حاخام في نيويورك يقدم دروسا في المحبة والتسامح في مسجد

كسر كراهية أشد المتعصبين بعبارة «هل تحتاج أن أوصلك إلى محل بقالة»

TT

بدأ الحاخام الجديد في كنيس «فري سيناغوغ» في حي فلشنغ خطبته التي ألقاها مساء الجمعة بتناول موضوع يعرف عنه الكثير، ألا وهو قوة الكراهية، والعلاج لها. كان الحاخام مايكل ويزر قد تحدث في وقت سابق من اليوم ذاته من داخل مسجد بمنطقة كوينز. وفي داخل المسجد، لاقى الحاخام ترحيباً حاراً من جانب الإمام الذي دعاه للحضور إلى المسجد إلا أنه أثناء خروجه من المسجد، وكان لا يزال يرتدي الطاقية المميزة لليهود، صاح شخص كان يقود سيارته بالقرب من المسجد، والواضح أنه ظن الحاخام ويزر مسلماً، بأن عليه العودة من حيث أتى، وذلك حسبما أخبر الحاخام الجمع المحتشد داخل المعبد. وقال الحاخام: «تنبع الكراهية من بعض مشاعر التحامل المكتسبة مسبقاً. وفقط عندما نخلق داخل أنفسنا الحاجة للكراهية، نختلق حينها أسباباً لتبرير هذه الكراهية أمام أنفسنا». ويعتبر الحاخام قائداً فريداً ينتمي لمنطقة استثنائية، فهو رجل حلو الحديث قدم من نبراسكا، التي ناضلت كثيراً في وجه جماعة كو كلكس كلان المتشددة، ويحاول حالياً إحياء معبد صغير بقلب بلدة كوينز المفعمة بالنشاط والحركة. ويعد كنيس فري سيناغوغ، وهو أقدم معابد الطائفة اليهودية الإصلاحية بالبلدة، رمزاً لماضي ضاحية فلشنغ الذي طواه النسيان تقريباً، عندما كانت المنطقة المحيطة بشارع مين مكدسة بمحال البقالة والملابس وبيع اللحوم المملوكة ليهود، بدلاً من المطاعم والمحال المملوكة لصينيين وفيتناميين وكوريين، مثلما هي الحال الآن. والآن، اختفت تماماً معالم الحي القديم. جدير بالذكر أنه خلال الثمانينيات من القرن الماضي، بدأ سكان ضاحية فلشنغ من اليهود في التناقص بصورة مستمرة، ما أفسح المجال أمام موجات من المهاجرين أدت إلى تحويل الضاحية لواحدة من أكثر الضواحي تنوعاً من حيث الأعراق التي تقطنها على مستوى البلاد. وأغلق آخر محال المنطقة المخصصة لبيع الأطعمة المباحة طبقاً للدين اليهودي، وهو فلشنغ ديلايت، أبوابه عام 1995. والآن، لا يرتاد فري سيناغوغ (الكنيس الحر)، الذي وصل عدد أعضائه منذ عقود إلى عدة مئات، سوى قرابة 100 شخص. ومنذ سنوات قليلة، تم إغلاق المدرسة الدينية التابعة للمعبد. ومع ذلك، تمكن المعبد من البقاء، ونجح في الاستمرار على مدار 91 عاماً والاحتفاظ بمجموعة من الأتباع المخلصين له منذ أمد بعيد. وينتمي الكثير من مرتادي المعبد إلى رجال ونساء في مرحلة الكهولة، يأتون للمعبد من مختلف أنحاء بلدة كوينز لتلاوة التراتيل والصلاة في المعبد المتميز بزجاج نوافذه الملون وقبته. بالنسبة للحاخام ويزر، 67 عاماً، فقد ترأس أول صلاة بالمعبد في مطلع سبتمبر. وكان التحاقه بهذا المعبد بمثابة عودة للوطن من جديد، حيث درس ويزر في السبعينيات في هبرو يونيون كوليدج بحي مانهاتن، حيث حصل على إجازة كقائد لفريق منشدي التراتيل في المعبد. وبعد عدة سنوات، تحديداً عام 2001، نال مرتبة حاخام. ويعتبر ويزر نموذجاً للمتناقضات، حيث يميل للتأمل، بينما يحرص على ارتياد صالة ألعاب رياضية خمس مرات أسبوعياً. في شبابه، قضى ويزر في السجن بضع سنوات بتهمة السطو على منازل في نيويورك ونيوجيرسي. وعلق ويزر على هذا بقوله: «مررت في شبابي بفترة تخبط بالغ. لكنها ساعدتني على تفهم بعض المشكلات التي يمر بها الآخرون». وقد ساعدت هذه التجربة على تلقينه درساً مهماً بشأن الكراهية ـ وأدى كذلك لتسليط الأضواء عليه على المستوى الوطني. عام 1991، كان يعيش بحي لينكولن في نبراسكا برفقة زوجته آنذاك، جولي مايكل، وثلاثة من أبنائهم الخمسة. في ذلك الوقت، كان منشداً للتراتيل وزعيماً روحياً في معبد ساوث ستريت، أقدم المعابد اليهودية في حي لينكولن. في صباح يوم من أيام الأحد، بعد أيام قليلة من