طبقة التجار المتدينين فئة صاعدة في تركيا العلمانية حملت حزبا إسلاميا إلى الحكم

نخبة «الأتراك البيض» حارسة قيم أتاتورك تعتبرهم مجرد «فلاحين»

TT

عكف رجال الأعمال المتدينين الأتراك سنوات على محاولة بناء إمبراطوريات لهم، ولكن لكونهم مسلمين متدينين داخل واحدة من أكثر دول العالم تمسكاً بالعلمانية، لم يلق هؤلاء التجار قبولاً قط من جانب طبقة الصفوة داخل المجتمع التركي. والآن، تحولت هذه الطبقة إلى نخبة قائمة بذاتها داخل تركيا، وقد ساعدت هذه الطبقة النخبوية الجديدة في رفع حزب سياسي ذي ميول إسلامية إلى السلطة، وجعل تركيا سابع أكبر اقتصاد في أوروبا. وتقول سهمينور أيدين، سيدة أعمال مسلمة متدينة وابنة أحد كبار رجال الصناعة في البلاد، «اعتاد المسلمون هنا أن يتعرضوا لابتلاء الفقر. أما الآن، فإنهم مبتلون بالثراء». ويعتقد البعض بأن الأتراك المتدينين أخفقوا في هذا الاختبار، ويرون في الأزمة الاقتصادية الأخيرة درساً لأولئك الذين انغمسوا في أردأ صور التبذير والإسراف في الاستهلاك، التي تجلت في العمل الذي نفذه أحد مصممي الديكورات الداخلية الأتراك، الذي صمم حماماً به صنابير مغطاة بقشرة كريستال سواروفسكي، وحمام سباحة داخل غرفة نوم، وأريكة مصممة بحيث يتم رفعها لأعلى حتى السقف من خلال جهاز تحكم عن بعد. بيد أنه بعيداً عن حالة التردي الاقتصادي، بغض النظر عن مدى قسوتها، تبقى الحقيقة أن طبقة الأثرياء المتدينين باتت قوية الآن داخل تركيا، وتشكل ظاهرة جديدة تفرض تحديات ليس فقط امام طبقة الصفوة العلمانية القديمة، وإنما كذلك للصورة التي يرسمها المسلمون الصالحون لأنفسهم. ويكمن المال في قلب التغييرات التي طرأت على تركيا عام 1950، اعتمد المجتمع التركي في معظمه على الزراعة، حيث عاش 80% من السكان بالمناطق القروية. وخلال تلك الفترة، اتسم الاقتصاد التركي بالانغلاق، وجرم القانون تداول العملة الأجنبية. ثم جاء رئيس وزراء ذو رؤية تقدمية، هو تورغوت أوزال، ليفتح ابواب الاقتصاد. واليوم، تصدر أنقرة سلعا بقيمة تقدر بمليارات الدولارات إلى الدول الأوروبية الأخرى، ويعيش حوالي 70% من مواطنيها داخل المدن. من جانبهم، ساعد المتدينون الأتراك في تحقيق هذا الصعود، ومع ذلك تعرضوا للازدراء من قبل صفوة المجتمع. ويعتقد سافاك كاك، مصمم الديكورات التركي، الذي عمل لدى الكثير من العملاء الأثرياء المتدينين، أن ذلك الأمر يسهم في تفسير بذل العديد من أبناء هذه الطبقة جهوداً مضنية لإثبات وجودهم ولفت الأنظار نحوهم. وقال، «إن الأمر يرجع إلى أسلوب وصفنا لهم. لقد نظرنا نحوهم باحتقار مثلما حدث مع الزنوج». ويشير كاك إلى صدع طبقي عميق يتسم به المجتمع التركي، حيث سيطرت طبقة حضرية غالباً ما جرت الإشارة إليها بمصطلح الأتراك البيض، على مقاليد السلطة السياسية والاقتصادية داخل البلاد على امتداد عقود. ونظر أبناء هذه الطبقة لأنفسهم باعتبارهم حراس القيم العلمانية الخاصة بمصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا. وقد شعروا بالتهديد جراء صعود طبقة قروية متدينة من التجار، خاصة ممثلها السياسي، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. في هذا الصدد، أعرب كان بيكر، رئيس مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية، وهي منظمة بحثية ليبرالية مقرها إسطنبول، عن اعتقاده بأن «الطبقة القديمة لم يكن لديها استعداد للتشارك في القوة الاقتصادية والسياسية. ومع أن الطبقة الجديدة تشاركهم عاداتهم، مثل قيادة سيارات المرسيدس، لكن نساءها يرتدين غطاء للرأس، وهذا أمر لا تطيقه الطبقة القديمة». واستطرد بيكر موضحاً أن الطبقة القديمة تتساءل في ما بينها، «إنهم فلاحون، فلماذا هم بيننا؟».

وقد واجهت أيدين، 40 عاماً، التي ترتدي غطاءً للرأس، هذا التوجه منذ وقت ليس ببعيد داخل أحد أرقى أحياء إسطنبول، حيث وصفتها امرأة بأنها «أصولية قذرة»، عندما حاولت أيدين إعادة قمامة ألقت بها المرأة من زجاج سيارتها إلى داخل السيارة من جديد. وقالت أيدين، «إذا كنت تقود سيارة جيدة، يحدقون بك ويشيرون نحوك. وتراودك حينئذ الرغبة في أن تقول، لقد تخرجت في مدرسة فرنسية مثلكم. لكن بعد فترة، تفقد الرغبة في أن تثبت قدراتك». ويصف رجال الأعمال أنفسهم بأنهم مسلمون مثابرون في عملهم، مؤكدين أن العمل الجاد يُعمق المشاعر الإيمانية. من ناحيته، أكد عثمان قدير اوغلو، الذي تملك عائلته شركة كبيرة لصنع الحلوى في تركيا ولها مصانع في أذربيجان والجزائر، أنه، «لا يمكننا الاعتماد على نفطنا مثل الدول العربية. ليس هناك سبيل أمامنا سوى الإنتاج».

وعلق محمد سيفكيت إيجي، 75 عاماً، الكاتب الصحافي الذي تناول في كتاباته باستفاضة قضية المسلمين والثروة، على الأمر بقوله، «الآن، للأسف، بات هناك ميل للرفاهية والإسراف في الاستهلاك ورغد العيش والغرور والمباهاة والجشع».

* «خدمة نيويورك تايمز»