مصادر إيرانية لـ«الشرق الأوسط»: حماس ستكون مثل حزب الله بعد حرب الصيف

استبعدت تدخلا مباشرا وقالت إن انتصار حماس سيجعل إيران اللاعب الرئيسي في أي تسوية مع إسرائيل * لاريجاني في دمشق اليوم

TT

«عندما تنتهي هذه الحرب، لن يكون توازن القوى في المنطقة كما كان قبلها»، قال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» حول تطورات غزة والتي يرى البعض في إيران أنها، فيما تهدد واحدا من أهم حلفاء طهران في المنطقة، وهي حركة حماس، إلا أن الحرب الاسرائيلية على غزة تخدم، ربما من حيث لا تدري اميركا او اسرائيل، مصالح إيران الاقليمية. ويأتي ذلك فيما قال مسؤول إيراني بالسفارة الإيرانية في دمشق، التي اصبحت مركز التحركات الدبلوماسية الإيرانية فيما يتعلق باحداث غزة لـ«الشرق الأوسط» ان رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني سيجري اليوم في دمشق مباحثات مع قادة فصائل المقاومة الفلسطينية حول الاوضاع في غزة، وتأتي زيارة لاريجاني بعد زيارة مماثلة قام بها رئيس مجلس الامن القومي الإيراني سعيد جليلي الى دمشق أول من أمس التقى خلالها مع مسؤول المكتب السياسي لحماس خالد مشعل ورمضان شلح رئيس حركة الجهاد الاسلامي وعدد آخر من القيادات الفلسطينية في دمشق، وترتبط مباحثات جليلي ولاريجاني مع الفصائل في دمشق بمحادثات مسؤولي الفصائل الفلسطينية في القاهرة لبحث صيغة لإنهاء الهجوم الاسرائيلي على غزة. وقال لواء رودباري مسؤول المكتب الصحافي في السفارة الإيرانية في دمشق لـ«الشرق الأوسط»: «هناك اتصالات ومبعوثون إيرانيون للمنطقة. السيد لاريجاني رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني سيقوم بزيارة الى سورية اليوم. كما أرسل وزير الخارجية منوشهر متقي رسالة الى نظيره المصري واعرب عن استعداد ايران لإقامة مستشفى ميداني لعلاج المصابين الفلسطينيين بالقرب من الحدود المصرية». غير أن رودباري استبعد، في اتصال هاتفي من لندن، تدخلا إيرانيا مباشرا في الحرب على غزة موضحا: «نحن واثقون ان المقاومة الفلسطينية في غزة تمتلك القدرة، والأهم الإيمان والإرادة اللازمين لمواجهة هذا العدوان». كما رفض الحديث حول موقف إيران من مقترحات اسرائيلية ـ أميركية تربط بين وقف اطلاق النار والاتفاق على آلية دولية لمنع حماس من اطلاق صواريخ داخل اسرائيل وتقييد تسلحها مستقبلا، موضحا: «هذا سؤال يطرح على حماس، لا يمكن أن تجيب عليه إيران. الأخوة في حماس هم الذين يوضحون موقفهم.. وفي كل الاحوال نحن ندعم توجها فلسطينيا مشتركا يصب في اتجاه تعزيز المقاومة ضد العدوان الصهيوني». وأوضح المسؤول الإيراني ان الرؤية الإيرانية لإنهاء التصعيد الاسرائيلي في غزة تقوم على محوريين رئيسيين: «أولا ايقاف العدوان. وثانيا فك الحصار عن غزة. هذا هو الاساس». من ناحيته، قال ماشاء الله شمس الواعظين الكاتب والمحلل الإيراني ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في طهران، إن عدم تدخل إيران، باستثناء الدعم المعنوي والسياسي، متعلق بضيق مساحة تحرك الدبلوماسية الإيرانية وثقتها في المقاومة. وأوضح شمس الواعظين، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من لندن: «أفسر هذا الموقف الإيراني من زاويتين. الزواية الاولى تتمثل بثقة طهران في قدرة المقاومة على التصدي للاحتلال الاسرائيلي. فحسب بعض التفسيرات الرسمية الإيرانية، المقاومة قادرة بالتدريبات التي حصلت خلال السنوات الماضية، والتعاون المثمر بينها وبين حزب الله والتجربة التي خاضتها حركة المقاومة اللبنانية، والتي انتقلت الى غزة. المقاومة قادرة بسبب كل هذا، وها هي تكرر نفس التجربة، واسرائيل تقع في نفس الاخطاء التي وقعت فيها في حرب تموز 2006. ولذلك القيادة الإيرانية ثقتها عالية بأن المقاومة ستتمكن من دحر القوات الاسرائيلية. التفسير الثاني الذي يفسر بطء الحركة الدبلوماسية الإيرانية. هذه