بوش في عيون اثنين من مستشاريه: قائد إنساني وذكي.. وليس متغطرسا بتاتا

رئيس الموظفين في البيت الأبيض ومستشار الأمن القومي يرويان تجربة 8 سنوات مع الرئيس الأميركي

TT

يتذكر رئيس الموظفين في البيت الابيض جوشوا بولتن، ومستشار الامن القومي ستيفن هادلي، في الادارة الاميركية الحالية، المشاورات التي دارت مع الرئيس جورج بوش خلال أحلك فترات الحرب في العراق بين العامين 2005 و2006. وخلال اجتماعات يومية كانت تعقد في تمام السابعة صباحاً داخل المكتب البيضاوي، كان بوش يراجع تقارير تتناول تفاصيل الحوادث التي تعرض لها جنود أميركيون ويبدي اهتماماً خاصاً بأعداد القتلى ويسأل كبار مساعديه عن تفاصيل الحوادث التي أدت الى مصرعهم. يقول هادلي في حديث معه الأسبوع الماضي: «كانت تلك الأنباء مؤسفة للغاية». ويرى هادلي أن هذه الاجتماعات سلطت الضوء على القضايا التي انصب عليها اهتمام الرئيس، ويضيف: «الحديث عن أن الرئيس لم يكن على دراية بما يدور، وأن المعلومات كان يتم حجبها عنه بطريقة ما.. خاطئ. لقد كانت تصله المعلومات يومياً في السابعة صباحاً». يعتبر كل من هادلي وبولتن من المسؤولين القلائل الذين أتيحت لهم فرصة العمل عن قرب شديد مع الرئيس بوش على مدار الأعوام الثمانية الماضية، ذلك أنهما من كبار المعاونين للرئيس المعدودين الذين دخلوا البيت الأبيض معه في العام 2001 وسيخرجون منه برفقته في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي. ومع أن كلاهما لم يلتق بوش الا خلال الحملة الانتخابية الأولى، فقد تولد لديهما شعور خاص بالولاء تجاه الرئيس، وسعيا بجد للإبقاء على تحرك الإدارة قدماً خلال فترة الفوضى التي اجتاحت العراق وإعصار كاترينا الذي ضرب البلاد والأزمة المالية التي عصفت بواشنطن العام السابق. وظل الرجلان في منصبيهما رغم رحيل أعضاء بارزين آخرين بالإدارة، مثل كارل روف وكارين هيوز، وغيرهما.

وخلال لقاءات مطولة تم إجراؤها الأسبوع الماضي، تحدث بولتن وهادلي عن السنوات التي عملا خلالها داخل البيت الأبيض ورسما صورة رقيقة للرئيس. وبولتن وهادلي كانا من المسؤولين الذين تولوا الدفاع عن السياسات المثيرة للجدل التي انتهجتها إدارة بوش. وقد أعربا عن شعورهما بخيبة الأمل إزاء عجزهما عن تحسين مستوى شعبية بوش والتصدي لاتهامات الإدارة بالغطرسة. وعلى امتداد ساعتين من الحوار، انتقد بولتن وهادلي ما اعتبراه أفكارا خاطئة شائعة بشأن عهد رئاسة جورج بوش، مثل عزل الرئيس عن الأنباء السيئة والاعتقاد بأن ديك تشيني، نائب الرئيس، تمتع بنفوذ هائل وراء الكواليس.وقال هادلي: «تتمثل إحدى الخرافات في أن نائب الرئيس مارس بصورة ما نفوذاً على عملية صياغة السياسة الخارجية خلال فترة الرئاسة الأولى، بحيث جعلها تعتمد بصورة بالغة على التوجهات الآيديولوجية، وأنه بطريقة ما خلال فترة الرئاسة الثانية تراجع نفوذ نائب الرئيس، وبالتالي ظهرت شخصية بوش الحقيقية، وباتت لدينا سياسة خارجية أكثر براغماتية». وعلق هادلي على ذلك بتأكيده أن: «هذا محض هراء. مجرد هراء». ولكن في الوقت ذاته، قال بولتن إن أحد الأهداف التي كانت نصب عينيه لدى توليه منصب رئيس فريق العمل بالبيت الأبيض عام 2006، إعادة بوش مجدداً لمحور عملية صنع القرار. وأعرب كلا المسؤولين عن اعتقادهما بأن الإدارة وقعت في المشكلات عندما حاول مساعدون اتخاذ قرارات كبرى دون استشارة الرئيس. وأكد بولتن في حديثه عن بوش إنه صانع قرار جيد، وقال: «عندما يكون الأمر مهم بدرجة كافية لجعله قضية تتعلق بالرئيس ذاته، علينا أن نعرض على الرئيس المزيد من المعلومات ووجهات النظر وإفساح المجال أمامه ليتخذ القرار بنفسه». وكثيراً