تزايد الطلب على نبات القات في الولايات المتحدة.. رغم منعه

أدى ارتفاع الطلب عليه إلى زيادة المواجهات بين ضباط شرطة المخدرات والمهاجرين

TT

في قلب تجمّع الأقلية الإثيوبية في واشنطن، التقى عدد من الأصدقاء بعد ساعات العمل في أحد المكاتب، وبدأوا بمضغ أوراق القات الجافة قبل أن يعودوا إلى منازلهم. وضع الشاي المثلج الحلو والصودا على منضدة خشبية وسط أكوام القات الأخضر، وهو نبات مخدر يزرع في منطقة القرن الأفريقي. وعندما دخل الليل أصبح الحديث أكثر سخونة، وتطرق الأصدقاء إلى الدين والعمل والسياسية. وفجأة توقّف أحد الرجال عن الكلام واتكأ على كرسيه. «انظر، إنها الورقة الخضراء»، هكذا قال موضحاً سبب النقاش المفعم بالحيوية بصورة غير عادية، وأمسك بالمزيد من الأوراق وضمها، ثم وضعها في فمه. منذ قرون طويلة، وأوراق القات التي يطلق عليها اسم «زهرة الفردوس» في دول شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، تستخدم كمادة منبّهة، ويسمح القانون باستخدامها في هذه البلدان. ولكن في الولايات المتحدة لا يسمح القانون بتناول القات. وقد أدى الطلب المرتفع على هذا النبات في مدن مثل واشنطن وسان دييغو، إلى تعزيز جهود تطبيق القانون وزيادة المواجهات بين ضباط شرطة المخدرات والمهاجرين الذين يبررون تناولهم القات، ويقولون إنه تقليد قديم. وخلال الأعوام القليلة الماضية، شهدت مدينة سان دييغو، حيث يعيش عدد كبير من السكان الصوماليين، زيادة قدرها ثمانية أضعاف في عمليات مصادرة القات. وبصورة عامة، فإن كمية القات التي تصادر سنوياً، وهي تدخل عبر موانئ الولايات المتحدة، قد ارتفعت خلال العقد الماضي من 14 طناً إلى 55 طناً. وأخيراً، انضمت كاليفورنيا إلى قائمة تضم 27 ولاية أخرى تحظر المادة الأكثر فعالية في نبات القات، وقدمت واشنطن العاصمة مقترحاً بتطبيق الإجراء نفسه. ويقول عبد العزيز كاموس، رئيس مركز الموارد الأفريقية في واشنطن دي سي «إنه موضوع حساس للغاية، فبعض الناس ينظرون إليه على أنه مثل المخدرات، بينما ينظر آخرون إليه على أنه كالقهوة، يجب أن تفهم جذورنا الاجتماعية، وكيف يُنظر إليه من قبل مواطنينا».

وقد أدت الزيادة في معدلات الهجرة من دول مثل أثيوبيا واليمن والصومال، إلى ارتفاع الطلب في الولايات المتحدة (على القات)، مما أدى إلى ظهور خلاف ثقافي. ويقول فني طبي من إثيوبيا يبلغ من العمر 35 عاماً وهو جالس مع أصدقائه في المكتب وأفواههم مملوءة بالقات: «لقد تربينا على ذلك، ولذا لا يمكن أن نقلع عنه».

ويعد القات في منطقة القرن الأفريقي وأجزاء من الشرق الأوسط، ممارسة عادية، حيث يتناوله الناس في المناسبات الاجتماعية أو في الصباح قبل الذهاب للعمل، كما يتناوله الطلبة خلال مذاكرتهم استعداداً للامتحانات. ويبعث هذا النبات إحساساً بالنشاط، وقد يصل الأمر إلى حالة من الهوس أو النشاط المفرط حسب الصنف ما إذا كان طازجاً أم لا. ولكن بعض الخبراء غير مقتنعين بالقول إن آثار القات الاجتماعية والصحية هينة. وقد خلص تقرير لمنظمة الصحة العالمية إلى أن تناول القات يمكن أن يؤدي إلى زيادة في ضغط الدم والأرق وفقدان الشهية، والإمساك ووهن عام في الصحة. وقال التقرير إن القات يمكن أن يتسبب في الإدمان ويفضي إلى مشاكل اجتماعية ونفسية. ويقول غريسون كورتني، المتحدث باسم إدارة مكافحة المخدرات «إنه ليس قهوة، وهو بالتأكيد لا يشبه القهوة، إنه المخدر نفسه الذي يستخدمه الأطفال الصغار الذين يذهبون ويطلقون النار على الناس في أفريقيا والعراق وأفغانستان. إنه يجعلك تحس أنك لن تُقهر، بالنظر إلى هذه الآثار، يمكنك أن تضع كلمة هيروين أو كوكايين بدلا من كلمة قات».

