) قد انتهت بإقامة الدولة الفلسطينية منذ فترة. من هنا فإن القضية هي أن نعرف كيف نفرق ما بين التطرف باسم القدسية وبين السلام باسم الله سبحانه وتعالى. الله لا يحب الحرب.

> ولكن سؤالي كان في اتجاه آخر..

ـ لحظة.. لقد قرأت مؤخرا عن تفاصيل نقاش بين رجال دين حول جوهر الرسالات السماوية، هل كانت مجرد إملاء من الله على الرسل رددوها كالببغاوات لا سمح الله أم انهم ـ أي الرسل ـ كانوا كالنحل يستنشقون رحيق الأزهار من كل بستان زهرة وينتجون العسل. هذا يصلح لكل الأديان، أن يكون الدين ببغائيا أو نحليا وعسليا، إن صح التعبير. وأنا لا أرى أبدا أن هناك حربا ما بين الأديان، بل هناك حرب لكل الأديان مع المتطرفين لدى كل منها. انها ليست حربا بين الشعوب، بل انها حرب الشعوب مع أولئك الذين باسم الدين يريدون تدمير حياتها وتطورها. > سؤالي كان مختلفا. دعني أطرحه بشكل آخر. صحيح ان عالمنا يعاني من الارهاب. ولكن الارهاب نابع من واقع معاشي معين، واقع اليأس والفقر والظلم. فأين دور أولئك الذين يملكون الاقتصاد المزهر. أين دور أولئك الحريصين على انقاذ العالم من أزمته الاقتصادية. لماذا لا يسعون الى استبعاد الحرب بدلا من التدهور والانجرار نحوها؟ خذ العراق مثلا؟

ـ بالنسبة للعراق، ليس عندي شك في أن إسقاط نظام صدام حسين كان ضرورة ملحة للبشرية وكذلك لشعبه العراقي نفسه. فهذا الرجل كان أكبر مجرم في العالم. لقد جر بلاده الى حرب مع ايران سقط فيها حوالي 700 ألف شخص عراقي. وقاد بلاده الى غزو دولة عربية أخرى هي الكويت. وقتل مئات ألوف الأكراد بدم بارد. ولكن، بعد التخلص من صدام حسين، كان يجب الانتقال الى ترميم الاقتصاد العراقي. لقد صرف الأميركيون على حرب العراق تريليون دولار. فلو استثمروا نصف هذا المبلغ لترميم الاقتصاد العراقي لكان كل شيء مختلفا.

> هل قلت هذا للأميركيين؟

ـ قلت للرئيس المنتخب أوباما ان هناك ضرورة أن يقول للعرب تعالوا وانضموا الى العالم الجديد. المطلوب ليس نقل العرب الى الديمقراطية.

> أنت الديمقراطي تقول هذا؟

ـ أجل، فالديمقراطية لا تفرض فرضا. وليس باي ثمن. فالديمقراطية قد تسفر عن انتخاب غير ديمقراطيين أيضا، كما لاحظنا لدى «حماس». علينا بناء أنظمة حياة لبلادنا تستند الى الاقتصاد الحيوي العصري المتين، ففي عصرنا لم يعد حتى النفط أهم مركبات الحياة واليوم تتدهور أسعار النفط والعالم يفتش عن مصادر أخرى للطاقة. ولو كنت أنا عربيا، مثلا، لكنت أبحث عن ركائز أخرى للاقتصاد وليس النفط .

> لعلك لا تعرف ما يدور فعلا في البلدان العربية في عصرنا. وقد يكون مجديا أن تعرف انه في جميع الدول العربية النفطية تقريبا يجري نقاش منذ سنين طويلة حول مستقبل النفط وهذه الدول تفتش عن مصادر أخرى لبناء اقتصادها مثل الصناعة الانتاجية والسياحة وغيرها؟ ـ لا بأس، أنا لا أريد الدخول في نقاش حول هذا. مثلا توجد مشكلة جدية في الأيدي العاملة فهي بغالبيتها أجنبية. وهذا غير سليم. ولكن دعنا من هذا. القضية هي ان كل مجتمع يريد التحرر من المشاكل والأزمات عليه أن ينتقل الى الحداثة. فليس التمسك بالأمور التقليدية هو الذي يجلب الرفاه. > ماذا تقصد بالأمور التقليدية؟