الدبلوماسية على الصعيد الاقليمي وعلى الصعيد الدولي ضعيفة بسبب عدم الثقة الموجودة بين المجتمع الدولي وإيران. تعرف إيران أنه في هذه المرحلة يجب ان تعزل نفسها عما يجري في غزة بسبب ما قلت، اعتمادها وثقتها في المقاومة من ناحية، ومن ناحية اخرى عدم جدوى أي تحرك او نشاط إيراني على الصعيد الدبلوماسي الخارجي بسبب عدم الثقة بين الاطراف الدولية وإيران. لكن ثقة المقاومة في غزة والحركات الشعبية عالية جدا في إيران. رأينا الامين العام لمجلس الامن القومي الإيراني، جليلي، يسافر الى دمشق ويلتقي بخالد مشعل وشلح وجبريل، ويلتقي بالسيد حسن نصر الله في لبنان. هذا التحرك الإيراني هو السقف الموجود للتحرك الدبلوماسي الإيراني». وأشار شمس الواعظين الى ان مسار المواجهات في غزة حتى الان يشير الى أن حماس ستخرج منتصرة، موضحا: «هناك زاويتان لرؤية ما يحدث في غزة. الاولى وتعتبر العامل الحاسم وهي ميدان المعركة. مازلنا في اليوم الحادي عشر من المعركة. ولازالت اسرائيل تواجه مقاومة عنيفة من قبل المقاومة في غزة. ومازالت المدرعات والدبابات الاسرائيلية على مشارف غزة وهى لم تنجح في الوصول الى التوغل أكثر في عمق غزة وهذا ما لم يتوقعه الضباط العسكريون الاسرائيليون. فعادة وكما نعلم فإن اسرائيل عندما تدخل الحروب، تدخل لكي تحسم الحرب بسرعة قصوى لا تتجاوز أياما بعدد اصابع اليد، كما فعلت بالجيوش العربية إبان الحروب السابقة. لكن نقل التجربة اللبنانية الى غزة والى الفلسطينيين، أدى الى صعوبة مواجهة المقاومة الفلسطينية. فهناك قتلى في صفوف القوات الاسرائيلية، هناك مقاومة عنيفة، هناك تأييد واضح من الرأي العام في الأسرة الدولية مع غزة. اريد ان أقول إننا لسنا في موقع نتمكن فيه من تقييم نتائج المعركة في وضعها الحالي لأنها قد تستمر لأسابيع او أشهر. وأتوقع ان تتجاوز التاريخ المعلن لاجراء الانتخابات برلمانية في اسرائيل (10 فبراير المقبل). وهذا ما ستقوم به المقاومة حسب توقعي، إنها ستخلط الأوراق الاسرائيلية رأسا على عقب، وستغير الخريطة السياسية في المستقبل بسبب مقاومتها العنيفة. الزاوية الثانية هي أن إيران في موقفها الحالي، وهي تثق كثيرا في انتصار المقاومة، تعتقد أنها اللاعب الرئيسي في أي تسوية مقبلة ممكن أن تلجأ اليها اسرائيل بسبب خسارتها او عدم نجاحها في هذه الحرب». وتابع موضحا: «يمكن أن تقوم اسرائيل أو تقبل ببعض الوساطات التركية، تركيا تطلب مساعدة إيرانية لاقناع حماس ببعض التسويات السياسية. هذا ما لعبته إيران بالضبط في حرب تموز في عام 2006 بين حزب الله واسرائيل (وساطة قطرية بمساعدة إيرانية بين الاطراف اللبنانية المختلفة). يعني إيران تنتظر للعب دورها الحقيقي في الوقت المناسب. ولن تستجعل ايران الان, لانها تعرف أن المنافسين سوف يلجأون اليها عندما تنتصر المقاومة، لكي تقوم إيران بلعب دور أكثر فعالية لإقناع المقاومة بقبول بعض التسويات التي سيكون لها حظ اكبر من الامتيازات التي ستكسبها المقاومة من أي تسويات اخرى». وحول ما إذا كانت بعض دوائر المحافظين في إيران ترى الصراع في غزة جزءا من صراع اقليمي اكبر بين معسكر الدول المعتدلة من ناحية وايران وسورية وحزب الله وحماس من ناحية اخرى، أوضح شمس الواعظين: «أعتقد أن هذه تفسيرات تروجها اسرائيل كي تقول إن حماس تقوم بتنفيذ اجندة اقليمية على رأسها سورية وإيران. أعتقد أننا يجب الا نقع في هذا الفخ التفسيري الاسرائيلي. فما تقوم به المقاومة نابع من التطورات والضغوطات التي حدثت في غزة. هناك تفسير واضح للسيدة ليفني، وزيرة الخارجية الاسرائيلية، وهي أصدق رجالات السياسة في اسرائيل عندما تتكلم بوضوح عن الاستراتيجية الاسرائيلية وتقول: هدفنا هو اضعاف حماس وتعزيز التيار السياسي داخلها كي يتمكن من لعب دور سياسي في المستقبل، كما فعلت اسرائيل إبان هجومها على لبنان عام 1982 عندما وجهت ضربات قاصمة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعد ذلك تعزز موقع التيار السياسي أو الذين يعتقدون بأهمية الحل السياسي، على حساب الجناح العسكري في منظمة التحرير، وبعد ذلك توجت فكرة اوسلو وغيرها. لذلك وفي هذا الاطار، فإن ما يجري في غزة يجب ان نفصله عن باقي الوضع الاقليمي. لكن إذا كان السؤال: هل لسورية وإيران من المنظور الاقليمي والاستراتيجي مصلحة في ان تواجه اسرائيل المقاومة الفلسطينية في مجالها الحيوي الاستراتيجي؟ فالاجابة هي: نعم. هناك مصلحة استراتيجية لسورية ولإيران كي ينتقل الصراع للمجال الحيوي للعدو. وهذه استراتيجية بالاساس اميركية واسرائيلية. فهم الذين قاموا بالحروب الاستباقية. هذه الاستراتيجية رجعت عليهم وأصبحت ضدهم». وفيما ليس من الواضح ما إذا كانت ايران شجعت حماس على عدم تجديد التهدئة مع اسرائيل في ديسمبر الماضي أو دفعتها الى اطلاق الصواريخ التي تقول اسرائيل انها تحاول وقفها، رفض شمس الواعظين فكرة أن تكون استراتيجية ايران الدفاعية هي نقل المعركة للمجال الحيوي للعدو موضحا: «انا لا اريد ان أقول هذا، بقدر ما أريد ان اؤكد على المصلحة غير المباشرة لإيران في ان اسرائيل تقوم باستنزاف قواها في مجالها الحيوي بدلا من ان تقوم بالانتقال الى خارج حدودها ونقل الصراع الى خارج حدودها. هذه مصلحة طبيعية لإيران، وليس هناك دلائل او مؤشرات تشير الى ان إيران تقف وراء نقل هذا الصراع الى المجال الحيوي لاسرائيل لان العوامل المحلية هي التي تتحكم بالصراع هناك، هناك عامل فلسطيني، هناك حماس والجهاد الاسلامي. صحيح أن إيران تساند هذه الحركات، لكن هم الذين سيكون لهم الموقف الحاسم في المجالات العسكرية وفي مجال المواجهة أمام الآلة العسكرية الاسرائيلية». ويعتقد شمس الواعظين ان حركة حماس ستخرج من المواجهة مع اسرائيل منتصرة وأن ذلك سيغير طبيعة التوازنات في الشرق الأوسط. وتابع «في الاستراتيجيات العسكرية، عدم كسر ظهر حماس يعني انتصارا لها. وعدم تحقيق اسرائيل ما اعلنت عنه من أهداف لهذه العملية يعني خسارتها.. هناك نجاح واضح للمقاومة امام الالة العسكرية الاسرائيلية، لكن لنكن منصفين، لم نصل بعد للنقطة التي تحدد الان من هو المنتصر النهائي. المعالم تشير الى ان اسرائيل ستواجه صعوبات جمة لكي تنجح في تنفيذ خطتها العسكرية ضد حماس». وتابع: «حماس بعد الاجتياح الاسرائيلي ستكون غير حماس التي نعرفها قبل الاجتياح في الجوهر والاداء والموقع. وهذا ما يفسر النشاط الاوروبي-الاميركي المكثف لعدم نجاح حماس في هذه الحرب لان نجاحها يعني خسارة المحور العربي المعتدل والمحور الاوروبي والمحور الاميركي، كل هذه القضايا ستتغير في المستقبل. حماس بعد خروجها منتصرة، إذا ما اريد لها ان تنتصر في هذه الحرب، ستغير الكثير من المعادلات. داخل البيت الفلسطيني، فسيكون هناك تغيير للاستراتيجيات، في الكفاح الوطني، والسلطة في رام الله»، موضحا: «أعتقد أن حماس ستصبح على غرار حزب الله بعد حرب تموز في لبنان، سيكون لحماس اليد العليا في التفاعلات الداخلية الفلسطينية. هذه الحرب ستغير الكثير من المعادلات وستصبح حماس القوة الكبرى في الساحة الفلسطينية، التي هي ستقرر ما إذا كانت ستستمر في عملية التسوية على الشكل الذي تطلبه الحركة، ام ستستمر في نهجها المقاوم، وهذا ما سيقلب الكثير من الموازين في الشرق الاوسط. لذلك، ايران وفي رؤيتها الاستراتيجية لهذا المشهد، أعتقد أنه سيتعين عليها أن تجهز نفسها لمواجهة هذه المعادلة الجديدة. وأعتقد أنها وفي هذه المرحلة ستلعب دورا اساسيا في المستقبل عندما يتضح أن هناك تغييرا جيو- استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط بعد نجاح حماس في دحر العدوان الاسرائيلي على غزة، والذي سيترتب عليه تغييرات في مفهوم الامن الاستراتيجي الاسرائيلي او مفهوم عملية التسوية السلمية مع اسرائيل في اطار ما تقوم به السلطة في رام الله».