ما أثار توجه هادلي وبولتن في العمل، والذي يرتكز على الابتعاد عن دائرة الضوء، خيبة أمل في نفوس زملائهم الذين كانوا يفضلون استعانة بوش بشخصيات أقوى بجانبه. إلا أنه بصورة عامة، يمكن القول إن التوجه الذي انتهجه بولتن وهادلي كان التوجه المثالي الذي رغب فيه بوش خلال سنوات عمله بالمكتب البيضاوي. يتذكر بولتن عندما عرض عليه بوش العمل معه في البيت الابيض، ويقول: «عندما عرض علي الرئيس المنصب، أخبرني ذات الأمر الذي أعتقد أنه قاله لآندي كارد عندما عرض عليه المنصب، وهو أنه لا يرغب وليس بحاجة إلى رئيس وزراء. وإنما كانت مهمتنا التأكد من أن الرئيس في وضع جيد يمكنه من اتخاذ قرارات صائبة». بولتن البالغ من العمر 54 عاماً، والذي سبق له ان عمل كنائب لرئيس موظفي البيت الأبيض، ثم مديراً لشؤون الميزانية قبل أن يحل محل كارد كرئيس للموظفين في العام 2006، يرفض فكرة أن الرئيس لم يكن يواجه معارضة من قبل مساعديه. ويقول: «في الكثير من الأوقات كنت أقول: أعتقد أن هذه فكرة سيئة. ويتميز الرئيس، ربما على خلاف الاعتقاد السائد، بقدرة كبيرة على الإنصات والرغبة في الاطلاع على نصائح معارضيه». وأعاد بولتن ذكر هذا الأمر عندما تناول التحول الدراماتيكي الذي طرأ على السياسة الاقتصادية خلال الأشهر الأخيرة، رافضاً الإدعاءات بأن بوش تخلى عن مبادئ السوق الحرة وأنه ترك مهمة اتخاذ القرارات الاقتصادية لكل من وزير الخزانة، هنري بولسون، وبن بيرنانكي، رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي. وشدد بولتن فيما يخص بوش على «إنه لم يغير فلسفته، لكن تم تقديم نصح إليه وقبله، حول أن التدخل الحكومي واسع النطاق في الاسواق المالية ضروري لحماية قدرة هذه الأسواق على البقاء». وأضاف: «لقد كان هناك حوار حول هذا الأمر. إن بولسون لم يكن يظهر فجأة مرة أسبوعياً ليقول: هذا ما سأفعله، ويقره الرئيس تلقائياً. وإنما جرت محادثات بانتظام بين بولسون وبيرنانكي وبولسون والبيت الأبيض». ويمكن القول إن أفضل مثال على توجه الرئيس إزاء عملية صنع القرار جاء في يناير 2007 عند اتخاذ قرار إرسال المزيد من القوات إلى العراق وإقرار استراتيجية جديدة للتصدي لأعمال التمرد هناك، حيث صدر القرار بعدما أقال بوش وزير دفاعه، دونالد رامسفيلد، وقيام هادلي بمراجعة دقيقة للسياسات المتبعة منحت البعض فرصة انتقاد الاستراتيجية المتبعة. ويذكر أن هادلي البالغ من العمر61 عاماً والذي عمل كنائب لكوندوليزا رايس عندما تقلدت منصب مستشارة الأمن القومي خلال فترة الرئاسة الأولى لبوش، ثم تمت ترقيته لمنصب مستشار الأمن القومي عام 2005 عندما أصبحت رايس وزيرة الخارجية، وصف إجراء زيادة أعداد القوات الأميركية في العراق على انها «أبرز الإجراءات» التي اتخذها بوش في فترة رئاسته. وقال: «رغم كل المعارضين والمشككين وكل من دعوا الرئيس بحلول خريف 2006 بقولهم: سيادة الرئيس، هذا خطأ. لماذا لا تعترف بالواقع وتنهي هذا الأمر؟ كان هو الشخص الوحيد الذي قال إن علينا إنجاح هذه الخطوة». وردا على سؤال حول السبب وراء مرور فترة طويلة قبل إقدام الرئيس على تغيير مسار استراتيجيته بعدما تدهورت الأوضاع داخل العراق بشكل واضح، قال هادلي إن بوش كان يحمل مسؤولية الإبقاء على الأمل داخل نفوس جنوده وعائلاتهم والشركاء الآخرين في التحالف داخل العراق، حتى في الوقت الذي كان يعكف على دراسة انتهاج استراتيجية جديدة. وأضاف هادلي: «هل كانت هناك أمور كان ينبغي علينا تنفيذها على نحو مختلف؟ بالتأكيد. هل كان من الممكن تنفيذها في وقت مبكر؟ من جانبي، لا أعتقد ذلك. كما تعلم، فإن مثل هذه الأمور تتطلب بعض الوقت. إن الأمر المهم آنذاك كان إدراكنا لأن استراتيجيتنا فاشلة والعمل على تغييرها، وهذا ما فعله الرئيس». واضافة الى ذلك، أبدى هادلي رفضه للانتقادات الموجهة لسياسات الاحتجاز والتحقيق التي اتبعتها الإدارة، مشدداً على ضرورة تحقيق توازن بين حماية البلاد والتمتع بالشفافية حيال الإجراءات التي تتخذها الحكومة في إطار محاربة الإرهاب. واستطرد هادلي موضحاً: «أعتقد أن هذا التوازن يمكن تحقيقه الآن، بعدما لم تتعرض لهجوم طوال سبع سنوات، الأمر الذي ربما يكون مختلفاً بعض الشيء عن محاولة تحقيق هذا التوازن خلال العام التالي مباشرة للهجوم عندما كنت على غير دراية بماهية العدو. علينا توخي الحذر بشأن مثل هذه التخمينات، لأنه من العسير إعادة خلق البيئة التي تم خلالها اتخاذ هذه القرارات في الفترة اللاحقة مباشرة لـ11 سبتمبر (أيلول)». ودافع بولتن عن أسلوب تعامل الإدارة مع القضايا الاقتصادية، فيما عدا ما وصفه بعدم فاعلية جهود استصدار تشريع مبكر يكبح جماح مؤسستي الرهن العقاري العملاقتين، فاني ماي وفريدي ماك. وقال: «لقد مارسنا ضغوطاً شديدة. وكنت أتمنى لو كنا أكثر فعالية على هذا الصعيد. واجهنا معارضة من قبل الكونغرس. ولا يأتي تعليقي هذا انطلاقاً من انحيازي لحزب بعينه، ذلك أننا جابهنا معارضة من كلا الحزبين داخل الكونغرس فيما يتعلق بإصلاح فاني وفريدي قبل فوات الأوان». وأضاف بولتن: «حال تمكننا من السيطرة على فاني وفريدي في وقت مبكر عما حدث بالفعل، أعتقد أن المشكلة كانت ستتضاءل حدتها بصورة بالغة. لكن لا أعتقد أن ذلك كان سيحول تماماً دون وقوعها». وقال: «ربما كانت هناك أمور فيما يخص هذه الإدارة تود لو كان بإمكانك العودة بالزمن وتنفيذها على نحو مغاير، لكني اليوم لا أعلم بعد ما هي». بعد ثمانية سنوات من العمل الدؤوب، حيث يعمل كلا المسؤولين ستة أيام أسبوعيا، وأحياناً سبعة، تلوح النهاية الآن في الأفق. يؤكد كل من هادلي وبولتن أنه لا توجد لديهما فكرة عما سيقومان به بعد 20 يناير الحالي، في ما عدا الحصول على قسط من النوم (بالنسبة لبولتن) واصطحاب زوجته لتناول الإفطار في الخارج (بالنسبة لهادلي). لا يخطط أي منهما لوضع كتاب لسرد ذكريات العمل داخل البيت الأبيض، بحسب ما قال أحد مساعديهما. الواضح أن كلا من بولتن وهادلي أحب وظيفته، والرجل الذي دارت حوله حياتهما خلال السنوات الثماني الماضية. ويقول بولتن: «من الأمور الغائبة عن الكثيرين أنه أمر مثير أن تكون هنا. حتى خلال الأيام الصعبة، هناك بعض المرح، بعض الشعور بأنك شخص مهم، وبعض المشاعر القوية». يقول بولتن إن من بين الأهداف الأخرى التي كانت نصب عينيه عندما تولى منصبه محاولة مساعدة البلاد على رؤية الشخصية الودودة التي رآها والمساعدين الآخرين في الرئيس على الصعيد غير المعلن، مؤكداً أن ذلك كان من شأنه رفع مستوى شعبية الرئيس. ويعترف بولتن قائلا: «لقد فشلت في ذلك تماماً. ربما في بداية العام السادس من فترة الرئاسة، كانت هذه المهمة غير عملية... لكن كل من تعاملوا بشكل شخصي مع الرئيس، كل شخص تقريباً، يدرك كيف أنه قائد جيد، ومدى الذكاء الذي يتمتع به، وبصورة خاصة مدى إنسانيته». وفي محاولة إيجاز السمات الشخصية للرئيس، أشار هادلي إلى حملة بوش عام 2000، قائلاً: «كانت لديه عاطفة كبيرة لم تكن مجرد شعار للحملة، وهو محافظ متعاطف. هذا تماماً ما هو عليه. وهذا أحد الإسهامات العظيمة التي أضافها لمنصب الرئيس. ومن الأمور التي تكاد تدفعني لحافة الجنون، كيف يرى البعض أن هذه إدارة متغطرسة يديرها رئيس متغطرس يتبع سياسات متغطرسة. هذا الشخص ليس متغطرس أبدا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الاوسط»