انتقالهم لمنزلهم الجديد، رن جرس الهاتف في منزل العائلة. وخاطب الشخص على الطرف الثاني من الهاتف الحاخام ويزر بقوله «أيها الصبي اليهودي»، محذراً إياه من أنه سيندم على انتقاله للسكن بهذه المنطقة. وبعد يومين، وصل عن طريق البريد طرد يحمل منشورات مناهضة لأصحاب البشرة السمراء ومعادية للسامية، تضمنت بطاقة بريدية مكتوب عليها: «كو كلكس كلان تراقبكم، أيها الحثالة». واتضح أن هذه الرسائل قدمت من لاري تراب، عضو جماعة وايت نايتس (الفرسان البيض) التابعة لمنظمة كو كلكس كلان في نبراسكا، والذي احتفظ في شقته بحي لينكولن بأسلحة ومطبوعات مؤيدة لهتلر والزي المميز للمنظمة. في ذلك الوقت، كان تراب، 42 عاماً حينذاك، يعاني من العمى تقريباً ويستخدم كرسيا متحركا في التنقل لتعرض قدميه للبتر جراء إصابته بداء السكري. وخلال لقاء أجرته معه مجلة «تايم» عام 1992، قال تراب إنه رغب في بث الخوف في نفس الحاخام ويزر لدفعه للرحيل عن حي لينكولن. وأضاف: «باعتباري زعيم الولاية، حيث توليت رتبة غراند دراغون (التنين الأكبر)، قمت بأكثر من نصيبي من العمل لأنني رغبت في تحويل نبراسكا إلى ولاية مفعمة بالكراهية مثل نورث كارولينا وفلوريدا. وقد أنفقت الكثير من المال وتخليت عن سلوكي المعتاد كي أنشر الخوف». من ناحيته، ارتاب الحاخام ويزر في أن تراب هو الذي يهدده. وعليه، حصل على رقم هاتفه وشرع في ترك رسائل مسجلة له، مثل: «لاري، هناك الكثير من مشاعر الحب بالخارج ليس لديك أي منها. ألا ترغب في الحصول على بعض منها؟»، حسبما قال ويزر. وأضاف ويزر أن من بين الرسائل أيضاً «لاري، لم تحب النازيين كثيراً؟ لقد قتلوا أمثالك أولاً لأنك مقعد». ثم كان يغلق سماعة الهاتف. وفي إحدى المرات، أجاب تراب على الهاتف. كانت جولي، زوجة الحاخام، قد نصحته بأن يتحدث بلطف إلى تراب حال دخولهما في محادثة عبر الهاتف. وبالفعل، اتبع الحاخام نصيحتها. وقال لتراب: «لقد سمعت أنك مقعد، وأعتقد أنه ربما تحتاج إلى أن أوصلك إلى محل البقالة». وفي إحدى الليالي، رن جرس الهاتف وكان تراب المتحدث. وقال الحاخام ويزر عن المحادثة إن تراب قال: «أود التوقف عما أقوم به، لكن لا أدري كيف». في تلك الليلة، اتجه الحاخام ويزر وزوجته لشقة تراب. وتحدث الثلاثة لساعات وتكونت بينهم صداقة قوية. ومع تدهور الحالة الصحية لتراب، انتقل للعيش في إحدى غرف منزل الحاخام، وتولت زوجة الحاخام تمريضه وأصبحت مؤتمنة على أسراره. في النهاية، نبذ تراب منظمة كلو كلكس كلان، واعتذر للكثيرين ممن هددهم وأعلن تحوله إلى اليهودية داخل المعبد الذي عمل به الحاخام ويزر. وشكلت هذه العلاقة مصدر إلهام كتاب وضعته كاثلين واترسون عام 1995 تحت عنوان «ليس بالسيف: كيف أدى حب منشد وأسرته إلى تحول عضو بكلو كلكس كلان». وشهد هذا الكتاب إقبالاً من جانب مريدي كنيس فري سيناغوغ، اذ أشاع وصول الحاخام ويزر بينهم شعوراً بالتفاؤل وبعض التقاليد الجديدة، فقد بدأ الحاخام دروسا في التأمل يوم الثلاثاء، ووضع خطط لبرامج أخرى جديدة على أمل اجتذاب الأسر الأصغر سناً للمعبد. مساء الجمعة الماضي، اكتسبت قضايا الكراهية والتفاهم معنى أكبر مع تناول الحاخام مسألة تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقال الحاخام للجمهور المحتشد داخل المعبد إن الرب أخذ طمياً من الأطراف الأربعة للأرض ونفخ فيه الحياة ليخلق البشرية. وأكد أن: «ديننا يعلمنا أننا جميعاً خلقنا من العنصر ذاته». أما تراب، زعيم منظمة كلو كلكس كلان، فقد توفي داخل منزل الحاخام ويزر في حي لينكولن في سبتمبر (ايلول) عام 1992، بعد أقل من عام من لقائهما. وفي جنازته، تحدث الحاخام قائلاً: «لقد استغرب الناس فكرة أن العطف قد يصنع تغييراً. لكن حدث ذلك بالفعل بعبارة: أتحتاج أن أوصلك إلى محل البقالة؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»