نص كلمة الأمير تركي الفيصل

السياسة الأمريكية والأمن الخليجي الإقليمي

TT

رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في منتدى الخليج 2009م العلاقات الخليجية – الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية. أود في البداية أن أشكر مركز أبحاث الخليج على دعوته الكريمة لي للحديث أمام هذا الجمع المتميز، وأخص الأستاذ عبدالعزيز الصقر لجهوده في تنظيم هذا المنتدى، والشكر موصول أيضاً إلى معهد الدراسات الدبلوماسية ومديره العام الدكتور سعد العمار للمساهمة في تنظيم هذا المنتدى في المملكة العربية السعودية.

السيدات والسادة: إن مسألة الأمن في منطقة الخليج بقدر ما هي مسألة إقليمية فهي مسألة دولية لما تحمله هذه المنطقة من أهمية استراتيجية واقتصادية ومالية. وهذه الأهمية التي تستدعي الحفاظ على أمن هذه المنطقة واستقرارها؛ هي لسوء الطالع، السبب وراء بقائها عرضة لعدم الاستقرار؛ إذ شهدت ثلاثة حروب كبرى خلال ربع قرن ما تزال تداعياتها أمامنا. وآمل أن لا تكون الحرب الرابعة خياراً للإدارة الأمريكية الجديدة لتزيد أسباب استمرار عدم الاستقرار وغموض مستقبلها. وهنا وقبل الحديث حول السياسة الأمريكية والأمن الخليجي الإقليمي أود القول أنني أؤمن إيماناً عميقاً بأن مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المهمة تقع أولاً وأخيراً على عاتق دول وشعوب هذه المنطقة إذ إنها هي صاحبة المصلحة الأولى في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي. ولهذا فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها إذ عليها أن تحقق وحدتها في جميع المجالات. وفي ظل مثل هذا التحدي الصعب تصبح وحدة دول وشعوب هذه المنطقة وتعزيز قوتها وإمكاناتها الدفاعية فرض واجب ومتطلب أساسي لضمان أمن هذه المنطقة. وبالإضافة إلى مسؤولية دول مجلس التعاون هناك مسؤولية أخرى تقع على عاتق دول الخليج الأخرى لا سيما إيران إذ عليها أن تكون أكثر إيجابية بالتعامل مع قضية أمن الخليج باعتباره مصلحة وطنية لها ولشعبها وباعتبار أن مسألة أمن هذه المنطقة مسؤولية جماعية وتحقيقه يقع على كافة أطرافه، وإن مسألة تملك السلاح النووي ليس ضمانة لتحقيق هذا الأمن والاستقرار بل هو مدعاة إلى الدخول في سباق تسلح ليس في مصلحة المنطقة أمنياً واقتصادياً فامتلاكها لهذا السلاح لا يعني أن دول الخليج الأخرى سترفع يديها مستسلمة للهيمنة والنفوذ الإيراني. وفي الوقت نفسه سيكون هذا السلاح مدعاة للتدخل الأجنبي غير الضروري الذي يهدد بأنه لن يقبل تملك إيران للسلاح النووي. كما أن عراقاً مستقراً ومتصالحاً مع نفسه ومع جيرانه سيكون له أبلغ الأثر على إستقرار المنطقة. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى إن رؤية المملكة العربية السعودية إلى الأمن الإقليمي الخليجي تقوم على أن أمن المنطقة مسؤولية كافة دوله. وهنا تحضرني دعوة وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، أمام منتدى الحوار الخليجي بالمنامة في عام 2004، لبناء نظام أمني جماعي لمنطقة الخليج يستوعب كافة دولها، إن إقامة مثل هذا النظام ضرورة لتحقيق التنسيق والتعاون بين دول المنطقة في المجال الأمني. وقد دعوت مؤخراً لإشراك القوى الدولية المهمة ذات المصلحة في تحقيق هذا الهدف إلى التفكير في إيجاد منظمة للأمن والتعاون في المنطقة تستوعب بالإضافة لدول مجلس التعاون ودول الخليج والجزيرة العربية الأخرى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والهند والصين ومصر وباكستان. وأن يكون من مهام هذه المنظمة معالجة قضايا عدم الاستقرار والأمن في المنطقة، ولإيجاد بيئة ثقة وآلية لكافة الأطراف لمناقشة قضايا أمن المنطقة بعيداً عن التهديد والوعيد.

