«سي آي ايه» تستأثر بقلوب مشايخ أفغانستان بالحبة الزرقاء

معلومات سرية عن تحركات طالبان مقابل «الفياغرا»

TT

شيخ قبيلة أفغاني عمره يزيد عن الستين عاما، وتعلو قسمات وجهه الملتحي الكثير من التجاعيد الدالة على كثرة الأعباء والواجبات التي يرهق بها كاهله، كونه شيخ قبيلته، وهو زوج لأربع من النساء الشابات. لاحظ زائره، وهو من ضباط الاستخبارات المركزية الأميركية والمعروفة اختصارا بـ«سي آي إيه» هذا الأمر، وعلى الفور اغتنم الفرصة، وذهب إلى حقيبته لإحضار هدية صغيرة منها يقدمها إليه. تمثلت تلك الهدية في أربعة أقراص زرقاء من الفياغرا. وقال له الضابط، «خذ واحدة منها (الأقراص)، وستحبها». وكانت هذه الأقراص هي هدية بلاد العم سام. وقد أتى هذا الإغراء بثماره تماما، فقد عاد الضابط، الذي كشف عن اللقاء، بعد أربعة أيام ليلقى استقبالاً حافلاً، إذ قدم له زعيم القبيلة قدرا هائلا من المعلومات عن تحركات طالبان، وأوضح إليه المسالك والدروب التي يستخدمونها، وأعقب المعلومات التي قدمها بطلب المزيد من تلك الأقراص. وتوضح هذه الطريقة كيف يخوض مسؤولو الاستخبارات الأميركيون المعارك العصيبة في أفغانستان ويظفرون بها. فبينما تملك سي آي إيه تاريخا طويلا من شراء المعلومات بالأموال، حفز تعاظم التمرد الطالباني على استخدام محفزات أخرى غير مألوفة، وإجراء عمليات التفاوض الابتكارية، لنيل التأييد اللازم في بعض أكثر المقاطعات والمناطق اضطرابا، حسبما أفاد المسؤولون المشتركون في تلك العمليات بصورة مباشرة. وأوضح المسؤولون الأميركيون أنه من ضمن الجهود التي يبذلونها لاستمالة القادة العسكريين وشيوخ القبائل المعروف عنهم تقلبهم، تقديم عملاء الوكالة الأميركية العديد من الخدمات الشخصية إليهم لتحقيق هذا الأمر. وتضمنت تلك الخدمات تقديم مِدى الجيب الصغيرة، والأدوات الشخصية، والأدوية أو تيسير إجراء العمليات الجراحية للمرضى من أفراد الأسرة، واللعب، وأدوات المدارس، وإجراء عمليات خلع الأسنان، ومنح تأشيرات السفر، بل وتقديم المنشطات لكبار السن، ممن يعانون من انخفاض الشهوة الجنسية لديهم. ويقول أحد عملاء وكالة الاستخبارات منذ فترة طويلة، المحنك بطبيعة الحياة الأفغانية، لقيامة بالعديد من الزيارات هناك، بشأن تلك الجهود التي تبذلها الوكالة، إننا نقدم «أي شيء تقتضيه الأمور لصنع الأصدقاء والتأثير على الأشخاص، سواء كان ذلك بناء المدارس أو تقديم الفياغرا». ولم يرغب المسؤول في الكشف عن اسمه لدى حديثه عن الأساليب والعمليات المتبعة، التي يعتبر أغلبها سري التصنيف شأنه في ذلك شأن الضباط الميدانيين الآخرين، الذين أجريت حوارات معهم لكتابة هذا المقال. وأوضح المسؤولون أن تلك الإغراءات باتت ضرورية في أفغانستان، ففي تلك الدولة يتوقع القادة العسكريون، وزعماء وشيوخ القبائل أن يتم الدفع لهم نظير التعاون الذي يقدمونه، كما أن هناك البعض يمكنهم تغيير مواقفهم واتجاهاتهم بصورة أسهل من تغيير ملابسهم، ومن هذا المنطلق إن لم يقدم الأميركيون المحفزات الجيدة للتعاون، فثمة آخرون، منهم قادة طالبان العسكريون، وتجار مخدرات، بل وحتى عملاء إيرانيون سيتجهون إلى تقديمها. ويقول العملاء المحنكون في أفغانستان، أحيانا لا تكون الرشاوى المعتادة على حسب الاختيار، من أموال أو سلاح، بمثابة الخيار الأمثل. ففي بعض الأحيان تسقط تلك الأسلحة بين الأيدي الخاطئة، كما أضحت الهدايا الجذابة على غرار الأموال والمجوهرات والسيارات أمرا لا يلفت الانتباه المرغوب. ويقول جامي سميث، أحد العملاء المحنكين بالعمليات السرية لدى سي آي إيه في أفغانستان، والمدير التنفيذي في الوقت الحالي لشركة إس سي جي الدولية، وهي شركة خاصة تختص بعمليات الأمن والاستخبارات: «إذا أعطيته (يقصد أحد الأفغان) 1000 دولار، فسيذهب على الفور لشراء أي شيء تافه لافت للنظر، وسيتضح بعد ذلك للجميع أنه حصل على الكثير من الأموال من شخص ما. وحتى إن لم يتم قتله، فسيصبح مخبرا غير مجد، لأن الجميع علموا من أين يأتي بالأموال». وأضاف سميث، أنه من المهم إيجاد سبيل لتلبية الاحتياجات الشخصية للمخبر أو المرشد، بطريقة تحافظ عليه في جانبك، وفي نفس الوقت تترك وراءه أثرا ضئيلا أو غير مدرك على الإطلاق. وتابع سميث، «إنك تحاول ردم الهوة بين أناس يعيشون في القرن الثامن عشر، وأناس آخرين قدموا من القرن الـ21، لذا فأنت تبحث عن أشياء مشتركة تأتي في شكل مواد مساعدة، يمكنها تحفيز الأشخاص في كل مكان». ويوجد تقليد شائع منذ أمد بعيد بين أجهزة الاستخبارات العالمية، ألا وهو استخدام الجنس كحافز قوي. وأشار روبرت باير، ضابط سي آي إيه المتقاعد، ومؤلف العديد من الكتب عن عالم الاستخبارات، الى أن أجهزة الاستخبارات الروسية طالما عُرف عنها استخدام نساء فاتنات كطعم للإغواء عندما تسعى لتحويل الدبلوماسيين الأجانب إلى مخبرين متعاونين معهم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»