الحزب الديمقراطي منقسم حول اختيار بانيتا رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية

منتقدوه قلقون من قلة خبرته في مجال الاستخبارات.. ومؤيدوه يعتبرونه دما جديدا للوكالة

TT

أصاب الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما المجتمع الاستخباراتي الوطني بحالة من الذهول باختياره ليون بانيتا، رئيس فريق العاملين داخل البيت الأبيض في ظل إدارة بيل كلينتون، الذي لا يتمتع إلا بخبرة ضئيلة في مجال الاستخبارات، لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). ويعكس هذا القرار الذي قوبل أيضاً بحذر من جانب الكونغرس، الرغبة في تغيير هيكل السلطة داخل المجتمع الاستخباراتي، بحسب ما قالت مصادر مطلعة لصحيفة «واشنطن بوست». وأشار مسؤول مقرب من عملية انتقاء المسؤولين إلى أنه وقع اختيار أوباما على الأدميرال المتقاعد دينيس بلير لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، وهو منصب يسعى الرئيس المنتخب لتعزيزه باعتباره «الجهة الرائدة» في التعامل مع القضايا الاستخبارتية. وينظر الى بانيتا ،70 عاماً، على أنه مدير جيد يدرك طبيعة الهيكل البيروقراطي الحكومي. والمعروف أن بانيتا الذي خدم كعضو في الكونغرس طوال ثماني سنوات، وتولى إدارة منظمة فكرية في كاليفورنيا على مدار العقد الماضي، لا تربطه صلات ذات أهمية تذكر بالوكالة التي انتقدها أوباما لاستخدامها أساليب تحقيق قاسية. وأبدى بانيتا علانية اعتراضه على مثل هذه الأساليب، وقال في مقال نشره العام الماضي، ان الولايات المتحدة «يجب ألا تستخدم التعذيب تحت أي ظرف». يذكر أن أوباما واجه صعوبة في اختيار شخص لتولي هذا المنصب لأن المرشحين الآخرين تلطخت سمعتهم جراء تأييدهم لبعض جوانب برامج التحقيق والاستخبارات التي انتهجتها إدارة بوش. أما بانيتا، الذي تولى كذلك منصب مدير مكتب الإدارة وشؤون الميزانية في إدارة كلينتون، فلا تربطه صلات مؤسساتية بالوكالة الاستخباراتية وليست لديه خبرة سابقة في التعامل مع أصعب التحديات التي تواجهها، بما في ذلك جمع معلومات استخباراتية في الخارج. وبسبب افتقاره إلى هذه الخبرة الاستخباراتية، اعرب البعض عن شكوكهم في قدراته فور إعلان اختياره لهذا المنصب، خاصة السيناتور الديمقراطي من كاليفورنيا ديان فينستين، وهي الرئيسة القادمة للجنة المنتخبة داخل مجلس الشيوخ المعنية بشؤون الاستخبارات. وقالت فينستين، التي من المقرر أن تتولى من خلال منصبها الجديد الإشراف على جلسات الاستماع التي سيعقدها الكونغرس للتصديق على اختيار بانيتا: «لم يتم اطلاعي على اختيار ليون لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. لقد علمت بالامر من وسائل الاعلام. كان موقفي دوماً يقوم على قناعتي بأن السبيل الأمثل لخدمة الوكالة هو اختيار مهني متخصص بمجال الاستخبارات في هذه المرحلة». كذلك أعرب السيناتور كريستوفر بوند، العضو الجمهوري البارز المعني بالشؤون الاستخباراتية، عن مخاوف مشابهة حيال خبرة بانيتا. وقال: «في عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول)، تبدو مسألة التمتع بخبرة بمجال الاستخبارات شرطاً مسبقاً لتولي منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. من ناحيتي، سوف أتفحص بدقة خبرة ومؤهلات بانيتا بالمجال الاستخباراتي». في المقابل، أوضح مسؤول مقرب من عملية اختيار المسؤولين، أن أوباما سعى لتعيين شخص مستقل من خارج المجال الاستخباراتي لقيادة وكالة الاستخبارات المركزية على أمل استعادة الروح المعنوية هناك. ورغم أن بانيتا كان عضوا بالكونغرس عن ولاية كاليفورنيا لسنوات عديدة، ومثل الكثير من المسؤولين المعاونين لأوباما، سبق له العمل في إدارة كلينتون، يشدد عدد من المسؤولين الديمقراطيين على مؤهلاته الأحدث كرئيس لمركز معني بالسياسة العامة لا يتبع حزب بعينه، وهو معهد ليون وسيلفيا بانيتا للسياسة العامة، التابع لجامعة ولاية كاليفورنيا بمنطقة مونتري باي. وكان قد سبق لاوباما وأعلن أنه يريد ضم المزيد من المدنيين إلى الجهاز الأمني الوطني. وفي مارس (آذار) الماضي، وفي معرض إجابته على أسئلة طرحتها