ـ خذ الزراعة مثلا، هي نوع من الاقتصاد التقليدي. لقد كانت ذات مرة عنصرا أساسيا في الاقتصاد ولكنها اليوم تشكل 1- 2% من الاقتصاد. بالمقابل العلوم هي مصدر دخل أساسي للازدهار. خذ اسرائيل مثلا. فأنت تعرف ان 80% من الاقتصاد الاسرائيلي مبني على العلوم. والعلم هو العدو الأول للارهاب. > أعجبني المثال الذي قدمته عن أخطاء الأميركيين في العراق. أنت قلت انهم لو صرفوا نصف ميزانية الحرب على ترميم الاقتصاد العراقي لكانت الدنيا مختلفة هناك؟ ألا ترى أن هذا ينطبق أيضا على اسرائيل. وانها لو صرفت نصف ميزانيتها الحربية على ترميم الاقتصاد الفلسطيني لكانت منطقتنا ترى اليوم بشكل آخر؟

ـ اسرائيل عملت كثيرا في المجال الاقتصادي للفلسطينيين. أنا شخصيا ساهمت في ذلك. وليس صدفة اننا ساهمنا في مؤتمر الدار البيضاء في 1995. والفلسطينيون واعون اليوم لأهمية الاقتصاد. وقد عقدوا مؤتمرا ناجحا في بيت لحم وآخر في نابلس..

> هذا تم في السنة الأخيرة فقط؟

ـ هذا بدأ من قبل. لكن حماس تهدم كل شيء.

> في مرحلة البدايات، اسرائيل ساهمت بنفسها في تقوية حماس حتى تضرب منظمة التحرير الفلسطينية؟

ـ أنا توصلت يومها (سنة 1987) الى اتفاق مع الملك حسين في لندن، واسحاق شامير أفشل الاتفاق. فلم يكن هناك مفر من الحوار مع منظمة التحرير.

> في ذلك الوقت بدأتم مع منظمة التحرير؟ أليس قبيل اتفاقات أوسلو؟

ـ بلى. لقد بدأنا الاتصالات مع منظمة التحرير عندما كان ذلك مخالفا للقانون الاسرائيلي. طالبناهم بأن يوافقوا على قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 فوافقوا.

> وأنت خالفت القانون واتصلت بمنظمة التحرير؟

ـ لا. أنا لم أخالف القانون. حاولنا اجراء اتصالات مع العديد من الأطراف وأبلغتهم أنني مستعد للحوار مع من يثبت لي أن كلمته كلمة صادقة. > منظمة التحرير وافقت على قراري مجلس الأمن في سنة 1988؟

ـ ربما. لا أذكر التاريخ بالضبط. ولكن عندما وافقت منظمة التحرير على القرارين بدأنا في البحث عن وسيلة للاتصال معها. وجاء مؤتمر مدريد لتبدأ المفاوضات شبه المباشرة، التي فتحت الطريق فيما بعد أمام مفاوضات سرية مباشرة معها ووصلنا الى اتفاقات أوسلو. > هل صحيح انك اجتمعت لأول مرة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قبل الاجتماع المعلن في اتفاقات أوسلو بسنوات طويلة؟

ـ كاد أن يحصل اجتماع كهذا ولكنه لم يتم. > كيف ومتى؟

ـ كان ذلك في سنة 1976 على ما أذكر. قمت بزيارة الى السنيغال، التي لم تكن تقيم معنا علاقات دبلوماسية ولكن رئيسها سنغور كان صديقي ودعاني الى مؤتمر الاشتراكية الدولية. وسنغور كان شاعرا وأديبا واتفقت أفكارنا في الكثير من شؤون الحياة، وقد أكرمني باستقبالي بشكل شخصي في المطار، بل صعد الى الطائرة بنفسه وأصيب بالاحراج لأنني لم أكن في مقصورة الشخصيات الهامة، وجلست في مقعد عادي. وأخذني بسيارته الى قصر الرئاسة. وعلى الطريق، أوقف السيارة جانبا وقال لي وهو يشير الى فيللا على رأس التل القريب: «هنا يقيم ياسر عرفات. فما رأيك أن نذهب اليه معا الآن؟». > ولماذا لم توافق؟

ـ في حينه أقاموا في البلاد ضجة كبيرة لأنني سافرت للمشاركة في المؤتمر لأن ياسر عرفات كان موجودا فيه. فحسبتها ووجدت ان لقاء كهذا سوف يحرقني تماما. ليس هذا فحسب، بل انني في اليوم الذي عدت فيه الى البلاد وقعت عملية نهاريا التي نفذها سمير قنطار وقتل فيها أبناء عائلة هران. تصور لو انني وافقت والتقيت عرفات يومها.

