المغرب في 2008: بروز قوي لحزب عالي الهمة وقيادة جديدة للاشتراكيين ووضع متقدم مع أوروبا

الملف الأمني طغى عليه تفكيك شبكة بلعيرج وحديث عن محاورة الجهاديين وهروب جماعي من السجن

عبد القادر بلعيرج المتهم بتزعم شبكة إرهابية مكونة من 33 شخصاً، أثناء نقله إلى محكمة سلا قرب الرباط في 16 أكتوبر 2008 (ا.ب.ا)
TT

شهد المغرب خلال عام 2008 أحداثاً سياسية واجتماعية واقتصادية شتى، خاصة في أعقاب تكوين حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع، بلغ عمرها الآن 14 شهرا، برئاسة عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، تفعيلا لاعتماد المنهجية الديمقراطية في اختيار رئيس الوزراء. ورغم أن الانتخابات التشريعية التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الحالية جرت يوم 7 سبتمبر (أيلول) 2007، فإن الحديث عنها امتد إلى سنة 2008، لاسيما في ما يتعلق بضعف نسبة المشاركة الشعبية في الاقتراع، وهو أمر أرجعه كثيرون إلى فقدان الثقة في العمل السياسي وخيبة أمل المواطنين في العديد من الفاعلين السياسيين الذين لم يكن أداؤهم في مستوى الخطاب الذي كانوا يلوحون به في فترة المعارضة، قبل الوصول إلى مقاعد الحكم الدافئة.

وتكرر العزوف السياسي كذلك، في الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت في دوائر مراكش وأسفي وتيزنيت والمحمدية في يونيو (حزيران) 2008. وحتى حزب «الأصالة والمعاصرة»، المساند للحكومة، الحديث النشأة، لم يستطع تعبئة الكتلة الناخبة أو الرفع من عدد المصوتين، رغم مظاهر الاستعداد التي أبان عنها خلال الحملة الانتخابية، والوعود التي أطلقها بخصوص تطهير المشهد السياسي، وهو «الوافد الجديد»، كما يسميه البعض، الذي أسال كثيرا من المداد، وأثار الكثير من الجدل منذ دخول عرابه فؤاد عالي الهمة، الوزير المنتدب السابق في الداخلية إلى الساحة السياسية، ممتطيا ظهر شعاره «الجرار»، عقب فوزه الكاسح في اقتراع السابع من سبتمبر 2007 بثلاثة مقاعد، دفعة واحدة، في منطقة الرحامنة، المجاورة لمدينة مراكش، التي يتحدر منها.

وشكل الهمة ظاهرة إعلامية تجلت في متابعة الصحافة لتحركاته وأنشطته، رغم أن خرجاته الإعلامية ظلت قليلة، لاسيما على مستوى التلفزيون، إذ لم يظهر سوى في حوار تلفزيوني يتيم على شاشة القناة التلفزيونية الثانية عقب ظهور نتائج اقتراع 7 سبتمبر 2007. غير أن مشروع الاندماج الحزبي الذي تزعمه الهمة، لم يكن من السهولة التي قد يمكن تصورها، حيث كان المخاض صعباً، ونتجت عن ميلاده عدة تطورات ومفاجآت لم تكن متوقعة، لعل أبرزها تراجع أحد المكونين الأساسيين، هو عبد الله القادري، الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي، عن الخطوة الاندماجية، بعد خلافات وصل صداها إلى الصحافة، قبل أن تنتقل إلى ردهات المحاكم.

إلى ذلك، وعلى امتداد شهور السنة، شهد المغرب فتح عدة أوراش وتدشينات لمشاريع جديدة، من لدن المؤسسة الملكية في أنحاء متفرقة من خريطة البلاد، همت المجالات ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي. وصنعت الخطب الملكية الحدث في كل مناسبة وطنية أو ذكرى دولية يتم الاحتفال بها، إذ غالبا ما تكون مقرونة بالإعلان عن قرار، يخص قطاعا معينا أو ملفا ما، مثل إطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق البلاد، في مقدمتها الصحراء، والدعوة إلى تفعيل مؤسسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والعناية بالطبقة الوسطى، وإنشاء الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، ومجلس المنافسة، وتعيين رئيسين لهما، ينتميان إلى اليسار، هما عبد السلام بودرار، وعبد العالي بنعمور. ولدى احتفال المغرب في العاشر من ديسمبر (كانون الاول) الجاري، بالذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، جاءت الرسالة الملكية الموجهة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لتعلن رفع التحفظات المسجلة بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، انسجاما مع التطورات الحاصلة في مجال التشريعات الوطنية المرتبطة بالمرأة، مثل مدونة (قانون) الأسرة، وقانون الجنسية وغيرهما.