صحيفة «واشنطن بوست»، قال إنه يفضل تولي قيادة جديدة زمام الأمور داخل المجتمع الاستخباراتي بحيث «تسعى نحو تحقيق توازن أكبر بين المسؤولين العسكريين والمدنيين». وباختياره لبانيتا، يضع أوباما بذلك مسؤولاً مدنياً على رأس وكالة ذات أهمية جوهرية بمجال الاستخبارات الأجنبية، بينما استبدل أدميرال سابق بآخر على رأس مكتب مدير الاستخبارات الوطنية. يذكر أن كلا من بلير ومدير الاستخبارات الوطنية الحالي، مايك ماكونيل، متقاعدين من البحرية. وأشارت مصادر من الحزب الديمقراطي إلى أن الفريق الاستخباراتي الجديد سيتم الإعلان عن أعضائه رسمياً في غضون بضعة أيام. وأبدى بعض أعضاء الكونغرس تشككهم ليس فقط في خبرة بانيتا، وإنما أيضا في خلفيته الحزبية. وكان بورتر غوس، آخر عضو بالكونغرس يتولى منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، قد أثار عاصفة من الاعتراضات عندما استعان بالعديد من أعضاء الحزب الجمهوري في مناصب حيوية داخل الوكالة. وفي هذا الصدد، قال السيناتور جون روكفلر، عضو الحزب الديمقراطي، والرئيس المنتهية فترة ولايته للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ: «إن حاجة مدير وكالة الاستخبارات المركزية للابتعاد تماماً عن الانحياز لأي جانب سياسي وافتقار بانيتا إلى الخبرة بمجال الاستخبارات، يثيران قلقي». وخلال لقاء أُجري معه في مارس (آذار)، قال أوباما نفسه إنه شعر «بالتوتر جراء إضفاء صبغة سياسية على الاستخبارات في ظل هذه الإدارة والتحول الذي طرأ على المستويات القيادية بوكالاتنا الاستخباراتية». أما في الجانب الآخر، فهناك في الكونغرس من أبدى تفاؤلاً حذراً باختيار بانيتا. على سبيل المثال، حث عضو مجلس النواب بيتر هوكسترا، العضو الجمهوري البارز في لجنة الاستخبارات بالمجلس، أوباما على اختيار مدني لمنصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية كمؤشر على الشروع في مسار مغاير تماماً للماضي المضطرب الذي اتسمت به الوكالة، وأعرب عن ترحيبه باختيار بانيتا إذا ما نجح في إحداث «تغيير في ثقافة وكالة الاستخبارات المركزية». وقال: «بغض النظر عما إذا كان بانيتا الرئيس الجديد أو شخص آخر، من الضروري للغاية تحرك الوكالة نحو مسار جديد». في الإطار ذاته، قال جون ماكلوفلين، المسؤول الثاني بوكالة الاستخبارات المركزية في ظل إدارة المدير السابق جورج تينيت، إن انتقاء بانيتا «كان اختياراً جيداً للغاية». وقال: «ما يفتقده بانيتا من حيث الخبرة الاستخباراتية المباشرة، يعوضه وبدرجة أكبر بتمتعه ببصيرة ثاقبة وخبرة حكومية واسعة النطاق ومعرفة بكيفية جمع أجزاء مختلفة معاً ـ ما قد يشكل الصفات الأهم الواجب توافرها في مدير وكالة الاستخبارات المركزية. كما أن بمقدوره إقامة علاقة فاعلة مع المراقبين التابعين للكونغرس، وهو جزء حيوي في المعادلة الاستخباراتية». يعتقد أن قضية عنصر الخبرة لدى بانيتا ستكتسب أهمية أكبر بكثير حال اتخاذ ستيفين غيبس، نائب مدير الوكالة، قراراً بمغادرة منصبه أو أُجبر على ذلك، ذلك أنه يتمتع بخبرة طويلة في العمل كضابط عمليات لدى الوكالة داخل الشرق الأوسط، واضطلع بدور جوهري، مع رئيس الوكالة مايكل هايدن، في إعادة بناء الروح المعنوية داخل الوكالة، خاصة الخدمة السرية. وفي ظل عملية إعادة التنظيم التي جرت عام 2004 للمجتمع الاستخباراتي، تولى رئيس وكالة الاستخبارات المركزية أيضاً رئاسة الخدمة السرية الوطنية، ما منحه سلطة على كافة عمليات جمع الاستخبارات البشرية بالخارج، بما في ذلك التي تنفذها وكالة الاستخبارات الدفاعية والهيئات العسكرية الفردية ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وأكد مسؤولون أن جزءا من التأخير في إعلان أسماء أعضاء الفريق الاستخباراتي نبع من حاجة أوباما للشعور بالارتياح حيال اختياراته، وفي الوقت ذاته التعامل مع الاهتمام الذي ساد بين الديمقراطيين داخل الكونغرس حول ضرورة عدم تورط أي ممن يتم اختيارهم بصورة مباشرة في أساليب التحقيق القاسية، بما في ذلك الإيهام بالغرق، التي جرى استخدامها ضد المحتجزين.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»