> دعنا نعود الى الحاضر. هل نحن على أعتاب حرب جديدة في المنطقة؟

ـ نحن تركنا قطاع غزة وأزلنا جميع المستوطنات فيها وكلفنا ذلك تجنيد 45 ألف جندي و2.5 مليار دولار. لا يوجد اليوم في قطاع غزة أي اسرائيلي ولا توجد أية مستوطنة، فما المنطق في اطلاق الصواريخ على بلداتنا؟

> لنترك قضية الحصار على القطاع ولنفترض ان «حماس» تريد جر اسرائيل الى حرب، فها هي تنجح؟

ـ المشكلة ان حماس تريد أن تفعل الأمر نفسه في الضفة الغربية. فتصور ان ننسحب من هناك وتنفذ حماس انقلابا آخر. هذا ما يخيف الاسرائيليين اليوم، ولذلك أقول ان حماس هي التي تمنع اقامة دولة فلسطينية اليوم. أنا أتكلم مع العديد من الزعماء بمن فيهم عرب وأرى انهم يرون الخطر من حماس كما أراه أنا بالضبط . > وماذا عن المتطرفين اليهود؟

ـ أنا ضد كل المتطرفين من كل الشعوب. ويوجد متطرفون يهود أيضا. > ومع ذلك، هل سنتدهور الى حرب في الشرق الأوسط؟

ـ لا. لن تقع حرب. لا حاجة بنا الى حرب.

> إذا ما الذي سيحدث؟

ـ اسرائيل ستتخذ كل الاجراءات اللازمة لوقف الصواريخ. لن ندخل الى غزة. هناك وسائل أخرى، لا تتوقع بالتأكيد أن أقولها. نحن لم نترك غزة لكي نعود اليها. وأنا أتحدث كمن كان له دور في هذا الانسحاب. فقد أقنعت أريك (رئيس الحكومة السابق، أرييل شارون) بالانسحاب من غزة واقامة دولة فلسطينية. ودعني أقول لك شيئا شخصيا. أنا دفعت ثمنا باهظا بشكل شخصي لقاء مواقفي السلمية هذه طيلة عمري. بعد اغتيال اسحاق رابين (سنة 1995) أردت تنفيذ اتفاق أوسلو «ب»، وأخليت 430 بلدة فلسطينية. ولكن الرد الفلسطيني على ذلك كان بدوامة من عمليات الارهاب الهستيرية. في أحد الأيام كنت متوجها الى العمل فأخبرني حراسي بأن عملية تفجير ارهابية وقعت على مقربة من المكان في ساحة صهيون القدس، فتوجهت الى المكان مباشرة، وكانت الأرض غارقة بالدماء وأشلاء الجثث متناثرة في كل اتجاه حيث قتل 42 مواطنا، فواجهني الجمهور هناك بالصراخ: «يا خائن. يا قاتل». في اليوم التالي وقعت عملية مشابهة في تل أبيب وسمعت نفس الصراخ وبعد يوم آخر عملية أخرى في القدس ثم عملية رابعة في اشكلون. على العرب أن يدركوا ما الذي يدور هنا ويشعروا معنا مثلما يطلبون بأن نشعر معهم. عمليات حماس تبعد الجمهور عن تأييد السلام. بهذه الطريقة خسرنا الانتخابات وانتصر نتنياهو، مع انني في بداية المعركة كنت متفوقا عليه في استطلاعات الرأي بنسبة 20%.

> وفي الشارع الفلسطيني والعربي يشعرون أيضا بأن اسرائيل ليست معنية بالسلام. فكيف نحل هذه المعضلة؟

ـ خلال السنوات الستين الماضية وقعت حروب عديدة، ولكننا في السنوات الأخيرة نتجه نحو السلام. لقد وقعنا اتفاقي سلام مع مصر والأردن وانسحبنا من أراضيهما حتى آخر شبر. وانسحبنا من لبنان وعمليا يمكن القول انه لا يوجد بيننا وبين لبنان صراع. وها نحن نحاول اجراء مفاوضات مع سورية. وبدأنا مفاوضات سلام متقدمة جدا مع الفلسطينيين والخلاف بيننا ينحصر في 1-2% من مساحة الضفة الغربية. المشكلة لدى الفلسطينيين اليوم هي في حماس التي لا تريد أن يتوصل الطرفان الى سلام.