أيها السيدات والسادة:

إن الدعوة إلى إيجاد نظام لأمن خليجي إقليمي لا ينبغي أن تتجاهل أن منطقة الخليج جزء من إقليم أوسع، وإن أمنه من أمن هذا الإقليم الأوسع لأسباب دينية وقومية ووطنية وثقافية. والتحديات التي يواجهها هذا الإقليم الأوسع تنعكس إيجاباً أو سلباً على منطقة الخليج. وهذا يجعل من مسألة تحييد أمن منطقة الخليج وعزله عما تفرضه التحديات القائمة في منطقة الشرق الأوسط مسألة مستحيلة ما لم توجد تسويات عادلة للتحديات الكبرى في المنطقة. إن قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي ما فتئت همجية ومجازر إسرائيل تدفع بالمنطقة إلى المزيد من عدم الأمن والاستقرار ومزيد من التطرف ومزيد من النفوذ للقوى الراديكالية من دول ومجموعات سياسية وهذا بكل المقاييس لن يسهل الوصول إلى ترتيبات للأمن الخليجي الإقليمي.

ومن التحديات الكبرى أيضاً التي لا تسهل العمل لهذه الترتيبات الوضع في العراق إذ لم تتضح بعد الخيارات السياسية للدولة العراقية ودورها الإقليمي، فالوضع بالرغم من كل المؤشرات التي تدّعي بتحسن الأوضاع لا تسمح بالبناء عليها لرسم صورة مستقبل هذا البلد المهم لأمن منطقة الخليج وأمن منطقة الشرق الأوسط.

أيها السيدات والسادة:

لقد كان أمن الخليج بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية مصلحة قومية وكانت السياسة الخارجية الأمريكية تعمل على هذا الأساس من خلال الحفاظ على توازن معقول بين ضفتي الخليج من خلال تعاونها مع دول المنطقة وخصوصاً إيران والمملكة العربية السعودية بوصفهما ركيزتا الأمن في المنطقة، قبل الثورة الإيرانية. وبعد ذلك من خلال التعاون مع دول مجلس التعاون العربية والعراق ليبقى التوازن قائماً. وكان دعم أمريكا للعراق خلال حربه مع إيران جزء من هذه الاستراتيجية التي أسهمت بتوفير توازن في مواجهة التحديات التي برزت خلال ثمانينات القرن الماضي وحيّدت إلى حد كبير مسألة أمن الخليج عن مشاكل المنطقة الكبرى. وكان من أسباب نجاح هذه الإستراتيجية التنسيق والتشاور والتفاهم والتعاون بين الولايات المتحدة وقيادات المنطقة. وفي التسعينات من القرن الماضي إتبعت أمريكا سياسة الإحتواء المزدوج (Dual Containment) تجاه إيران والعراق ومع بقاء المنطقة بدون حروب إلا أن هذه السياسة فاقمت الوضع السيئ في العراق بتجويع الشعب العراقي ولم تمنع صدام حسين من إثارة المشاكل، تارةً تجاه الكويت وتارةً أخرى تجاه الأكراد وأخرى تجاه سكان جنوب العراق. كما أن صدام أثار فتنة إمتلاكه الأسلحة النووية وبذلك مهد الطريق لإدارة بوش لشن حربها المشؤومه والتي لا تزال المنطقة تكابد لإطفاء نارها وإزالة آثارها. وفي هذا القرن فلقد أسهمت السياسة الأمريكية التي لم تأخذ بالاعتبار أراء شركاءها في منطقة الخليج خلال السنوات الثمان الماضية وخصوصاً بحربها في العراق في تغيير طبيعة التوازن الاستراتيجي الإقليمي في المنطقة إذ أخرجت العراق من معادلة التوازن الإقليمي الخليجي ومنحت إيران فرصة سمحت لها بتفوق استراتيجي تستغله لزيادة النفوذ والتأثير وبالعمل المتواصل لامتلاك السلاح النووي. وهذا التغيير في طبيعة التوازن يفتح الباب مشرعاً لكافة الاحتمالات المهددة لأمن منطقة الخليج لاسيما في غياب تسوية عادلة ونهائية للقضية الفلسطينية وغياب الصورة الواضحة للوضع في العراق.

