أحداث العام 2008: لبنان 2008: عام الهدنة

شهد أسوأ فصول النزاع الأهلي.. وحمل الآمال بالحل

جنديان لبنانيان فوق آليتهما العسكرية ضمن اجراءات الحماية الامنية لجلسة مجلس النواب التي انتخب فيها قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية ليكون بذلك الرئيس الثاني عشر للبنان المستقل (أ ف ب)
TT

* لم يكن العام 2008 أفضل الاعوام التي مرت على اللبنانيين، لكنه كان دون شك أفضل من سابقيه الثلاثة 2005 و2006 و2007. وربما يصح على وصف هذا العام بأنه «عام الهدنة» بين اللبنانيين الذين تفاهمت قياداتهم السياسية على «تقطيع الوقت» بانتظار حلول العام 2009 والاستحقاقات التي سيحملها الاخير وفي مقدمها الانتخابات البرلمانية المقررة في الربيع. فقد دخل لبنان العام 2008 متشحا بغمامة سوداء خلفتها سنة 2007 السيئة الذكر، فالفراغ كان يتهدد بتآكل المؤسسات الدستورية وفي مقدمها رئاسة الجمهورية التي فشلت العديد من المحاولات لانقاذها عربيا ودوليا، كما كان البرلمان معطلا ممنوعا من الاجتماع والحكومة مشلولة بفعل الامر الواقع منذ أكثر من سنة.

* يناير.. الأسود

* لم تنجح المساعي العربية التي بذلت في الوصول الى حل للأزمة الرئاسية اللبنانية على الرغم من عدة اجتماعات عقدها وزراء الخارجية العرب في القاهرة وخروجهم بمبادرة محددة للخروج من الازمة. لكن الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لم ينجح في تسويق خطة العمل هذه بعد اعتماد المعارضة تفسيرها الخاص لهذه المبادرة بما يسمح لها بالحصول على ثلث مقاعد الحكومة. أدت هذه التطورات الى الغاء اجتماعين للبرلمان كانا مخصصين لانتخاب الرئيس أولهما في 12 يناير (كانون الثاني) وهو التأجيل الـ12 لجلسات الانتخاب وثانيهما في 21 يناير أما الاجتماع الاخير للجنة في 27 يناير في القاهرة، فقد تزامن مع صدامات في الشارع بين عناصر من الجيش ومتظاهرين من المعارضة ذهب ضحيته 7 أشخاص وأدى الى «لجنة تحقيق» وجهت اتهامات الى 3 ضباط و26 عسكريا ومدنيين، بعدما كاد الامر يتطور الى ما لا تحمد عقباه.

ولم يمر هذا الشهر دون تسجيل «بصمة دموية» جديدة تمثلت باغتيال الضابط في قوى الامن الداخلي وسام عيد في 25 يناير. وقد كتب له أن يكون آخر الاغتيالات السياسية التي ضرب مسلسلها لبنان منذ نوفمبر(تشرين الثاني) 2004 مع محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة والذي استكمل باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ورفاقه وصولا الى اغتيال عيد.

* فبراير.. سقوط «الثعلب»

* تلقى حزب الله ضربة موجعة هذا الشهر باغتيال قائده العسكري والامني عماد مغنية الملقب من الاستخبارات الغربية بالـ«الثعلب» ومن الحزب بـ«الحاج رضوان». الاغتيال حصل في دمشق والحزب اتهم اسرائيل وتوعدها بـ«حرب مفتوحة».

في الملف الداخلي استمر التشنج السياسي.. والشعبي على حاله، وتميز احياء الذكرى الثالثة لاغتيال الرئيس الحريري بحشد بشري كبير قدرته أوساط تيار «المستقبل» بمليون ونصف المليون. ولم يمر هذا الشهر دون عمليتي تأجيل للانتخابات الرئاسية في 11 و26 فبراير (شباط).

تميز هذا الشهر بتهديدات وجهت الى سفارات بعض الدول العربية بالتزامن مع التحضير للقمة العربية التي انعقدت في دمشق بمقاطعة من بعض الدول العربية وتمثيل ضعيف لبعضها الاخر، اذ كشف السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة عن تهديدات وجهت الى السفارة في بيروت، كما تحدث السفير الاماراتي عن تهديدات مماثلة فيما دعت الكويت مواطنيها الى «التريث بالسفر الى لبنان» في اعقاب تهديدات تلقتها السفارة في بيروت. فيما ارسلت الولايات المتحدة بارجتين عسكريتين الى قبالة الشواطئ اللبنانية تعبيرا عن «القلق من التصرفات السورية».

