سوق الكتب في النجف: انخفاض في مبيعات الكتب الدينية.. والإيرانيون يقتنون كتبا عن صدام

بائع كتب لـ«الشرق الأوسط»: القراء بدأوا بشراء الكتب العلمية والأدبية وبجميع لغات العالم

عراقي يقتني كتابا من سوق الكتب بالنجف («الشرق الأوسط»)
TT

على مقربة من قبر الإمام علي، وسط مدينة النجف، يستوقفك زقاق ضيق عرضه لا يتجاوز 3 أمتار يسمى بسوق الكتب، وملامح محاله الخارجية توحي بالعصر الإسلامي، لما تحمله من نقوش إسلامية قديمة محفورة على أبواب المحال الخشبية، إذ مر على إنشاء السوق أكثر من 750 سنة،  كما يقول أصحاب المكتبات فيه.   فؤاد العباسي، 37 سنة، صاحب مكتبة أغلب كتبها علمية، يقول إن «نشاط بيع الكتب في هذا السوق، بدأ منذ أكثر من 750 سنة، بمجموعة من المكتبات الصغيرة، فضلا عن فتح محال الوراقين ومجلدي الكتب، ثم تطور الحال إلى فتح مكتبات عامة كبيرة في المدينة، يتم فيها تداول الكتب لغرض الثواب».

وفيما يخص إقبال القراء على الكتب يقول العباسي لـ «الشرق الأوسط» إن «الإقبال حاليا كبير على الكتب العلمية والرواية وكتب القانون، إذ  بدأ يزداد، كثيرا، الطلب على هذه الكتب، على عكس ما كان عليه في السنوات الخمس الماضية، خصوصا من رجال الدين».

 وحول رغبة رجال الدين في اقتناء الكتب العلمية والروايات، يقول العباسي «بدأ رجال الدين باقتناء الكتب العلمية والرواية، للاطلاع على أسلوب كتابة الرواية، وكيفية شد القارئ إليها، وهذا الأسلوب يخدمهم في  كتابة بحوثهم»، مضيفا أن «طلبة الحوزة يقتنون كتب الشعر بالفصحى والشعبي لتقوية إلقائهم خلال المحاضرات والدروس».   وأشار العباسي إلى أن «الكتب الدينية التي تصدر حديثا من علماء الدين  بدأ الإقبال عليها أكثر، كون أسلوب كتابتها حديثا ومشوقا أكثر للقارئ  من الكتب ذات الطباعة القديمة».   وأوضح العباسي أن «عزوف بعض القراء عن الكتب الدينية، جاء بسبب رجال الدين المحسوبين والدخلاء على الدين»، مضيفا أن «أغلب القراء اعتادوا على اقتناء الكتب الدينية، إذ لا يوجد بيت في النجف إلا وتوجد فيه عشرات الكتب الدينية، لذلك بدأوا بشراء الكتب العلمية والأدبية وبجميع لغات العالم».

  محلات السوق لا يتجاوز عرضها المترين، وبارتفاع متر ونصف  المتر، وتخرج منها مسقفات حجبت عن السوق ضوء الشمس، إذ عند دخولك السوق وأفرعه الضيقة، تحس وكأنك تسير في ممر مظلم.

 حسين السباك، صاحب مكتبة في السوق، مر على إنشائها أكثر من 300 سنة، ورثها عن آبائه وأجداده، قال إن «الإقبال حاليا على كتب التنمية البشرية كبير من قبل الطلبة والشباب، خصوصا الذين يعانون من مشاكل في حياتهم اليومية مثل، كتب: كيف تختار الأصدقاء، والتخلص من القلق والتعامل مع العلاقات الغرامية»، مضيفا لـ «الشرق الأوسط» أن «إقبالا كبيرا من قبل الشباب على مؤلفات  الكاتب الأميركي ديل كارنيغي، ومن أبرزها: دع القلق وابدأ الحياة، وكيف تتعامل مع الناس، وفن الخطابة، الذي يكون الإقبال عليه من قبل طلبة الحوزة الدينية».   وحول إقبال زوار دول الخليج والإيرانيين على شراء الكتب من هذا السوق، قال السباك إن «أغلب الزائرين للمدينة يقتنون المصاحف وكتب الأدعية إضافة إلى الكتب العلمية»، مضيفا أن «الإيرانيين دائما يحرصون على اقتناء كتب الرئيس السابق صدام حسين، وخصوصا كتاب: كنت ابنا للرئيس، المترجم إلى اللغة الفارسية». وتابع السباك يقول إن «كتاب (سنوات صدام) عليه إقبال كبير من الزائرين والعراقيين. ويتضمن الكتاب كيف كان الرئيس السابق يقضي وقته طوال اليوم، والجرائم التي ارتكبها، والأيام التي عاشها خلال السجن». وقال أحد رجال الحوزة الدينية الذي فضل عدم الكشف عن اسمه  لـ «الشرق الأوسط» إن «الكتاب المفضل لرجال الحوزة الدينية هو التاريخ الإسلامي لكل الطوائف الذي يمكن من خلاله الاطلاع على جميع المذاهب والاتجاهات الفكرية»، مضيفا أن «في مدارس الحوزة الدينية نعتمد على كتب التاريخ الإسلامي، وهذا يجعلنا نزور المكاتب يوميا لاقتناء الكتب الجديدة التي كانت ممنوعة من قبل حكومة النظام السابق».

وحول وجود كتب من طوائف أخرى في منهج دراسة الحوزة، قال المصدر «إننا ندرس كتب المذهب الحنفي أو الفقه السني في الحوزة الدينية ونحتفظ بها في مكاتبنا الخاصة والعامة، ولا يوجد لدينا فرق إلا في بعض القضايا»، مشيرا إلى أن «طالب الحوزة الدينية لا يقتصر على الكتب الحوزوية فقط، بل يقرأ الكتب العلمية والتاريخية والبلاغة وغيرها».

أما مرتضى جاسم، وهو أحد المثقفين الذين لا يفارقون سوق الكتب واعتبره بيته الثاني، قال لـ «الشرق الأوسط» إن «رغم ما تحتله الكتب الدينية من مكانة في المجتمع النجفي، فالآن بدأ إقبالنا يتزايد على العناوين الثقافية والأدبية، وخصوصا بعد أكثر من 30 سنة من الكبت والخطوط الحمراء على الثقافة، مما جعلنا متلهفين على قراءة كل شيء»، مضيفا أن «الكتب الغربية أخذت تجتاح بيوتنا للاطلاع على أسلوب الكتابة والتعرف على الحضارات الغربية»، مشيرا إلى أن «أغلب العراقيين كانوا منشغلين في هم الحياة اليومية، لكن اليوم تغير الوضع، وعلينا التعرف على العالم من خلال وسائل كثيرة».