سعود الفيصل في منتدى الخليج 2009: نرفض أي مخطط يُحِيل دولنا إلى «أحجار شطرنج» في مساومات الآخرين

قال إن السلام لن يتحقق عبر ارتكاب إسرائيل المجازر.. وانتقادات في التجمُّع لإرث بوش

الأمير تركي الفيصل مع السفير الأميركي في منتدى الخليج 2009 بالرياض أمس (رويترز)
TT

وُجّهت خلال جلسات منتدى الخليج 2009، الذي بدأ أعماله في العاصمة السعودية الرياض، أمس، والذي ناقش موضوع العلاقات الخليجية - الأميركية، في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، انتقاداتٌ لاذعة لإيران ووكلائها في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي أبدى فيه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي رفْض دول الخليج الست القاطع، لأي انفراد بالهيمنة والنفوذ، أو أي مخططات تُحِيل دول الخليج وشعوبها إلى «أحجار شطرنج في مساومات الآخرين». ودعا سعود الفيصل الإدارة الأميركية الجديدة، إلى التعامل بشكل جدّي وسريع، مع ملف السلام في الشرق الأوسط. واعتبر أن الأحداث التي شهدها قطاع غزة، تثبت أنه «ليس هناك بؤرة من بؤر التوتر لا ترتبط، بشكل واضح وملموس، بفشل المجتمع الدولي، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، في تحقيق حل سلمي عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي، الذي طال أمده».

ورأى وزير الخارجية السعودي، أن التوصُّل إلى حلّ سلميّ للصراع العربي الإسرائيلي، أو حتى إحياء الأمل في قرب التوصُّل جديًّا لمثل هذا الحل، من شأنه أن يغير جذريًّا من مُجمَل معطيات بؤر التوتر والتأزُّم المتعددة، في كامل المنطقة.

ودعا الأمير سعود الفيصل، في كلمته التي ألقاها نيابةً عنه نزار عبيد مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية، إلى إزالة التناقض الواضح في السياسات الأميركية، بين السعي لتحقيق السلام، وإعطاء إسرائيل كلّ ما تطلبه دون قيود أو شروط، حتى لو أدى ذلك إلى تقويض جهود إحلال السلام، وتظل هذه العقدة المؤثّر السلبيّ الأكبر على مسيرة علاقاتنا مع الولايات المتحدة الأميركية.

وأضاف: «حتّمت أحداث السنين الأخيرة، أن تكثّف دول الخليج العربية مجالات تعاونها وتشاورها مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك لمواجهة تحديات ومخاطر بالغة الأهمية والتأثير، تشمل مخاطر الإرهاب الإجرامي العابر للحدود، الذي يستهدفنا جميعًا، وكذلك مخاطر القرصنة البحرية المتنامية، كما تشمل مخاطر عدم الاستقرار وتصاعد التوترات في كامل المنطقة المحيطة بدول الخليج العربية، من المثلث الأفغاني – الباكستاني – الهندي، إلى المثلث الفلسطيني - اللبناني – السوري، مرورًا، بالطبع، بالعراق وإيران».

وقال: «كنت أتمنى لو أن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض قد أتت وهذه التحديات والمخاطر في طريقها إلى المعالجة والانحسار، لكن الحقائق التي تفرض نفسها علينا جميعًا، تجعل من الضروري أن نحشد طاقاتنا وهِمَمنا لمواصلة التصدي».

وأشار الأمير سعود الفيصل إلى أن منطقة الخليج جزء لا يتجزأ من العالَمين العربي والإسلامي، ومن منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم فليس هناك على مدى الستين عامًا المنصرمة، صراع أكثر خطورة في مجرياته وتداعياته وتأثيراته، على أمن واستقرار الخليج والشرق الأوسط، من الصراع العربي - الإسرائيلي، ولعل الأحداث الأليمة التي يشهدها قطاع غزة في الأيام الحالية ترسّخ في أذهان جميع المتشككين أن هذه الحقيقة باتت من البديهيات التي لا تحتاج إلى برهان أو دليل، فإذا كنا نتحدث عن أسباب تنامي التطرف والإرهاب، أو عن مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، أو عن عوامل عدم الاستقرار في دول متعددة، أو حتى عن فرص التنمية والتحديث المُهدَرة، فسنجد، بكل يقين، أنه ليس هناك بؤرة من بؤر التوتر لا ترتبط بشكل واضح وملموس بفشل المجتمع الدولي، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص، في تحقيق حل سلمي عادل وشامل لهذا الصراع الذي طال أمده، وفي المقابل فإن التوصُّل إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي، أو حتى إحياء الأمل في قرب التوصُّل جديًّا إلى مثل هذا الحل، من شأنه، بالتأكيد، أن يغير جذريًّا من مجمل معطيات بؤر التوتر والتأزم المتعددة في كامل المنطقة.

