الجزائر في 2008: إلغاء حاجز التمديد لبوتفليقة وعودة أويحيى للحكومة

الإرهاب تعزز في النصف الأول من العام وجدل التبشير وصل إلى المحاكم والفيضانات أَضرت بغرداية الأثرية

برلمانيون جزائريون يقرون تعديل الدستور، برفع الأيدي، في 12 نوفمبر 2008 (رويترز)
TT

شهدت الجزائر عدة أحداث سياسية خلال عام 2008، كان أهمها التعديل الدستوري، وما تضمنه من إلغاء لبند منع الترشح لأكثر من فترتين رئاسيتين متتاليتين، إضافة إلى عودة أحمد أويحيى لرئاسة الحكومة بعد أن كان تركها (أو أبعد عنها) عام 2005، واستفحال الأزمة التي تعصف بأكبر حزب إسلامي في البلاد (حركة مجتمع السلم). كما عرفت تزايداً للإرهاب خصوصاً في النصف الأول من العام.

ورغم أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يعلن حتى الآن عن رغبته في الترشح لولاية ثالثة في انتخابات ابريل (نيسان) المقبل، فإن الجزائريين لا يساورهم شرك في ذلك، خصوصاً بعدما أقدم على التعديل الدستوري. وقد مس التعديل، الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه، وبالإجماع، في جلسة استثنائية في 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، ست مواد، إلا أن أكثر ما أثار اهتمام المتتبعين محليا وخارجيا، هو إلغاء المادة 74 التي تمنع الترشح لأكثر من ولايتين.

وقد شرح بوتفليقة سبب تعديل هذه المادة في خطاب وصف بأنه تبرير لرغبة في البقاء في الحكم، فقال في 29 اكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «إن الشعب يملك الحق في ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره، وأن يجدد الثقة فيه بكل سيادة، إذ لا يحق لأحد أن يقيد حرية الشعب في التعبير عن إرادته، فالعلاقة بين الحاكم المنتخب والمواطن الناخب هي علاقة ثقة عميقة متبادلة، قوامها التزكية بحرية وقناعة». وأضاف معبرا عن تمسكه بفترة رئاسية أخرى: «إن التداول الحقيقي على السلطة ينبثق عن الاختيار الحر الذي يقرره الشعب بنفسه، عندما تتم استشارته بكل ديمقراطية وشفافية في انتخابات حرة تعددية.. إذن للشعب والشعب وحده تعود سلطة القرار».

وأثارت التعديلات حفيظة قادة المعارضة، وأبرزهم العلماني سعيد سعدي والإسلامي عبد الله جاب الله ورئيس الحكومة الأسبق سيد احمد غزالي، الذين صرحوا للصحافة بأن مبادرة التعديل «تعكس ذهنية الرئيس في الدوس على الأخلاق خلال ممارسة السياسة»، بدعوى أنه استغل الصلاحية التي يمنحها له القانون لتعديل الدستور من أجل أن يبقى في الحكم. وقال سعدي إن «سجاد الولاية الثالثة أضحى مفروشا أمام بوتفليقة».

وبموجب التعديل الدستوري، الذي قرأ فيه كثيرون توجهاً نحو تعزيز النظام الرئاسي في البلاد بدلاً من النظامي البرلماني، تم استبدال منصب وزير أول بمنصب رئيس الوزراء.

وقبل التعديل الدستوري، كان الرئيس بوتفليقة قد أقدم في 23 يونيو (حزيران) أيضاً على تعديل جزئي في الحكومة، تم بموجبه تعيين أحمد أويحيى رئيسا للحكومة خلفاً لعبد العزيز بلخادم. وكان أويحيى قد رأس الحكومة لعدة مرات، آخرها عام 2003 قبل أن يستقيل (أو يقال) عام 2005 إثر خلافات بينه وبين بوتفليقة. وبموجب التعديل الحكومي، عين بلخادم «وزيراً للدولة ممثلا شخصياً لرئيس الجمهورية»، وبذلك عاد، حسب مراقبيين، إلى دور أحسنَ القيام به وهو التحدث باسم الرئيس بوتفليقة في ملفات مهمة.

