اختبار مبكر لأوباما في قضية القطري المري

«المقاتلون الأعداء» ينتظرون حسم مصيرهم في مذكرة 20 فبراير المقبل

TT

بعد ما يقارب شهر من تسلم الرئيس المنتخب باراك أوباما لمهام منصبه في البيت الأبيض، يجب عليه أن يرسل إلى المحكمة العليا برأيه حول أهم وأشرس النزاعات القانونية التي ستخلفها إدارة بوش، وهي إمكانية أن يأمر الرئيس الجيش باحتجاز مواطنين شرعيين في الولايات المتحدة لأجل غير مسمى بدون توجيه تهم بارتكاب جرائم.

ومن المتوقع أن تؤدي المذكرة التي ستصدرها الإدارة الأميركية الجديدة في 20 فبراير، إما إلى إبهاج مناصري أوباما وتحفيزهم أو إثارة حنقهم وإحباطهم، حيث يتطلعون إليه للتنصل التام من الموقف القانوني لإدارة الرئيس بوش بشأن عمليات الاعتقال والاستجواب لمن يسمون بالأعداء المقاتلين المحتجزين في منشآت القوات البحرية في خليج غوانتانامو.

كان أوباما قد انتقد بشدة خلال حملته الانتخابية دفاعات الرئيس بوش عن السلطة التنفيذية، لكن عليه الآن أن يتعامل مع قضية محددة، هي قضية عليّ المُري، الطالب القطري الذي اعتقل في بيوريا في ولاية إلينوي في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2001، حيث تقول إدارة بوش إن المُري، الذي يعد المعتقل الوحيد على الأراضي الأميركية ممن سموا «بالمقاتلين الأعداء»، كان من بين خلايا القاعدة النائمة، وأنها تعتقله في سجن البحرية في تشارلستون.

ومن المتوقع أن تؤثر الأسس القانونية التي بنيت عليها قضية المُري في قضايا ما يقرب من 250 سجينًا في غوانتانامو حيث يشير الكثير من خبراء القانون إلى أن كل خيارات الإدارة الجديدة في قضية المُري محفوفة بالمخاطر، فمسؤولو الاستخبارات يقولون إنه بالغ الخطورة ما يجعل ترحيله أمرًا مشكوكًا فيه. كما أن تقديمه للمحاكمة بتهم جنائية سيكون صعبًا أيضًا، وذلك لأن بعض الأدلة التي انتزعت منه ربما يكون قد تم الحصول عليها من خلال التعذيب ولذا لن يمكن قبولها، إضافة إلى أن الحفاظ على نفس المسار في قضية المُري سيثير ناشطي الحريات المدنية.

يقول براندت غولدسميث أستاذ القانون في كلية الحقوق في نيويورك «إذا تبنت الإدارة الجديدة موقف إدارة بوش أو بعض أفكارها، فإن ذلك سيكون مثار خيبة أمل عميقة لجميع العاملين في الحقل القانوني بصفة خاصة والأميركيين بصفة عامة وأولئك الذين يعتقدون أن إدارة بوش حاولت قلب الرئاسة إلى ملكية». وقالت بروك أندرسون المتحدثة باسم أوباما «إنه سيتخذ قرارًا بشأن كيفية التعامل مع المعتقلين كرئيس عندما يتولى فريق الأمن القومي والفريق القانوني مهامهما».

هناك أيضًا العديد من القضايا البارزة على جدول أعمال المحكمة العليا ـ من بينها تلك التي تتعلق باللا أخلاقية على القنوات التلفزيونية، والعروض الدينية وحقوق التصويت ـ غير أن المتخصصين يرجحون إمكانية اللجوء إلى مسار تصحيحي وسط في قضية المُري.