وقال إن الجميع يدرك المعالم الأساسية لتحقيق السلام المنشود، وهي واضحة كل الوضوح في عناصر مبادرة السلام العربية التي تلتزم بها جميع الدول العربية، بل والدول الإسلامية أيضًا، بعد قمة مكة المكرمة الاستثنائية، وإذا كان الجميع يدرك معالم الحل المنشود، فإن الجميع بات يدرك أيضًا أسباب عدم تحقيق السلام حتى الآن.

وأكد أن «السلام لم ولن يتحقق عبر استمرار إسرائيل في ارتكاب المجازر والمذابح والقصف العشوائي بحق أبناء الشعب الفلسطيني، أو حين تعتبر إسرائيل -كما حصل ويحصل مِرارًا وتكرارًا- أن إراقة المزيد من الدماء الفلسطينية الطاهرة يُعَدّ من آليات المزايدات الانتخابية بين الأحزاب الإسرائيلية». كما أكد أن «السلام لم ولن يتحقق عبر التظاهر بإجراء مفاوضات مطوَّلة وغير مجدية، في الوقت نفسه الذي تنكث فيه إسرائيل بكل وعودها والتزاماتها، وتسارع لبناء المزيد من المستوطنات والطرق الالتفافية، لتغيير الحقائق على الأرض، بحيث يستحيل تصوُّر قيام دولة فلسطينية مستقلة مترابطة وقابلة للحياة والسلام المنشود، كما لن يتحقق بفرض العقوبات والاشتراطات على الشعب الرازح تحت الاحتلال في حين يتمّ إعفاء إسرائيل من أية تبعات».

وقال الأمير سعود الفيصل: «إذا أردنا أن نخاطب مباشرة، عبر هذا الجمع الكريم، الرئيس المنتخَب باراك أوباما، فإننا نقول له: لقد أكّد انتخابكم تميُّز وعمق التجربة الديمقراطية الأميركية، وأكّد شعارَ حملتكم الانتخابية القائل لطالبي التغيير إننا نستطيع فعلاً تحقيق ذلك معًا (yes,we can)، ونحن هنا نقول لفخامتكم إننا أيضًا نستطيع معًا تحقيق الاختراق المطلوب للوصول إلى حل سلمي دائم للصراع العربي - الإسرائيلي (yes, we can)، وإن جميع الدول العربية جاهزة ومستعدة للعمل بكل جدية ومصداقية في هذا السبيل».

وأكد على أن الترابط والتداخل بين ما نشهده من تحديات ومخاطر، ينسحب أيضًا، وبشكل مباشر، على منطقة الخليج، التي تشهد توترات وأزمات تهدد أمنها واستقرارها ومصالحها الحيوية، فالأزمات والتدخلات العسكرية التي اندلعت في كل من العراق وأفغانستان كانت لها آثار مباشرة وواضحة على اختلال التوازن التقليدي بين دول منطقة الخليج لمصلحة إيران، كما أن غضّ النظر طوال عقود عن البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي لا يتذرع حتى بإنتاج الكهرباء، بل لا ينتج سوى أسلحة الدمار الشامل، يمثّل خطيئة أصلية، كان من شأنها تحفيز إيران على المضي قُدُمًا في تطوير قدراتها النووية، وتمكينها من التذرُّع بازدواجية المعايير، لتبرير عدم التزامها بقرارات الشرعية الدولية في هذا المجال.

وقال: «إننا في دول الخليج العربية لا نكنّ سوى الاحترام والأخوّة لأبناء الشعب الإيراني العريق، ولما يمثّله من إرث حضاري عظيم، وثقافة راقية طالما تفاعلت وامتزجت مع الثقافة العربية الإسلامية، لكن من حقّنا أن نؤكّد أيضًا على أهمية الاحترام المتبادَل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، التي تُعَدّ من أبسط قواعد حسن الجوار وتنمية العلاقات، ومن حقّنا أن نعبّر بكل وضوح عن قلقنا المشروع، ومخاوفنا المبرَّرة، من أي تطورات تؤدّي إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج، أو تعرّض شعوب المنطقة لمخاطر بيئية وأمنية، ولعبثية سباقات التسلُّح، ومن حقّنا أيضًا أن نؤكّد رفضنا القاطع لأي انفراد بالهيمنة والنفوذ على حساب دولنا وشعوبنا ومصالحنا، أو لأي مخططات تحيل دولنا وشعوبنا إلى أحجار شطرنج في مساومات الآخرين».

وفي المنتدى أكّد الأمير تركي الفيصل السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، ضرورة أن يعمل الرئيس باراك أوباما على تفويت الفرصة على كل الجماعات الراديكالية، من أن تقوم بأعمال من شأنها زيادة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، مدفوعة بدول إقليمية في المنطقة.