سياسياً كذلك، استفحلت بداية من منتصف العام أزمة حزب «حركة مجتمع السلم»، التي انقسمت بعد مؤتمرها الرابع (مايو /أيار الماضي)، إلى جناحين أحدهما يتزعمه وزير الدولة رئيس الحزب أبو جرة سلطاني، والثاني يقوده وزير الصناعة الأسبق عبد المجيد مناصرة. وقامت وساطات من أجل التقريب بينهما، لكنها فشلت. ومن أشهر مساعي الصلح تلك التي أشرف عليها «الإخوان المسلمون» الذين تتبع «حركة مجتمع السلم» لهم فكريا. واتهم مؤسسو الحركة سلطاني «بتقسيم الحزب جراء التصرفات غير المسؤولة والاختلالات الخطيرة الصادرة عن مؤسسة رئاسة الحركة، وبعض المسؤولين والتي تضرب المنهج في لبه والمشروع في صميمه». أما سلطاني فيتهم خصومه بمحاولة الاستيلاء على القيادة ويتمسك بـ«شرعية المؤتمر الرابع» الذي منحه ولاية ثانية. ودعا مناصرة ورفاقه إلى «الاذعان لقرارات المؤتمر» الذي أزاح مناصرة والكثير من الأشخاص البارزين من مواقع القيادة، يشكلون حاليا كتلة من 100 عضو في مجلس شورى الحزب، يتوجس منها سلطاني كثيراً، حيث وصفها بـ «جيب معارضة» في الحركة.

أمنياً، شهدت الجزائر تصاعداً في العمليات الإرهابية، للعام الثاني على التوالي، وإن كان النشاط الإرهابي تقلص إلى حد كبير خلال النصف الثاني من 2008. فقد نفذ تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، أكثر من سبع عمليات انتحارية، كان أخطرها من حيث حصيلة الضحايا التفجير الذي استهدف ثكنة الدرك الوطني بولاية بومرداس شرق العاصمة، والذي خلف أكثر من 45 قتيلا. وكان ذلك الاعتداء واحداً من اربعة اعتداءات وقعت كلها خلال أسبوع واحد في شهر أغسطس (آب)، وخلفت نحو مائة قتيل.

وفي الربيع الماضي، زار الجزائر وفد من الأمم المتحدة للتحري في الظروف التي أدت إلى مقتل 18 موظفا أمميا، في هجوم انتحاري استهدف نهاية 2007 مكاتب الأمم المتحدة بالجزائر، خلف أكثر من 42 قتيلا. وانتقد وزير الداخلية يزيد زرهوني، تصريحات بعض أعضاء البعثة حول هوية منفذي التفجير، وقال للصحافة متهكما: «إذا كانوا لا يعلمون من هم، فإننا مستعدون لاصطحابهم إلى جبل سيدي علي بوناب»، في إشارة إلى مركز قيادة تنظيم القاعدة يقع شرق العاصمة.

واتسم نشاط الجماعات الإرهابية خلال عام 2008، على غرار العام الذي سبقه، بمواصلة اختطاف الأثرياء وأبنائهم وتكثيف الأعمال الانتحارية. وشهدت ولايات بومرداس وتيزي وزو والبويرة وبجاية، أكثرية حالات الاختطاف، ويفضل أهل المختطفين في غالب الأحيان، التعامل بأنفسهم مع الخاطفين ويدفعون لهم الفدية، ويتحاشون تبليغ قوات الأمن خشية تعريض حياة المختطفين للموت، ولكن بعضهم عرَض نفسه للمساءلة من طرف القضاء بسبب تجاوز القانون الذي يلزمه الاتصال بالأمن في مثل هذه الحالات.

ومن أشهر حالات الاختطاف التي جلبت إليها أنظار العالم، خطف سائحين نمساويين رهينتين من طرف القاعدة، لمدة ثمانية أشهر بالقرب من الحدود الجزائرية ـ المالية. وانتهت الأزمة بدفع الحكومة النمساوية (حسبما تردد إعلامياً) فدية قيمتها 2 مليون يورو، وأفرج عن فولفغانغ إيبنر وأندريا كلويبر وعادا إلى أسرتيهما. لكن السلطات الجزائرية تتخوف من أن تكون الفدية المدفوعة بمثابة جرعة أوكسجين، تسمح ببعث شراء الأسلحة والمتفجرات من الحركات المعارضة بدول الساحل الأفريقي، وعصابات تهريب السلاح في الصحراء الكبرى تحسبا لإيفادها إلى معاقل الإرهاب بشمال البلاد لاستخدامها في أعمال إرهابية.