> لكن اسرائيل تتجه اليوم الى انتخابات قد تسفر، حسب استطلاعات الرأي عن تسلم الليكود وهو حزب يمين متطرف للسلطة. وهذا يهدد بنسف كل شيء؟

ـ اتركك من يمين ويسار. اسرائيل دولة قانون. كل حكومة تحترم الاتفاقيات الموقعة. واليمين في اسرائيل كان ينشد ذات مرة «للأردن ضفتان، هذه لنا وتلك أيضا»، لكنه يتحدث اليوم عن دولتين. والجمهور في اسرائيل يريد السلام، إذا اقتنع بأن الطرف الآخر يريد ذلك. لقد وقعت بين اسرائيل والعرب سبعة حروب وهذا يكفي. إلى متى نحارب؟ > العالم العربي برهن من جهته على رغبته في السلام وعرض خطة سلام عربية مفصلة. لكن اسرائيل لا تتجاوب معها بشكل مقنع. بل الرد الاسرائيلي أنشأ جوا من خيبة الأمل العربية.

ـ أنا اقترحت أن تقبل اسرائيل مبادرة السلام العربية.

> أن تقبلها بكل ما في الكلمة من معنى؟

ـ أجل.

> ولماذا لم تقبل؟

ـ لا نستطيع القول انها لم تقبل. ولكن ما يجري الآن هو محاولة لتحريكها في الاتجاه الصحيح.

> أنت خرجت بمبادرة للتعاطي مع هذه المبادرة بشكل جديد، وسافرت الى مصر لهذه الغاية فعما أسفرت جهودك؟

ـ في العالم العربي يريدون أن نقبل المبادرة من دون مفاوضات. ولكن كيف يمكن ذلك. فعندما نقول اننا نريد سلاما آمنا للطرفين، ألا نحتاج للتفاوض حول شروط هذا الأمن؟ وعندما نقول ان حل قضية اللاجئين يجب أن يتم بالاتفاق، ألا نحتاج الى مفاوضات لنتوصل الى اتفاق؟ ان اتفاق السلام ليس مجرد حبر على ورق، هناك حاجة الى مفاوضات شاملة.

> وهل وصلنا مرة أخرى الى الباب الموصود؟

ـ لا بالطبع. نحن والعرب قطعنا شوطا طويلا في الحوار وفي الخطوات العملية على طريق السلام. نقول لأنفسنا في اسرائيل أين العرب اليوم من مؤتمر الخرطوم الذي اتسم بلاءاته، ونقول للعرب: أين نحن اليوم في اسرائيل من مواقف الماضي. ما بقي علينا هو أن نكمل المسيرة لننهي كل الصراعات، وأنا أقول ان المبادرة العربية هي نتاج رؤية جديدة في العالم العربي لرؤية مصالح العرب الوطنية، وهي تصلح أساسا متينا لاستكمال عملية السلام. أنا أثق بالرئيس مبارك عندما يقول انه لا يريد أن يودي بحياة عشرات ألوف المصريين في حرب جديدة وأثق بالملك عبد الله عندما يقول انه لا يريد لأي سعودي أو فلسطيني أو عربي أن يموت في حرب. فهذه رؤية حكيمة وانسانية للمصلحة.

> قل لي ما هو الشكل الذي تراه مناسبا للمفاوضات حول المبادرة العربية. أن تشكل الجامعة العربية وفدا يفاوض اسرائيل؟

ـ ترسل من تريد. في حينه اختاروا الأردن ومصر لتمثلهم، فلا بأس. المهم مفاوضات مباشرة حول القضايا العامة للسلام بين اسرائيل والعالم العربي، وفي الوقت نفسه نواصل المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين حول قضايا المسار الفلسطيني. فالعرب هم الذين يقولون لنا: انهوا المفاوضات مع الفلسطينيين وتوصلوا الى اتفاق معهم، فعندما تنتهون من ذلك نقيم السلام الشامل. > ما الذي يجب أن يحدث حتى تنطلق هذه المبادرة الى الأمام؟

ـ أن توافق جميع الأطراف على ذلك.

> وهل اسرائيل توافق على ذلك؟

ـ ألم تسمع وزير الدفاع ايهود باراك اليوم وهو يؤكد موافقته؟

> وزير الدفاع اليوم لا يوجد ما يضمن بقاءه في الحكومة القادمة. وكما تشير الاستطلاعات، فإن رئيس الحكومة القادم سيكون بنيامين نتنياهو من الليكود. فهل يوافق الليكود على طرحك هذا؟

ـ الليكود يوافق على مبدأ دولتين للشعبين. > نحن نتحدث عن مبادرة السلام العربية. هناك شعور ان الليكود سيهدم كل ما تبقى من مسيرة السلام؟

ـ هكذا قيل أيضا في الماضي. ولكن مناحيم بيغن (رئيس أول حكومة لليكود) هو الذي أبرم السلام مع مصر. أنا أومن بأن هناك ما هو أقوى من الأحزاب، ألا وهو الواقع. فالواقع يقول: إلى متى سنظل نحارب. كفانا ما حاربناه. هل نريد أن نواصل سفك دماء أولادنا؟ > هل لديك تصور ما هو موقف الرئيس الأميركي المنتخب، براك أوباما، من هذا الطرح؟

ـ أعتقد ان أوباما يؤيد هذا الطرح. فالأمور قد نضجت في هذا الاتجاه.