وقبل ذلك، كانت الرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية للرياضة في الصخيرات (ضواحي الرباط) يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بمثابة تشخيص حقيقي للاختلالات التي يعاني منها المشهد الرياضي في المغرب.

وسجلت السنة الماضية مواصلة الأنشطة الاجتماعية لقرينة العاهل المغربي الأميرة للا سلمى، خاصة في ما يتعلق بمحاربة داء السرطان. كما سجلت التحاق الأمير مولاي الحسن، ولي العهد، بالمدرسة المولوية (المعهد الملكي) بالرباط، وتعيين عزيز الحسين، الوزير والسفير السابق، مشرفا على تربيته.

وكان لتوتر الوضع الاجتماعي بمدينة سيدي إفني (جنوب)، في يونيو (حزيران) الماضي، وما ترتب عنه من تدخلات للسلطات، ومداهمات للبيوت، دور في رسم صورة قاتمة عن واقع حقوق الإنسان في البلاد، غير أن تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية جاء متوازنا، وأعطى لمحات خففت من هذه العتمة، بتحميل المسؤولية فيما وقع للعديد من الأطراف، بدءا بمن أشعل الفتيل بمحاصرة ميناء المدينة، ومرورا ببعض ممارسات الأجهزة الأمنية. ونفى التقرير وقوع أية حالة للاغتصاب، أو أية وفاة، خلافا لما بثته قناة «الجزيرة» القطرية، مما أدى إلى سحب بطاقة اعتماد مدير مكتبها في الرباط، باعتباره مسؤولا عن بث أخبار غير صحيحة.

وخلال سنة 2008، ظل المهنيون الإعلاميون والفاعلون الحقوقيون يطالبون بضرورة الإسراع بإخراج قانون الصحافة إلى الوجود، و«استعجالية إدراج تعديل حرية الصحافة وحرية التعبير كأولوية في السياسات العمومية»، كما أكدت ذلك أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في ندوة خاصة بهذا الموضوع بالرباط، سجلت فيها تواتر المتابعات القضائية ذات الصلة بحرية الصحافة والتعبير.

وأثار اعتقال المتحزبين الستة على خلفية اكتشاف شبكة بلعيرج المشتبه بتورطها في قضايا الإرهاب، جدلا سياسيا وإعلاميا وحقوقيا كبيرا في المغرب، بحكم وضعهم ومكانتهم السياسية، وهم المصطفى معتصم، الامين العام لحزب «البديل الحضاري»، ومحمد الامين الركالة، الناطق الرسمي باسم نفس الحزب، ومحمد المرواني، الأمين العام لحزب «الأمة»، والعبادلة ماء العنينين، عضو حزب العدالة والتنمية، المعارض، ذي المرجعية الإسلامية، وحميد ناجيبي، رئيس شبيبة الحزب الاشتراكي الموحد المعارض، والإعلامي عبد الحفيظ السريتي، مراسل قناة «المنار» اللبنانية.

وفي خضم ذلك، وعلى طريقة الأفلام السينمائية الهوليودية، انسل قبل أشهر تسعة معتقلين منتمين للسلفية الجهادية قبل بزوغ خيوط الفجر الأولى، خارج أسوار سجن مدينة القنيطرة، بعد أن حفروا نفقا، بمنتهى السرية، كان هو بوابتهم نحو الفرار. ورغم إلقاء القبض عليهم لاحقا، وإخضاعهم للمحاكمة، فإن الظروف المحيطة بعملية الهروب مازال الغموض يلف جوانبها، ولم يتم الكشف بعد عن كل ملابساتها.

