على غرار واشنطن.. مشروع لجعل المنطقة الخضراء عاصمة فيدرالية للعراق

رئيس مجلس محافظة بغداد لـ«الشرق الأوسط»: سنتخلص من التقاطعات مع الحكومة

المنطقة الخضراء كما تبدو من على متن طائرة هليكوبتر أميركية («الشرق الأوسط»)
TT

تدرس الحكومة العراقية مشروع قانون لإقامة العاصمة الاتحادية لجمهورية العراق في المنطقة الخضراء، وسط بغداد، بعد أيام من تسليم الملف الأمني في المنطقة إلى القوات العراقية، وفقًا للاتفاقية الأمنية لانسحاب القوات الأجنبية التي وقّعتها العراق والولايات المتحدة العام الماضي.

وتقع المنطقة الخضراء، التي تضمّ مباني الحكومة العراقية وعددًا من القصور الرئاسية من عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، على ضفاف نهر دجلة في جانب بغداد - الكرخ، وتضمّ أيضًا منازل لكبار المسؤولين السابقين، وأخرى لأشخاص عاديين في حيَّي التشريع وكرادة مريم.

وكشف رئيس مجلس محافظة بغداد معين الكاظمي لـ«الشرق الأوسط» عن إمكانية إعلان المنطقة الخضراء عاصمة العراق الفيدرالية، بعد أن تضمّ إليها أجزاء من الأحياء المجاورة، متوقعًا أن تكون لها إدارتها الخاصة بعيدًا عن إدارة العاصمة.

وأضاف الكاظمي أن «المشروع متوقف على إقرار قانون العاصمة، الذي ورد في الدستور العراقي، وأن يتمّ تنظيم وضع العاصمة بقانون، ومن خلال هذا القانون تكون حدود هذه العاصمة الفيدرالية داخل المنطقة الخضراء، وما حولها من مناطق من الكرادة (جانب الرصافة من بغداد) والكرخ (الجانب الغربي من العاصمة). وفي حال تم تحديد حدود هذه العاصمة ستكون خوارجها من مسؤولية الحكومة المحلية متمثلة في مجلس المحافظة المنتخب المقبل».

وأكد الكاظمي أن «هذا التوجه سيخفّف عن الحكومة الاتحادية ويحمّل الحكومة المحلية مسؤولية كبيرة في المتابعة، لكن الأهم هو التخلص من حالة التقاطعات والإثنية مع الحكومة الفيدرالية، التي واكبت مسيرتنا خلال الفترة الماضية، مما أدى إلى ضياع المسؤولية في إدارة وضع العاصمة وعائدية أمانة بغداد، من حيث المتابعة والمسؤولية وانتخاب أمين لبغداد».

ونوّه الكاظمي إلى إمكانية أن يكون للعاصمة الفيدرالية مجلس محلي، لكن بشكل مصغَّر، وأن تكون له علاقة غير مباشرة مع مجلس المحافظة الأكبر، ليكون هناك تنسيق في مجال الخدمات المطلوبة لسكان العاصمة الفيدرالية، من خدمات بلدية ومشتقات نفطية وقضايا أخرى يحتاجها الأهالي داخل هذه المنطقة، والمفروض أن يقوم مجلس المحافظة لبغداد بأعضائه الـ57 بانتخاب محافظ لبغداد، وكذا الأقضية والنواحي التابعة للعاصمة، وأضاف أن «هناك مقترحًا يقضي بأنه إذا حُدّدت المساحة (أي مساحة العاصمة الفيدرالية الجديدة) سيكون هناك أمين للعاصمة الفيدرالية».

وقال الكاظمي «نحن نعاني من تداخل كبير بيننا، كحكومة محلية، مع الحكومة الفيدرالية، كما أننا شخّصنا وجود محاولات مباشرة من قِبل الحكومة الفيدرالية لتهميش أداء المحلية أو تهميش دورها، وبعض الأحيان مصادرة الجهود التي تبذلها الحكومة المحلية في تحسين الحياة في بغداد، والتقليل من صلاحياتنا، والتدخل في تسميات الشوارع والأحياء والخدمات المقدمة»، وأضاف أن «الحكومة الاتحادية تشكّل مثلاً لجنة لإعمار مدينة الصدر دون التنسيق معنا، أو تكلف السياسيين بـ(مهمّات) لخدمات بغداد، وكأنما لا وجود لمجلس منتخب من قِبل أهالي بغداد، وتعيين محافظ لبغداد وأمين لها، إضافة إلى ذلك تكليف الوزارات بخدمات ليست من واجباتها، بل من واجباتنا».

ومن جانبه قال صلاح عبد الرزاق عضو مجلس مدينة بغداد لوكالة الأنباء الألمانية: «ندرس حاليًا إقامة العاصمة الاتحادية للعراق الجديد في المنطقة الخضراء، وهناك مشروع قانون يجري الإعداد له». وذكر أنه «هناك فكرتان للعاصمة الاتحادية، ما العاصمة الاتحادية؟ هل هي بغداد بكل قواطعها، أم هي فقط المنطقة الخضراء التي ستكون العاصمة الاتحادية؟».

وأضاف عبد الرزاق الذي يشغل منصب مسؤول العلاقات والإعلام في مجلس محافظة بغداد «قدّمنا مشروع قانون لتشكيل العاصمة الاتحادية، يعني شيئًا يشبه مدينة واشنطن، وهذا يحتاج إلى خدمات ورئيس بلدية ورئيس مجلس بلدي ومجلس محلّي يرتبط بأمانة مجلس الوزراء، ولها ميزانية خاصة وتكون خارج سلطة مجلس محافظة بغداد».