ويؤكد تشارلز فريد وزير العدل في إدارة رونالد ريغان السابقة على ضرورة الاضطلاع بتلك التغييرات «لأسباب واضحة في قضية ملحة». وتتوافق وجهة نظر الإدارة الجديدة بشأن قضية المُري مع هذا المعيار. كان أوباما قد أجاب منذ عام مضى على استبيان، مفصل من بوسطن غلوب، يتعلق بآرائه حول سلطة الرئاسة، قال فيه: «أنا أرفض دعاوى إدارة بوش، بأن الرئيس يملك سلطة مطلقة بموجب الدستور في احتجاز مواطنين أميركيين دون توجيه تهم كأعداء مقاتلين غير شرعيين».

قد تبدو تلك النبرة التي تحدث بها أوباما قوية وصريحة لكن تطبيق وجهة النظر تلك بشأن قضية المُري ليست بتلك السهولة، فعلى الرغم من أنه كان موجودًا في الولايات المتحدة بصورة شرعية إلا أنه ليس مواطنا أميركيا، إضافة إلى أن قرار الكونغرس بمنح الرئيس سلطة استخدام القوة العسكرية، قد أعطى الرئيس السلطة التي قال عنها أوباما إنها لم تعارض من قبل الدستور وحده. وعلى صعيد مقابل، أشار أندرو مكارثي، المدعي الفيدرالي الأسبق، الذي دعم سياسة إدارة بوش في محاربة الإرهاب إلى أن يدي أوباما مكبلة وأنه لن يستطيع الاستمرار في الادعاء بأن اعتقال المُري قانوني. احتمالية نكوث أوباما بوعوده ليست المرة الأولى فهناك سابقة على عكس مسار بين الحملة وبين الرئاسة، فقد انتقد بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية عام 1992، مسلك إدارة بوش الأب في اعتراض اللاجئين الهايتيين في البحر وإعادتهم إلى بلادهم دون جلسات سماع طلب اللجوء السياسي، وعندما تولى الرئاسة بدل رأيه وأمر وزارة العدل بالدفاع عن السياسة في المحكمة العليا التي دعمتها في عام 1993.

يأمل مناصرو أوباما في نهج جديد ومختلف، يضمن عدم تجذر تلك القوانين التي ابتدعتها إدارة بوش. ويقول إريك إم فريدمان أستاذ القانون في جامعة هوفسترا وعضو الفريق القانوني للمُري «إن أجندة إدارة أوباما تتعامل مع الانتهاكات التي قامت بها إدارة بوش ضد سيادة القانون».

قال كلينتون في عام 1993 إن الحقيقة العملية تفوقت على النظرية القانونية. وفيما يتعلق بقضية المُري، فإن البدائل العملية للاعتقال العسكري يمكن أن تصم إدارة أوباما بأنها عاجزة.

كان أحد الخيارات ترحيل المُري إلى قطر لكن مسؤولي إدارة بوش قالوا إن ذلك سيكون خطأ جسيمًا. وقد كتب جيفري ناب مسؤول الاستخبارات الدفاعية في ملف المحكمة في عام 2004 «يجب اعتقال المُري لمنعه من مساعدة القاعدة في نشاطاتها بمهاجمة الولايات المتحدة وقواتها والمسؤولين الحكوميين والأفراد».

سيسر محامو المُري عند تحرير موكلهم لكنهم أيضًا شغوفون في ذات الوقت بإلغاء قرار محكمة الاستئناف في ريتشموند في يوليو (تموز) الذي يدعم قرار رئيس الجمهورية في اعتقال المُري كعدو محارب، وقد أكد جوناثان هافيتز محامي الحريات المدنية والذي يمثل المُري على كلتا النقطتين بالقول: «إذا ما نفذ الرئيس المنتخب باراك أوباما ما تعهد به فسوف يعاد حكم القانون، ومن ثم سينتهي الاعتقال العسكري للمُري وتتوقف المحكمة عن العمل بالقرار الذي يمنح الرئيس الحق في اعتقال المواطنين الشرعيين والأميركيين من منازلهم وسجنهم دون توجيه تهم لهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»