بريق الماس يخفت في بلجيكا.. بسبب هجرة التجار إلى إسرائيل والهند

نسبة التصدير انخفضت 10 % والأزمة الاقتصادية تمثل صدمة للتجار

TT

في تجوالهم على دراجاتهم النارية أو سيرهم في شوراع مدينة إنتويرب وهم يتحدثون على هواتفهم الجوالة باللغات اليديشية أو الهولندية أو الفرنسية أو العبرية أو الإنجليزية، مهد اليهود الأرثوذكس في هذه المدينة البلجيكية الساحلية الطريق لسوق الماس النشيط منذ أكثر من قرن.

يعد شارع هوفينيير العمود الفقري لتلك السوق حيث تباع أربع أخماس الماس غير المصقول في العالم. يمر الشارع بمصنع «إل أند آيه للمجوهرات» ومكتب شركة «برينكس» للسيارات المصفحة، ثم مركز الماس العالمي المواجه لمعبد صغير للسفارديم (اليهود الشرقيين). وكل يوم ما عدا أيام الجمعة، ينتشر في الشارع بائعو الماس اليهود الأرثوذكس. ولكن اليوم، تبدو مصادر رزقهم، وربما أسلوب حياتهم أيضا، مهددة مع دخول أجانب الى مجال عملهم، وغالبيتهم من الهنود، ومنهم أيضا اللبنانيون والإسرائيليون والروس والكنديون وآخرون. وعلاوة على ذلك، فقد هاجر في الأعوام الأخيرة العديد من أصحاب المهن المتصلة بتجارة الماس، مثل تقطيعه وتهذيبه، بسبب ارتفاع الضرائب، إلى تل أبيب في اسرائيل، أو دول أخرى، خاصة الهند. وحاليا، تؤثر الأزمة المالية، والضربة التي تلقتها الولايات المتحدة، على تجارة الماس، وخاصة في موسم الإجازات، حيث تباع وتشترى كميات كبيرة من قطع الماس في العالم.

ويقول المتحدث الرسمي باسم مركز الماس العالمي فيليب كليس: «يباع نصف الماس المصقول في إنتويرب لعملاء من الولايات المتحدة. وتباع نصف هذه الكمية في الفترة بين أعياد الميلاد واحتفالات العام الجديد، مع بيع كميات أخرى حتى عيد القديس فالنتين. ما نراه هو انخفاض في التصدير بنسبة تزيد على 10 في المائة.. وهذا يعني وجود مشكلة».

وقال مستخرجو الماس من روسيا وجنوب أفريقيا إن عمليات توصيل الماس الخام للأسواق انخفضت بنسبة 40 في المائة. ويتحدث التجار عن تتابع الآثار، فعندما تتوقف مبيعات التجزئة يزداد توقف مبيعات الماس المصقول، وكذلك غير المصقول. وفي الشهر الماضي سرح المركز 24 موظفا من بين 320.

وقد دخل العديد من اليهود في تجارة الماس في أواخر القرن التاسع عشر، عندما هربوا من المذابح في أوروبا الشرقية. وكان كثير منهم في طريقهم إلى الولايات المتحدة، ولكنهم استقروا هنا في إنتويرب، حيث منعهم المرض أو قلة المال من عبور المحيط الأطلسي. وعلى مدى السنين الماضية احتموا من عواصف سوق الماس، بالهيكل الأسري الذي قامت عليه الشركات، حيث كانت تنتقل إدارة الشركة من الأب إلى الابن أو بين الإخوة.

يقول فريدي هانارد، 60 عاما، وهو تاجر ماس سابق يعمل الآن الرئيس التنفيذي لمركز الماس: «تعد الأصول التجارية هي إجمالي أصول شركة الماس. ونحن لا نتحدث عن استثمارات كبيرة في المعدات، لذا من المهم معرفة مع من تتعامل». ويمكن أن ترى التجار اليهود غالبا ما يحملون حقائب كبيرة معلقة بأحزمتهم، وتحتوي على كثير من مخزونهم. وحتى هذا اليوم، عندما تتناقل الأيدي قطعة من الماس، يقول البائع ـ بغض النظر عن خلفيته العرقية ـ باللغة العبرية «مازيل»، أي «حظ سعيد».