ويأتي القات من أوراق وجذور أشجار القات، ويجب أن يوضع في حاويات طوال الليل للحفاظ على مادته الفعالة، وهو يحتوي على مادة الكاثينون شبه القلوية، وهي تشبه في تركيبتها الكيميائية مادة الأمفيتامين ولكن لها نصف فعاليتها، بحسب ما يقول به ناصر ورفا، وهو باحث في الدراسات الثقافية المختلطة بجامعة كوين ماري في لندن.

وقررت المملكة المتحدة العام الماضي أن الأدلة لا تبرر حظر القات، ولكن في الولايات المتحدة أصبحت المادة غير قانونية بموجب قانون فيدرالي أصدر عام 1993. ومع ذلك، فإن إمدادات القات تتزايد بصورة مطردة في جميع أنحاء العالم، حيث تعتمد عليه دول مثل إثيوبيا وكينيا كمحصول تجاري مهم يدعم اقتصاداتها، ويعد القات في إثيوبيا ثاني أكبر سلعة تصدر ويأتي بعد القهوة. وقد ازداد تناول القات في سان دييغو لدرجة أن المشرّع جول أندرسون، العضو في الحزب الجمهوري، قدم مشروع قانون عام 2008 لضم مادة الكاثينون ومادة الكاثين المشتقة منه إلى قائمة المواد المخدرة المحظورة في ولاية كاليفورنيا، مثل الأفيون الخام والمورفين وأوراق الكوكا. ويوم الخميس الماضي، أصبحت حيازة القات جنحة في كاليفورنيا، يعاقب عليها بما قد يصل إلى السجن لمدة سنة وغرامة ألف دولار. كما أن حيازة النبات بغرض البيع أصبحت جناية يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. وفي بعض الحالات، كان يجري التعامل مع عمليات مصادرة القات بتوجيه تحذير إلى من يحوزه أو إصدار عقوبة في حقهم مع وقف التنفيذ ومراقبتهم. وفي حالات أخرى، كما حدث في مدينة نيويورك عام 2006، حيث تمت مصادرة 25 طناً من القات بقيمة 10 ملايين دولار في مداهمات على أماكن داخل المدينة، وسُجِن الجناة لمدة وصلت إلى 10 سنوات. يقول سائق تاكسي ولد في إثيوبيا وألقي القبض عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) في واشنطن دي سي خلال مداهمة لأماكن بها النبات «في رأيي، فإن (عمليات القبض هذه) خاطئة، إنهم يتصرفون كما لو كانوا يعرفون عن القات أكثر مما أعرف».

ويباع القات مجففاً مثل أوراق الشاي أو في صورة سويقات، ويبلغ ثمن الحزمة التي تحتوي على 40 سويقة 28 - 50 دولاراً. ويقول ستارلين محمود، وهو مهاجر صومالي يعد رسالة دكتوراه عن القات في جامعة سان دييغو، إن من مساوئ تناول القات ما يعتبر ذا صلة ببعض المشاكل الأسرية، من بينها العنف الأسري. في الواقع، يرحب الكثيرون بين الأقليات الشرق أفريقية الموجودة في الولايات المتحدة بالقيود المفروضة على القات. ويقول محمود «لقد عاينت ما يتسبب فيه (القات)، فالعائلات معدومة الدخل لا تتحمل تكلفته، ولذا فإنه يتسبب في الكثير من المشاكل بين الزوج والزوجة، لدرجة أن أي انفصال بين الزوجين سيكون نتيجة لذلك».

ومع ذلك، فليس هناك إجماع بين المشرّعين على الجهود المتزايدة لمقاضاة بائعي ومستخدمي القات. وتقول غلوريا نيجريت ماك ليود، السيناتور الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا، إن استخدام القات «مشكلة صغيرة، وقد تكون غير موجودة، أو هناك سوء فهم في التعامل معها»، ولذا صوتت ضد مشروع القانون الذي قدمه أندرسون. وأضافت «لا يمكن للسلطة التشريعية الاستمرار في إضافة المزيد من العقوبات دون النظر في تبعات ذلك، وكيف سيؤثر ذلك على كاليفورنيا».

ومع ذلك، فقد ارتفع تهريب القات داخل الولايات المتحدة ووصل إلى مستوى أكبر بكثير، مقارنة بمستويات تهريب المخدرات الأخرى، مثل القنب الهندي والكوكايين والهيروين والأمفيتامين. ويشعر مسؤولو تطبيق القانون بالقلق من أن استخدام القات يمكن أن ينتشر خارج المهاجرين إذا تم تكريره وأصبح أكثر قوة. ويقول المفتش بالبريد في سان دييغو فيل غارن: «لا أعتقد أننا سوف نرى المراهقين الأميركيين يمضغون النبات، ولكن بناء على ما شاهدته أرى أن القات سيمثل مشكلة كبرى إذا تم تكريره».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»