وكانت القوات الأميركية قد استولت على المنطقة الخضراء واتخذتها مقرًّا لها ولإدارتها المدنية، بعد الغزو الأميركي للعراق وسقوط بغداد في 9 أبريل (نيسان) عام 2003، ونشرت المئات من قواتها في محيطها وأغلقت جميع الطرق المؤدية إليها وأحاطتها بكتل أسمنتية ضخمة وأسلاك شائكة، واتخذت من مقر القصر الجمهوري مقرًّا للسفارة الأميركية.

وسمحت القوات للحكومات العراقية المتعاقبة باتخاذ أبنية في المنطقة، لتكون مقارّ للحكومة وللبرلمان، كما سمحت للشركات الأجنبية وشركات الحماية الأجنبية وكبار المسؤولين بالسكن في دورها السكنية، بعد تردّي الأوضاع الأمنية في أرجاء البلاد.

ورغم التحصينات والإجراءات الأمنية المشددة، فإن هذه المنطقة تعرضت خلال أكثر من خمسة أعوام لعمليات قصف صاروخي وانفجارات بأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة، استهدفت بوّاباتها، وراح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، غالبيتهم من العراقيين العاملين في مجالات خدمات البناء والتنظيف.

وتتميز المنطقة الخضراء بوجود بوابات ضخمة بُنيت على شكل أقواس، بطراز إسلامي، وأخرى بُنيت على شكل قبة تمثل بيت المقدس في القدس، بُنيت جميعها في عهد صدام.

واقتطعت القوات الأميركية مساحة 100 هكتار في جانب شارع الكندي من المنطقة الخضراء، لتشييد أكبر سفارة للولايات المتحدة في العالم، حيث تضم 27 مبنًى بارتفاع أربعة إلى خمسة طوابق، تضم مساحات خضراء وملاعب ومناطق ترفيهية وقاعة للألعاب الرياضية يعمل فيها 1200 موظف، معظمهم من الأميركيين وعدد غير قليل من العراقيين.

وتتسع هذه السفارة لأكثر من 20 ملحقية تهتمّ بشؤون العلاقات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والهجرة والثقافة والفنون والشؤون القنصلية. وتولّت شركة كويتية تنفيذ مشروع بناء السفارة الأميركية خلال فترة استمرت ثلاث سنوات بكُلفة بلغت نحو 600 مليون دولار.

وذكر عبد الرزاق أن «المنطقة الخضراء إداريًا تابعة حاليًا لمحافظة بغداد، ولدينا داخل هذه المنطقة حيّ التشريع وحيّ كرادة مريم، وهذه المناطق كانت متروكة ولا يمكن الدخول إليها، وخدماتها لا تدار من قِبل الجانب العراقي، بل الجانب الأميركي، وفي الفترة الأخيرة حتى قبل التسليم قمنا بإعمار بعض الساحات من قِبل أمانة بغداد، وإنشاء نافورات».

وقال عبد الرزاق إن «المنطقة الخضراء تحتاج حاليًا إلى خدمات أكثر وتبليط شوارعها وأرصفتها، رغم أن هناك عوائق أمنية، منها انتشار الجدران الكونكريتية (الخرسانة المسلحة) بشكل كبير في كل أرجاء المنطقة، والتي تمنع العمل، وهناك مناطق بحاجة إلى خدمات التشجير والحدائق». وقال: «هناك أملاك موجودة في هذه المنطقة، يعود قسم منها إلى أمانة بغداد ومحافظة بغداد، ولا توجد حتى هذا الوقت سلطة فعلية عليها، ونأمل أن يكون هناك تعاون بين أمانة مجلس الوزراء المسؤولة عن أملاك المنطقة الخضراء، لحسم هذا الموضوع».

وقال عبد الرزاق: «هناك طلبات لإعادة ملكية الدور السكنية إلى أصحابها، وهي كانت مؤجَّلة لأن الكثير من هذه الأملاك تم الاستيلاء عليه من قِبل الجانب الأميركي وشركات أجنبية وجماعات أخرى دون إذن من أصحابها الشرعيين، ودون بدلات إيجار، وهناك خطط للحكومة العراقية بإخلائها وفق ضوابط».

ومن المنتظر أن تتولى قوات عراقية مسئولية الإدارة الأمنية داخل المنطقة الخضراء، إلى جانب عدد محدود من القوات الأميركية. وأعرب عبد الرزاق عن الأمل في أن «تُفتح كل الشوارع المغلقة داخل المنطقة الخضراء وفي محيطها، بعد تحسُّن الوضع الأمني الذي تشهده بغداد، ولم يعُد هناك مبرر لإبقاء هذه الشوارع مغلقة خلال العام الحالي، بالإضافة إلى رفع الكتل الأسمنتية».

وبحسب مصادر أمنية عراقية فإن السلطات الأمنية ستشرع في إزالة الكتل الأسمنتية، وإعادة افتتاح الشوارع المحيطة بالمنطقة الخضراء، بالقرب من فندق الرشيد باتجاه ساحة النسور في جانب بغداد - الكرخ، والاستعداد لإعادة افتتاح شوارع أخرى وفق المقتضيات الأمنية على الأرض.