يعمل في هذه السوق حوالي 7 آلاف شخص، ويتيح أيضا 26 ألف فرصة عمل غير مباشرة من موظفي شركات التأمين والمصرفيين والحراس الأمنيين والسائقين. ولكن فقدت السوق 25 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة منذ السبعينات، كما يقول كليس، بسبب هجرة العاملين في تقطيع الماس وصقله إلى أسواق أخرى مثل مومباي وتل أبيب ودبي.

وعلى الرغم من الانتعاش الحالي، تظل إنتويرب مجتمعا يهوديا نشيطا. ويقول جوليان كلينر، 69 عاما، وهو رئيس المجمع الديني الذي يضم اليهود في بلجيكا: «هناك أماكن قليلة في الوقت الحالي يمكنك أن ترى فيها أسلوب حياة اليهود في القرنين 17 و18 في أوروبا الشرقية». وفي الحقيقة عندما تتجول اليوم في الأحياء اليهودية السابقة في المدن البولندية مثل كراكوف أو لودز ستجد أمامك أشباحا. ولكن شوارع إنتويرب تمتلئ في الحي اليهودي الأساسي، الملاصق لسوق الماس، بالحياة».

ويمتلئ محل جزارة موسكوفيتز الذي أنشئ في العام 1933، بالزبائن، وكذلك مطعم كينغ اليهودي في الجهة المقابلة من الشارع. وفي المساء يكتظ مطعم هوفي في شارع لانغ كيفي بالرواد، الذين يتبادلون الأحاديث بالفرنسية والهولندية، وغالبيتهم باللغة اليديشية، اللغة السائدة بين السكان. وتظل إنتويرب واحدة من المراكز القليلة في العالم التي تتحدث اليديشية. آري إبستيان، 33 عاما، هو ابن لتاجر ماس، هاجر والده من قرية في رومانيا في الستينات. ويقول مرتديا القلنسوة اليهودية وبذلة أعمال رسمية: «إنها نموذج لبيئة المدينة الصغيرة التي يسكنها اليهود. إنها تدعو إلى فكرة عش ودع غيرك يعيش. والأهم هو ممارسة العمل التجاري معا وعلى نحو جدير بالاحترام».

ومنذ عام تقريبا، طلب حاخامات اليهود الأرثوذكس من ميليش بايندينغر، 30 عاما، الذي تعود أصوله إلى نيوكاسل في إنجلترا، والمتزوج من سيدة من إنتويرب منذ عشرة أعوام، أن يقيم هيئات تقدم خدمات اجتماعية محلية، وخاصة جمعية الرخاء والرعاية الصحية لليهود. وأصبح لديه في الوقت الحاضر 200 رجل و150 امرأة من المتطوعين يعملون بشكل أساسي في زيارة كبار السن والمرضى، ويساعدون على إنشاء غرف في المستشفيات المحلية يستطيع اليهود الأرثوذكس فيها أن يشعروا بالراحة مع توفر مكان للصلاة أو القراءة ووجبات يهودية لتناولها.

ويقول، وهو يرتدي غطاء الرأس اليهودي، تحت قبعته السوداء العريضة إن كثيرا من كبار السن «من الناجين من الهولوكوست، ولديهم متطلبات ومشاعر خاصة، حيث تعود ذكرياتهم الحية إلى السطح. ونحن نحاول أن نصل إلى طريقة للتعامل في المجالات الحساسة».

ولكن الآن مع ازدياد شدة أزمة سوق الماس، تواجه المؤسسة تحديات أخرى.. يقول: «تشعر كل مؤسسة لا تستهدف الربح بأزمة الائتمان إلى حد كبير»، معترفا بأن المؤسسة «مثقلة بالديون». ويقول البعض، ومنهم إبستيان، إنه حتى مع الجمعيات الخيرية لن تعود الأحوال إلى سابق عهدها أبدا في سوق الماس. ويضيف: «عملية البيع والشراء ليست كافية. نريد محاسبين، ومديرين إداريين ومتخصصين في كل شيء».

وعلى الرغم من أنه نشأ في عالم تجاري من البيع والشراء نظرا لكون والده تاجر ماس، إلا أنه اختار دراسة القانون، ثم التحق بالإدارة في مركز الماس. ويقول إبستيان: «تمثل هذه الأزمة صدمة لتجار الماس، ولكن انتهى عصر محلات البقالة، وأصبحنا نعيش في عالم المتاجر الكبيرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»