* مارس.. التأجيل مستمر

* استمرت عملية التأجيل المتواصلة لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، وقد شهد هذا الشهر تأجيلين اضافيين في 12 و25 مارس (آذار).

* ابريل.. كذبة الانتخابات ومخاوف دولية

* شهد هذا الشهر رسائل اسرائيلية شديدة اللهجة تمثلت باوسع مناورات تجريها الدولة العبرية على الحدود مع لبنان وسط توقعات بتحولها الى حرب جديدة. وفي الملف الداخلي كان فريق «14 آذار» يثبت نفسه في انتخابات نقابة المهندسين التي تعتبر أكبر الانتخابات النقابية اذ شارك فيها نحو 14 ألف مهندس. كما سجلت مواجهة داخلية بين انصار المعارضة والاكثرية ادت الى مقتل شخصين من حزب الكتائب في زحلة برصاص احد مناصري المعارضة.

تواصل مسلس «التأجيل» للانتخابات الرئاسية مع فارق وحيد هو أن رئيس مجلس النواب لم يحدد موعدا جديدا للجلسة متحدثا عن نيته توجيه الدعوة الى جلسات «تشاور» جديدة بين القيادات اللبنانية لم تحظ بموافقة فريق «14 آذار». فيما تخوف التقرير نصف السنوي السابع للأمانة العامة لمجلس الامن حول تطبيق القرار 1559 من خطر الفراغ الرئاسي على الانتخابات النيابية المقررة في العام 2009، محملا ايران وسورية مسؤولية كبيرة في عملية نزع سلاح الميليشيات في لبنان.

كما شهدت نهاية الشهر حدثا لافتا تمثل باحتجاز حزب الله برلمانيا فرنسيا كان يجول مع كاميرا في الضاحية الجنوبية لبيروت لبضع ساعات قبل اطلاقه.

* مايو: قرارات..وحروب .. واتفاق

* في الثالث من مايو (ايار) فجر النائب وليد جنبلاط مفاجأة كبرى، اذ أكد أن حزب الله يتنصت بالكاميرات على المدرج 17 لمطار بيروت المخصص للشخصيات الهامة. الحكومة اجتمعت حتى الفجر في الخامس من مايو وأصدرت قرارات بالغة الخطورة أولها اعتبار شبكة اتصالات حزب الله غير شرعية وثانيها اقالة رئيس جهاز امن المطار العميد وفيق شقير المقرب من حزب الله.

اتى رد الحزب والمعارضة بالدعوة الى المشاركة في الاضراب العمالي في السابع من الشهر ليتحول الاضراب الى عملية عسكرية نفذتها قوى المعارضة في بيروت وبعض مناطق الجبل اسفرت عن محاصرة القيادات السياسية لقوى «14 آذار» في بيروت ومقر رئاسة الحكومة والسيطرة بالنار على شوارع العاصمة. العملية استمرت 3 أيام قبل أن يعود الهدوء الى شوارع العاصمة التي سلمت أمنيا الى الجيش دون أن يتمكن الجيش من فتح الطرقات التي سدت بالسواتر الترابية من قبل المعارضين الذين لن يتراجعوا عن موقفهم على الرغم من الغاء الحكومة للقرارين الشهيرين.

لكن الفرج اتى على الطريقة المعتمدة لبنانيا «اشتدي يا ازمة تنفرجي»، فوصل وفد عربي رفيع الى بيروت برئاسة وزير الخارجية القطري بعد اسبوع من «الدخان الاسود» الذي لف العاصمة توصل الى اتفاق باطلاق الحوار في الدوحة برعاية اللجنة العربية يتواصل «حتى يتم توقيع اتفاق نهائي» وهذا ما حصل بالفعل في 21 مايو بعد مخاض عسير كاد ينسف اي أمل.