وطلب تركي الفيصل من الرئيس المنتخب باراك أوباما، في رسالة بعثها إليه، حملت 5 نقاط، أن يعمل على تأييد مبادرة السلام العربية في سبيل تحقيق السلام بالشرق الأوسط.

وتضمنت رسالة الفيصل، الدعوة إلى انسحاب مباشر للقوات الإسرائيلية من مزارع شبعا في لبنان، لتزول بذلك قضية «التحرير الوطني» من ترسانة دعاية حزب الله، ويتلاشى، تبعًا لذلك، قدرة كل من سورية وإيران على التدخل في لبنان.

وتقاطعت الدعوات التي أطلقها أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية، للرئيس أوباما، بضرورة عدم سحب القوات الأميركية من العراق، تجنُّبًا لمخاطر الفراغ الأمني، مع مقترح تركي الفيصل، الذي دعا فيه أوباما إلى العمل مع مجلس الأمن الدولي، لإصدار قرار يضمن سلامة ووحدة أراضي العراق.

وشدّد الدكتور عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، على أهمية أن تعمل الإدارة الأميركية المقبلة، بالتنسيق مع الدول الخليجية، بشأن الترتيبات المستقبلية في العراق. وشدّد على أن دول مجلس التعاون لا تؤيد الحل العسكري لإنهاء أزمة الملف النووي الإيراني. وتحولت أولى جلسات التجمُّع الخليجي - الأميركي، إلى ساحة لإلقاء اللائمة ببزوغ نجم التطرف في منطقة الشرق الأوسط على إدارة بوش الراحلة. وقال تركي الفيصل، موجهًا حديثه إلى باراك أوباما: «إن إدارة بوش ورّطتك، وتورِّطك، في إرث تشمئزّ له النفس الزكية، وفي موقف أرعن، لِمَا يحصل في غزة من مجازر وسفك لدماء الأبرياء. كفى، كفى، لقد بلغ السيل الزُّبَى، كلنا اليوم فلسطينيون، نتوق إلى الاستشهاد في سبيل الله، وفي سبيل فلسطين، غير مبالين بأي تبعات، وفي خُطى من استُشهد من أطفال ونساء وشيوخ في غزة».

واتفق عبد العزيز بن صقر، مع وجهة الأمير تركي الفيصل، وأضاف أن السياسات الأميركية في ظل إدارة بوش كرّست صورة شديدة السلبية للولايات المتحدة في المنطقة العربية. وأكد أن التغيير الإيجابي في سياسة واشنطن تجاه قضايا المنطقة، هو العامل الحاسم بهذا الخصوص، وليس في حملات العلاقات العامة.

وشدّد تركي الفيصل، الذي يرأس مؤسَّسة الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، على ضرورة إشراك القوى الدولية المهمة ذات الصلة، في تحقيق نظام أمني جماعي في المنطقة، يستوعب، بالإضافة إلى دول المجلس ودول الخليج (إيران والعراق) ودول الجزيرة العربية، كلاً من أميركا والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والهند والصين ومصر وباكستان. لكن الدكتور مصطفى العاني، كبير الاستشاريين ومدير برنامج دراسات الأمن والإرهاب في مركز الخليج للأبحاث، نبّه إلى أن أي صيغة أمنية يمكن أن ترى النور بين دول منطقة الشرق الأوسط، لن تكون بمنأى عن مشاركة الولايات المتحدة.

وشنّ السفير الأميركي لدى السعودية فورد فريكر، هجومًا عنيفًا على إيران، معتبرًا إياها الخطر الأكبر في المنطقة. وقال «يجب تقويض طموحاتها». وأضاف أن «هناك إجماعًا دوليًا بهذا الصدد، وعلى إيران أن تفهم أنها ستكسب الكثير إذا ما حصلت على علاقات جيدة مع القوى الخارجية وبخاصة دول الخليج».

من جانبه أكد السفير الدكتور سعد العمار مدير معهد الدراسات الدبلوماسية في السعودية، على أن منتدى الخليج 2009، يكتسب أهمية خاصة، كونه يُعقد في ظروف شديدة الحساسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ويتيح فرصة ثمينة للحوار والتواصل والنقاش، للوصول إلى فهم مشترك بين الخليج وواشنطن، تمهيدًا لتقريب وجهات النظر حولها.

واتفق الأدميرال كيفن كوزغريف، من القيادة الوسطى في البحرية الأميركية، مع من اعتبر أن الاحتياطات الكبيرة من النفط والغاز الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، تجعل الأمن البحري حاجة ملحّة، مؤكدًا على أهمية إيجاد نظام أمني بحري شامل.