إن أهمية منطقة الخليج للولايات المتحدة وطبيعة التحديات الأمنية القائمة تفرض على الولايات المتحدة مراجعة سياستها الخارجية تجاه قضايا المنطقة كافة إن أرادت أن تتمتع بدور قيادي في هذه المنطقة يحمي مصالحها ومصالح شركاؤها ويجعل سياساتها تسهم في إيجاد الحلول وليس في إيجاد المشاكل. وآمل أن تقوم الإدارة الجديدة بهذه المراجعة وتصحيح الأوضاع بما يعيد التوازن في المنطقة لإيجاد البيئة التي تسمح بقيام نظام أمن خليجي إقليمي.

لقد كتبت مؤخراً مطالباً الرئيس أوباما أن ينتهج سياسة شاملة تتعامل مع جميع القضايا الساخنة في المنطقة، وطلبت أن تقوم الإدارة الجديدة بالآتي:

1) تأييد مبادرة السلام العربية والعمل في سبيل تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

2) الدعوة إلى انسحاب مباشر للقوات الإسرائيلية من مزارع شبعا في لبنان. وبذلك ستزول قضية «التحرير الوطني» من ترسانة دعاية حزب الله وستتلاشى قدرة كل من سوريا وإيران للتدخل في لبنان.

3) العمل مع مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار يضمن سلامة ووحدة أراضي العراق لأن ذلك سيحبط طموحات أى سياسي عراقي لتقسيم العراق ويجبره على التفاوض للوصول إلى مصالحة وطنية، واضعاً مصلحته كعراقي قبل مصلحته كعربي أو كردى أو شيعي أو سني. وسيتصدى هذا القرار إلي أي طموح - اقتصادي أو جغرافي ـ يمكن أن يكون عند أي من جيران العراق.

4) تشجيع مفاوضات السلام الإسرائيلية - السورية. التي ستشرك سوريا في السلام وستمنع ما تقوم به إيران لإعاقة السلام بين العرب وإسرائيل وستجبر المجموعات الفلسطينية المتمركزة في سوريا على أتباع النهج السوري.

5) إعلان نية أمريكا للعمل من أجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، بمظلة أمنية وحوافز أخرى للدول التي توافق على ذلك ومعاقبة الدول التي ترفضه. مما سيزيل من يدي القادة الإيرانيين كرت المعايير المزدوجة التي يستخدموا لينالوا تأييد الشعب الإيراني لسياستهم النووية. وسينهي هذا أيضا الهموم الأمنية التي يبرر بها القادة الإسرائيليون امتلاكهم لأسلحة نووية.

أما اليوم، فأقول للرئيس المنتخب أوباما إن إدارة بوش ورطتك وتورطك في إرثٍ تشمئز له النفس الزكية وفي موقف أرعن لما يحصل في غزه من مجازر وسفك لدماء الأبرياء. كفى. كفى. لقد بلغ السيل الزبى. كلنا اليوم فلسطينيين نتوق إلى الإستشهاد في سبيل الله وفي سبيل فلسطين، غير مبالين لأي تبعات، وفي خطى من إستُشهد من أطفال ونساء وشيوخ في غزه، مستذكرين ومسترشدين بكلمات وعبرات شهيد القدس، فيصل بن عبدالعزيز حينما هب فينا قائلاً:

«أرجو أن تعذروني إذا أرتُجّ على. فأنني حينما أتذكر حرمنا الشريف ومقدساتنا تنتهك وتستباح وتمثل فيها المخازي والمعاصي والانحلال الخلقي فإني أرجو الله مخلصاً إذا لم يكتب لنا الجهاد وتخليص هذه المقدسات أن لا يبقيني لحظةً واحده على الحياة».