عادت القيادات اللبنانية الى بيروت باتفاق مفاده انتخاب رئيس للجمهورية هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان واقرار قانون انتخاب وفق تقسيمات العام 1960 وتأليف حكومة وحدة وطنية يكون فيها للمعارضة الثلث المعطل. وفي الخامس والعشرين من هذا الشهر انتخب سليمان رئيسا بأصوات 118 من اصل 128 نائبا يشكلون البرلمان اللبناني. وفي 28 من الشهر نفسه أجرى الرئيس سليمان استشارات نيابية أفضت الى تسمية الرئيس فؤاد السنيورة لتأليف الحكومة الجديدة، وهو ما تلقته المعارضة بحذر شديد ووصفته بغير الموفق.

* يونيو: تعثر تأليف الحكومة..وفتنة شمالا

* لم يتم تأليف الحكومة بالسهولة المتوقعة، ولم تنجح المساعي في تأليف الحكومة طوال هذا الشهر، اذ اصطدمت مساعي الرئيس المكلف بالشروط يمينا ويسارا حول توزيع الحقائب وتمثيل القوى السياسية.

ووسط هذا التخبط انبعث ملف الفتنة مجددا، واتى هذه المرة من الشمال حيث اندلعت اشتباكات استمرت اسابيع عديدة بين منطقتي التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن ذات الغالبية العلوية؟

* يوليو: ولادة الحكومة وإقفال ملف الأسرى

* نجحت المساعي في اخراج التشكيلة الحكومية في الحادي عشر من يوليو (تموز) بعد 53 من تكليف السنيورة تأليف الحكومة التي سماها «حكوم كل لبنان».

في هذا الشهر ايضا كان لبنان على موعد مع اقفال نهائي لملف الاسرى في اسرائيل، اذ توصلت المفاوضات غير المباشرة بين اسرائيل وحزب الله الى اتفاق قضى أولا باخراج المعتقل اللبناني ـ الاسرائيلي الجنسية نسيم نسر مقابل اشلاء اسرائيلية (في يونيو/ حزيران) ثم تنفيذ الاتفاق الكبير في 15 يوليو وقضى بتسليم حزب الله اسرائيل جثتي جندييها اللذين اسرهما الحزب عشية اندلاع الحرب مع اسرائيل في 12 يوليو 2006 مقابل تسلم لبنان 5 اسرى بينهم عميد الاسرى في السجون الاسرائيلية سمير القنطار ورفات 200 لبناني وفلسطيني سقطوا خلال المواجهات مع اسرائيل منذ السبعينيات.

* أغسطس: بيان وزاري.. وخلاف على المقاومة

* ولد في الرابع من هذا الشهر «البيان الوزاري» للحكومة بعد 3 اسابيع من «النقاش» حول بند المقاومة بين فريقي الاكثرية والمعارضة التي اصبحت جزءا من الحكومة وفي الحادي عشر منه أعطى البرلمان اللبناني الثقة للحكومة، فيما سجل الرئيس السابق للبرلمان حسين الحسيني موقفا لافتا باعلانه الاستقالة من المجلس النيابي، مطلقا «صرخة حول لبنانية الشيعة وموقفهم التاريخي من لبنان الواحد المستقل».

وسجل في 29 من هذا الشهر أيضا عملية اطلاق نار من قبل حزب الله على طائرة مروحية لبنانية فوق منطقة اقليم التفاح في الجنوب ادت الى سقوط ضابط لبناني. اعترف الحزب بالمسؤولية عن «الخطأ» وسلم عنصرا قيل إنه مطلق النار الى القضاء العسكري اللبناني.

* سبتمبر: اغتيال جديد واشكالات..وحوار

* استهل الشهر بعملية اغتيال لعضو في الحزب الديمقراطي اللبناني المعارض صالح العريضي في 11 سبتمبر (أيلول)، غير أن الاتصالات التي جرت وقادها النائب وليد جنبلاط لجمت الفتنة في الجبل. غير أن اشكالا جديدا سجل في الشمال بين «القوات اللبنانية» وتيار «المردة» الذي يرأسه النائب السابق سليمان فرنجية في 17 منه ادى الى سقوط قتيلين و3 جرحى. واختتم بعملية تفجير استهدفت باصا للجيش اللبناني في الشمال ادى الى سقوط 6 اشخاص بينهم مدني.

