القصف الإسرائيلي يحصد أرواح أسر السموني وأبوجبارة وأبوعيشة

لا حرمة لمنازل المدنيين ولا ملاذا آمنا للعائلات في غزة

احدى العوائل الفلسطينية التي فرت من منازلها ولجأت الى مدرسة تابعة لوكالة غوث اللاجئين في شمال غزة امس (رويترز)
TT

فوجئ عرفات السموني الذي يقطن عند التخوم الشرقية لحي الزيتون جنوب مدينة غزة ليل السبت الماضي عندما سمع طرقاً قوياً على بابه. لم يفتح الباب في بادئ الأمر، اذ استبد به الخوف وبعائلته مع تردد أصوات القصف والتفجيرات في الفضاء فتهتز معها جدار المنزل، بعد أن شرع الجيش الإسرائيلي في عمليته البرية. ومع تواصل الطرق، لم يجد عرفات بدا إلا التقدم نحو الباب وفتحه رغم قناعته بأن الجنود الاسرائيليين هم الطارقون، لكنه عندما فتح الباب فوجئ بالعشرات من أقاربه رجالاً ونساءً وأطفال يتحلقون حول الباب طالبين منه المكوث في المخازن المقامة في الطابق الأرضي من منزله بناء على تعليمات الجنود الإسرائيليين الذين طلبوا من جميع العائلات في المنطقة وجميعها من عائلة سموني التجمع في منزل عرفات. ظل النساء والأطفال والرجال في المخازن يومي الأحد والإثنين، من دون طعام ولا شراب، وبعد ساعات ظهر أول من أمس قرر إثنان من الرجال المخاطرة بالخروج من البيت لجلب الماء وبعض الطعام للأطفال الذين باتوا يتضورون جوعاً. وبالفعل غادرا المنزل، وعادا إليه بعد ساعة، واثناء انكباب الأطفال على أكل ما تم جلبه من خبز وبعض الجبن، فإذا بالمدفعية الإسرائيلية تطلق قذائفها وتدك المنزل دكا، لا سيما الطابق الأرضي حيث المخازن، فتقتل وتجرح العشرات من أفراد العائلة. بعض الرجال الذين كانوا في طرف المخزن ولم يصابوا فروا من باب المخزن الذي فتح من شدة القصف، وحاولوا مغادرة المكان لجلب طواقم الإسعاف، إلا أن الجنود الاسرائيليين الذين كانوا يراقبون المشهد، طلبوا منهم في البداية خلع كل ملابسهم، قبل ان يسمحوا لهم بالمغادرة لينطلقوا لإبلاغ طواقم الإسعاف بالقدوم لإنقاذ المصابين. وبعدما قدمت سيارات الإسعاف، فإذا بالجنود يطلقون النار باتجاهها، ولم يسمح بإخلاء الجرحى إلا بعد ثلاث ساعات. وقال حلمي السموني، 14 عاماً، الذي يرقد في مستشفى «دار الشفاء» بغزة إنه فقد والده وامه واخته الصغرى وشقيقه البكر وزوجته وابنته وإثنين من اعمامه. واضاف عرفات السموني صاحب المنزل، وهو أحد القلائل الذين نجوا من الاصابة في هذه المجزرة، أنه كان في البيت عندما قصف الجيش الاسرائيلي المنزل الذي كان يحتضن أكثر من مائة شخص. واما نائل السموني الذي نجا ايضاً من القصف فقال إن زوجته وابنتيه قد قضيتا في القصف، لقد اصبح الموت في ظل العدوان الوحشي الذي تشنه اسرائيل اصبح يباغت العائلات الفلسطينية من حيث لا تحتسب.

فلم يكن جهاد علي أبوجبارة، 55 عاما، الذي يقطن مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين، وسط قطاع غزة، الليلة قبل الماضية يعرف أنه وأفراد عائلته سيكونون ضحية القصف الإسرائيلي. فجهاد يقطن في قلب المعسكر، اذ ان منزله بعيد عن التخوم الشرقية للمخيم التي عادة ما تتعرض العائلات التي تقطن عندها للقصف. فبعد ان استمع لنشرة اخبار الساعة الحادية عشرة عبر المذياع للتعرف على آخر أخبار الغزو البري الإسرائيلي، خلد جهاد للنوم، وقبل ان يغط في النوم انهار منزله عليه وعلى ولديه باسم، 29 عاماً، وأسامة، 22 عاماً، فقتل الثلاثة على الفور، بينما نجا بقية أفراد الاسرة الذين كانوا ينامون في الطابق الأرضي من الموت المحقق.

ومن أقسى ما تعرضت له العائلات الفلسطينية كانت المجزرة التي تعرضت لها عائلة أبوعيشة في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة التي تروي مأساتها الطفلة دلال وهي الوحيدة التي بقيت من أفراد العائلة. بعد عصر الأحد الماضي علمت عائلة أبوعيشة أن قصفاً استهدف حي الزيتون قد أودى بحياة ربى ابوراس وهي بنت عمة دلال وصديقتها الشخصية، فأصرت على أن تتوجه لمنزل عمتها برفقة جدتها، وبالفعل ذهبت الى هناك رغم المخاطرة التي تنطوي عليها الطريق الذي يفضي الى حي الزيتون القريب من القوات الإسرائيلية الغازية، وهو ما جعل والد دلال وأعمامها يقررون التوجه لمنزل شقيقتهم صباح اليوم التالي. اضطرت دلال وجدتها للمبيت في بيت عمتها وهي لا تدري أن كارثة في هذه الأثناء تحل بعائلتها. ففي مساء ذلك أطلقت الزوارق البحرية الإسرائيلية ثلاث قذائف على منزل العائلة في مخيم الشاطئ، فقتل على الفور والدها عامر وأمها نهيل واشقاؤها سيد، 12 عاماً، ومحمد، 9 اعوام، وأحمد، 5 اعوام، وشقيقتها غيداء، 8 اعوام.

واقنعت هذه المجازر الكثير في غزة بالتخلي عن فكرة البحث عن أمكنة آمنة بعيداً عن القصف، فلا حرمة ولا أمان لأي شيء في غزة.