> هل عرضت أفكارك بخصوص المبادرة العربية للسلام على أوباما؟

ـ أجل وبالتفصيل.

> وهل بإمكانك القول انه سيتبناها أو يؤيدها؟

ـ أستطيع القول انني خرجت من لقائه بانطباع أنه يؤيدها.

> قل لنا كيف تحدثت اليه وكيف كان رد فعله؟

ـ قلت له انني أتحدث اليك كشاب الى شاب، شبابك في جيلك وشبابي في أفكاري. لا تقبل أية نصيحة تقول لك أن تؤجل البت في هذا الصراع. نحن في نقطة بداية ليست سيئة، حيث اننا نتفق على مبدأ الدولتين وعلى مبدأ تحرير الشرق الأوسط من نير الحروب والصراعات وإحداث الانعطاف نحو الازدهار. قلت له ان أفكار الحرب قد ولت. > وماذا كان رد فعله؟

ـ لا أستطيع التكلم باسمه ولكن انطباعي بأنه يتقبل الأفكار.

> وهل تتكلم حول ذلك مع أحد في العالم العربي؟

ـ بالتأكيد، أتكلم مع كثيرين.

> بصفتك سياسيا مخضرما صاحب تجربة واسعة، كيف ترى الشرق الأوسط بعد ثلاث سنوات؟

ـ أراه في وضع أفضل، وقد ترسخت القناعة بضرورة التخلص من الحروب والسعي للسلام والبحث عن وسائل التعاون المشترك.

> ومن أين لك هذا التفاؤل؟

ـ من الناس وتشبثها بالحياة. من الشباب. أنا أثق بالجيل الشاب الصاعد. دعني أقدم لك مثلا تعرفه أنت عن قرب من المواطنين العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48). قبل سنوات كان عدد العرب في الجامعات الاسرائيلية يعدون على الأصابع، أما اليوم فهم يعدون بعشرات الألوف والأطباء العرب في اسرائيل يملأون المستشفيات. اليهودي المريض يدخل المستشفى ويسلم جسده للطبيب العربي، فيفتح بطنه ويشق صدره ويشفيه من المرض، هذا ليس بالشيء القليل.

> ولكن عندما يصل هذا الطبيب العربي الى المطار يفتشونه كما لو انه مشبوه بالارهاب.

ـ هذا صحيح، ولكن الأمور تتغير. اسمح لي أن أشير الى عالم عربي في اسرائيل أعتز به اعتزازا حقيقيا وأقدمه مثلا عما يجري في منطقتنا، هو البروفسور وسام حايك، من الناصرة. هل تعرفه؟ لقد اخترع «أنفا يشم رائحة السرطان». اختراعه عبارة عن جهاز إلكتروني يفحص الجسد فيكتشف السرطان قبل تفشيه. هذا اختراع عالمي خطير. توصل اليه هذا الشاب في معهد علمي في حيفا. على ماذا يدل هذا؟ يدل على انتصار العلم. > هذا لا يمنع حقيقة ان العرب في اسرائيل يعانون التمييز؟

ـ واضح. ولكن.. أتدري؟ ان الله لم يخلق الناس في أوضاع متساوية. ولكن ما يجب فعله هو اعطاء فرص متساوية. والأهم من ذلك اننا نعيش في عصر العلم. فعلى ماذا تجري الحروب؟ على الأرض؟ ماذا تفيد الأرض؟ الزراعة؟ ها هو يجلس الى جانبي سكرتيري العسكري، انه عميد عربي في الجيش الاسرائيلي (العميد حسون حسون)، مطلع على كل أسرار الدولة. أنا أقول ان اهتمام كل أب وكل أم في منطقتنا يجب أن ينصب في عصرنا على النجاح في العلم والتقدم. لا أحد يريد أن يتدخل في ديانة الآخر ولا عقائده. علينا أن نتعلم ما يجري في أوروبا. نحن نتصارع على الحدود ولكن العلم لا يعرف حدودا. عندما يمر رجل علم من بلد الى آخر لا يدفع جمركا على أفكاره. وأفكاره هذه هي رأسماله.