وشهد هذا الشهر انطلاقة شكلية للحوار الوطني اللبناني في 16 منه برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، كما شهد هذا الشهر مصالحة شكلية بين حزب الله والنائب سعد الحريري الذي استقبل في 24 منه وفدا رفيعا من حزب الله مهد للقاء بينه وبين الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في وقت لاحق.

* أكتوبر: انتشار سوري عند الحدود

* اختفى صحافيان اميركيان في التاسع من هذا الشهر في بيروت محدثين موجة قلق اعادت شبح خطف الاجانب الى الاذهان، قبل ان يتبدد الوهم بظهورهما في سورية، فيما ظهر ملف الحشود السورية عند الحدود الشمالية ليثير موجة قلق واسعة من احتمالات التدخل العسكري تحت عنوان «ضبط الاصوليين» غير أن الرئيس سليمان نقل عن نظيره السوري بشار الاسد ان هذا الانتشار يتلاءم مع مندرجات القرار 1701، وقد تلاه في وقت لاحق انتشار مماثل على الحدود الشرقية مع لبنان.

* نوفمبر: الحوار للحوار

* عادت اجواء التشنج السياسي الى الشارع اللبناني مع ارتفاع حدة الخطاب السياسي اللبناني، فيما عمدت قوى «14 آذار» الى استنهاض جماهيرها وتنبيهها الى ان الانتخابات المقبلة «مصيرية».

وقام قائد الجيش الجديد في التاسع والعشرين من هذا الشهر الى سورية والتقى الرئيس بشار الاسد ما اثار موجة انتقادات لهذا التصرف من قبل قيادات الاكثرية البرلمانية.

وشهدت نهاية هذا الشهر جولة جديدة من الحوار الوطني بشرت اللبنانيين باستمرار هذا الحوار بلا نتائج ـ الا استمرار ضبط الخلاف وتأطيره ـ حتى ما بعد الانتخابات النيابية.

ديسمبر: عون في سورية اختتم اللبنانيون سنتهم بمزيد من التوتر السياسي المضبوط على ايقاع اتفاقات التهدئة المعقودة بين القيادات السياسية، وقد شهد هذا الشهر زيارة «تاريخية» لرئيس تكتل «التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون الى سورية التي عادها لنحو عقدين من الزمن معلنا ان «اللقاء مع سورية حتمية تاريخية»، فيما كان النائب وليد جنبلاط يصعد من لبنان معتبرا ان «النظام السوري الخطر الاول على الاستقلاليين».

وكان مسك الختام خلاف على تشكيل المجلس الدستوري ادى الى تسييس هذا المجلس الذي يفترض به ان يكون حكما يسهر على دستورية القوانين، فقد ابدت الاقلية البرلمانية استياء شديدا من قيام الاكثرية بانتخاب اربعة اعضاء لعضوية المجلس الدستوري في البرلمان من اصل 5 دون التوافق معها، ما دفعها الى التهديد باستعمال الثلث المعطل لأول مرة في مجلس الوزراء لفرض التوافق معها على بقية الاعضاء الذين سوف يسميهم مجلس الوزراء لعضوية المجلس.

مارس 2009.. محكمة في مارس 2009 ستبصر المحكمة ذات الطابع الدولي الناظرة في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ورفاقه النور معلنة عن فصل جديد في تاريخ لبنان حيث «سيتوقف القتل من دون حساب» كما تقول قيادات الاكثرية البرلمانية التي تراهن على وضع حد لملف الاغتيالات التي طاولت قياداتها خلال الاعوام الماضية من خلال «احقاق الحق».

في 28 ابريل 2008 بدأ روبن فنسنت البريطاني الجنسية مهماته كأمين سجل للمحكمة الخاصة بلبنان بعدما جرى تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في العاشر من مارس، ومع توليه مهامه الآن بات «أول مسؤول رسمي يبدأ مهماته في المحكمة». ويتركز دور فنسنت على تحضير مباني المحكمة وإعدادها، وتنسيق انتقال العمل بين لجنة التحقيق الدولية المستقلة والمحكمة، وتعيين الموظفين الأساسيين، ووضع الصيغة النهائية لميزانية المحكمة».

وفي 18 ديسمبر (كانون الاول) عين رئيس التحقيقات في شرطة «نيو وايلز الجنوبية» الاسترالية رئيسا للتحقيق لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اعتبارا من 1 مارس المقبل.