وشهدت البلاد خلال العام الحالي تزايد الجدل بشأن ظاهرة التبشير، إذ تمت محاكمة عدد قليل (لا يتجاوز العشرة) بتهم ممارسة شعائر غير اسلامية في مكان غير مرخص له، حكم على أربعة منهم على الأقل بأحكام سجن موقوفة التنفيذ. وتمت محاكمة هؤلاء بموجب قانون صدر في 2006 يضبط ممارسة الأنشطة الدينية غير الإسلامية، وينص على عقوبة سجن تصل إلى خمس سنوات وغرامة بالعملة المحلية تفوق قيمتها 7 آلاف دولار، بحق كل شخص تثبت ضده تهمة التحريض أو إغراء أي شخص بهدف دفعه لتغيير معتقده الإسلامي. وينص القانون على نفس العقوبة ضد من يوزع وثائق مكتوبة أو مواد مصورة «تهدف إلى زعزعة إيمان شخص مسلم».

وفيما قاد الحملة ضد التبشير جهتان دينيتان، إحداهما غير رسمية هي «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» التي تتمتع باحترام كبير في الأوساط الإسلامية، والثانية رسمية هي «المجلس الإسلامي الأعلى» الذي يتبع مباشرة رئاسة الجمهورية، فإن عشرات المثقفين والمحامين وقعوا عريضة، نشرت في صحف جزائرية، تندد «بالتضييق على حرية المعتقد»، وتناشد السلطات وقف ما أسمته «حملة مسعورة ضد المسيحيين».

ولم تقتصر مصائب الجزائريين على تفجيرات القاعدة بل امتدت لتشمل كوارث طبيعية، إذ لقي 113 شخصا حتفهم وأصيب العشرات في فيضانات ضربت 19 ولاية في أواخر سبتمبر (أيلول) ومطلع أكتوبر (تشرين الأول). وكان لافتاً أن أثقل حصيلة سجلت في مدينة غرداية (600 كلم جنوب العاصمة) الأثرية ومحيطها في وادي المزاب، والجدير بالذكر أن غرداية مدرجة على قائمة منظمة «اليونيسكو» للتراث العالمي، وهي المدينة الواحة التي يتعايش فيها مع أربع بلدات مجاورة منذ قرون المزابيون الإباضيون والعرب السنة المالكيون.

اقتصاديا، نجحت الجزائر، الدولة العضو في منظمة أوبك، رغم الأزمة المالية العالمية، في تحقيق عائدات قياسية من المنتجات البترولية تصل إلى 80 مليار دولار بنهاية العام، وفائض تجاري يفوق 45 مليار دولار، وهذا لأول مرة منذ استقلال البلاد عام 1962. ومكنت هذه العائدات «التاريخية» مكنت الحكومة من استمرار دعم أسعار المواد الغذائية بحوالي 2.5 مليار دولار سنويا. ولم يتوان بوتفليقة في خطاب له في يوليو (تموز) الماضي عن انتقاد ما يقوم به المستثمرون الأجانب حيث دعا الحكومة إلى مراجعة خطط الاستثمار بالشكل الذي يمنع الشركات متعددة الجنسيات من بيع مشاريع لها في البلاد.

أما رياضياً، فقد سبقت الجزائر دولا عربية وأفريقية كثيرة إلى التألق في الألعاب الاولمبية الصيفية (بكين 2008) وسجلت اسمها على لائحة ترتيب الميداليات بفضل فضية عمار بن يخلف وبرونزية صورية حداد في رياضة الجودو. وتزامن ذلك مع تأهل منتخب كرة القدم الأول إلى الدور الأخير من التصفيات المزدوجة المؤهلة لنهائيات كأسي العالم وأفريقيا 2010.