وفي الوقت الذي كشف فيه عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية «النصير» للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، عن وجود حوار بين مسؤولي الدولة وبعض معتقلي السلفية الجهادية، لمراجعة أفكارهم ومواقفهم إزاء السلطة والمجتمع، بغرض الإفراج عنهم، بعد تقدمهم بطلب العفو، لم يصدر أي رد فعل من الدولة التي حرصت على التزام الصمت، ولم تؤكد أو تنف وجود الحوار أو عدمه، ما ترك المجال مفتوحا للتكهنات والاستنتاجات التي لا تنبني على أي معطى رسمي. وتكثف الاهتمام سنة 2008 بقضية الصحراء، التي كانت حاضرة دائما في صلب التحركات الوطنية والرسمية، وبقيت مبادرة الحكم الذاتي مطروحة باستمرار، من لدن المغرب على طاولة الحوار، في إطار هيئة الأمم المتحدة، مؤكدا استعداده، على ألسنة كبار مسؤوليه، للتفاوض بشأن الحكم الذاتي كحل نهائي وواقعي وعملي للنزاع، خاصة بعد قبوله أخيرا للأميركي كريستوف روس، ممثلا للأمين العام الأممي.

وعلى صعيد آخر، لقيت الإصلاحات التي قام بها المغرب في العديد من المجالات صداها الواسع في الاتحاد الأوروبي، وذلك بمنحه موقعا متقدما، وهو مكسب تم اعتباره بمثابة اعتراف بالجهود والإصلاحات التي باشرتها الرباط على العديد من الواجهات. وشهدت الساحة السياسية المغربية انعقاد ثلاثة مؤتمرات سياسية لأحزاب مغربية هي «النهج الديمقراطي»، و«العدالة والتنمية»، و«الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية».

ولم يمر مؤتمر «النهج الديمقراطي»، ذو التوجه الماركسي اللينيني، دون أن يخلف وراءه الكثير من الغبار، بعد أن تليت رسالة في بداية أعماله موجهة من محمد عبد العزيز، الأمين العام لجبهة البوليساريو، ما خلف ردود فعل انتقادية من ممثلي بعض الجهات السياسية التي قامت بوقفة احتجاجية أمام مقر الحزب بمدينة الدار البيضاء، لانهم رأوا في ذلك مساسا «بإجماع وطني حول قضية الوحدة الترابية للبلاد».

ولاحظ متتبعو المشهد السياسي المغربي أن الأجواء التي سادت مؤتمر حزب «العدالة والتنمية»، والتي أدت إلى انتخاب عبد الإله بنكيران، أمينا عاما للحزب، خلفا للدكتور سعد الدين العثماني، تعد انتصارا للشفافية وروح الديمقراطية الداخلية للحزب. واستطاع حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» أن ينظم الجولة الثانية من مؤتمره العام، وينتخب هو الآخر قيادة حزبية جديدة على أساس برنامج سياسي تم الاتفاق عليه برسم المستقبل. وفاز عبد الواحد الراضي، بالأمانة العامة للحزب، على خلفية وعد كان التزم به مفاده التفرغ لإعادة بناء الحزب في حالة نيله ثقة أعضائه.

وبينما كان الاعتقاد الراسخ لدى الجميع، أن الراضي سوف يتخلى عن الحقيبة الوزارية للعدل، جاءت الأحداث مخالفة تماما لهذا التوقع، بعد أن استقبله العاهل المغربي، الملك محمد السادس، أخيرا، وطلب منه البقاء والاستمرار في مواصلة مهامه في وزارة العدل للاضطلاع بأمانة الإصلاح العميق للقضاء، علما بأن المطالبة بإصلاح هذا القطاع كانت في العام الماضي في عمق انشغالات القوى السياسية والمنظمات الحقوقية لارتباطه العميق بتكريس خيارت الديمقراطية، وترسيخ دولة الحق والقانون، وسيادة الأمن، وتحقيق التنمية عن طريق تشجيع الاستثمار، وضمان مناخ الاستقرار.

إلى ذلك، فقدت الساحة السياسية الحزبية والوطنية والرسمية خلال سنة 2008 بعض الوجوه والأسماء البارزة، ذات الإشعاع المضيء والرنين الخاص في الذاكرة المغربية، وهي عبد الكريم الخطيب، مؤسس حزب العدالة والتنمية، وعبد الصادق ربيع، الأمين العام للحكومة، وعبد الوهاب بنمنصور، مؤرخ المملكة، وأحمد بنسودة، مستشار العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، ومحمد العربي الخطابي، وزير الإعلام (الاتصال) سابقا، وأحمد الأخضر غزال، الباحث الأكاديمي واللغوي المعروف، ومصطفى عكاشة، رئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان).

وارتبطت السنة الماضية أيضا في أذهان المواطنين بوقوع كوارث طبيعية بسبب الفيضانات الناتجة عن غزارة الأمطار ما نتج عنه سقوط أرواح بشرية ووقوع خسائر مادية، همت العالم القروي والمدينة على السواء. وبخصوص الحوار الاجتماعي الذي جرت بعض أشواطه بين الحكومة واتحاد المقاولات وممثلي الاتحادات العمالية، فإن الآراء والمواقف بشأن تقييمه مازالت متضاربة، في ضوء ما يتردد من تسريبات لأخبار حول احتمال تأجيل مراجعة نظام الترقية الخاص بالموظفين إلى 2010، وتأجيل الزيادة في الرواتب إلى 2011. وعزت بعض المصادر ذلك إلى تحديات مالية نتيجة انعكاسات الأزمة المالية العالمية، علما بأن مسؤولين نافذين في الدولة أكدوا مرارا أن البلد في مأمن من تداعياتها. وخطفت تقارير المجلس الأعلى للحسابات الأضواء، بعد نشر مقتطفات منها في الصحافة، نظرا لفضحها للكثير من الاختلالات في التسيير والتدبير والمالي في العديد من المؤسسات.

وفي المجال الاجتماعي، وقعت عدة حركات ووقفات احتجاجية، إما ضد الغلاء، أو إضرابات وطنية في مختلف القطاعات مثل العدل والمجالس البلدية والتعليم وغيرها، وضمنها اضرابات الطبيبات الراغبات في الالتحاق بأزواجهن.

وقبل نهاية السنة تفجرت في مدينة الدار البيضاء قضية اللقاحات الفاسدة التي كان لها تأثير سيئ على صحة الأطفال، ما دفع بآبائهم إلى التنديد بها، والتهديد برفع دعاوى أمام المحاكم.

وفي الميدان الثقافي والفني والإعلامي يمكن اختزال أبرز أحداث السنة في تدشين أكبر مكتبة وطنية في تاريخ المغرب الحديث بالرباط، والإعلان أخيرا عن إنشاء القناة الأمازيغية التلفزيونية، وتوزيع بطاقة الفنان على أفراد الأسرة الفنية المغربية، إضافة إلى سحب المغرب لترشيحه لمنصب المدير العام لمنظمة اليونيسكو، حرصا منه على تماسك الصف العربي، وضمان أوفر الحظوظ لفوز ترشيح عربي موحد. وشغل الشيخ محمد المغراوي، رئيس جمعية «الدعوة إلى القرآن والسنة» الرأي العام الوطني، لفترة من الوقت، بفتواه الغريبة التي تبيح زواج الطفلة بنت التسع سنوات، والتي ندد بها المجلس العلمي الأعلى، ووصف صاحبها بأنه «شخص معروف بالشغب والتشويش على ثوابت الأمة ومذهبها»، وكان من تفاعلاتها إحالة القضية على القضاء، وإغلاق مقر الجمعية بمراكش، وكذا دور القرآن التابعة لها، وحجب الموقع الالكتروني لصاحب الفتوى. ولم يسكت المغراوي، فأدلى بتصريحات صحافية، تناقلتها مختلف المنابر الإعلامية، نفى فيها عن نفسه أن يكون مشاغبا، مشيرا إلى أنه على العكس من ذلك، محب للثوابت، ومسالم وخادم لها، على حد تعبيره.

ولكي تنتهي سنة 2008 نهاية مشبعة بكل عناصر التشويق والإثارة، كان لا بد لها من أن تشهد وقوع مفاجأة في المشهد السياسي من الوزن الثقيل، وهي إعفاء أحمد لخريف، كاتب الدولة (وزير الدولة) في وزارة الخارجية والتعاون من منصبه، بقرار من العاهل المغربي الملك محمد السادس، على خلفية حصوله على الجنسية الإسبانية، مما أثار الكثير من التساؤلات والتعليقات حول خلفيات ودواعي هذه الإقالة، ومازالت مستمرة حتى الآن، بحثا عن إجابة، رغم صدور بيان رسمي في الموضوع من لدن نفس الوزارة.