مسلمو ومسيحيو الضفة يصلون لأهل غزة ويأملون في نصر على إسرائيل

يروون أن الخاسر الأكبر من الحرب هو سلطة الضفة ويتابعون الأخبار بشغف

طفل فلسطيني ينظر من نافذة مدرسة تابعة للأونروا لجأ اليها مع اسرته هربا من العدوان الاسرائيلي امس (رويترز)
TT

غيّر مجرد الإعلان عن «بيان مهم» ستلقيه كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس في غزة، اول من امس، اهتمامات الناس، ومواعيدها في الضفة الغربية. البعض عاد مسرعا الى بيته، وآخرون تجمعوا أمام الشاشات في المقاهي والمحلات، واولئك الذين لم يتمكنوا من متابعة البيان، اتصل بهم اصدقاؤهم عبر الجوال ونقلوا لهم صوت ابو عبيدة الناطق باسم القسام، مباشرة. هذا المشهد لا يتكرر كثيرا في الضفة الغربية، ولم يوازه اهتمام آخر سوى متابعة ما كان يقوله حزب الله اثناء الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006.

الفلسطينيون مولعون بأي جديد قد يتحدث عن انتصار. وتوقع البعض ان تعلن القسام عن أسر جندي اسرائيلي آخر، ورجح آخرون ان تكشف الكتائب عن سلاح جديد، والبعض كان مهتما فقط لان يطمئن اكثر بأن المقاومة بخير. وكي تعرف اكثر ما يدور في القطاع عليك ان تسأل عن التفاصيل في الضفة الغربية. فالجميع يقضي وقتا اطول حول شاشات التلفزة، يتابعون عدة قنوات محددة فقط، ويتنقلون من واحدة لأخرى، يستمعون لعدة ساعات متواصلة لكل التفاصيل والاخبار، وما يقوله محللون. وقال علاء مهنا «لا نغادر شاشة التلفزيون ابدا، ونلتقي مع الجيران في كل مساء لمتابعة التطورات، أصبحنا لا ننام، ونصحو مبكرا من أجل متابعة أي جديد». أما شقيقه مهند فقال «أصحو احيانا مع الفجر، افتح التلفاز لكي اطمئن عن اي جديد في غزة». رنين الهواتف الجوالة لا يقف ابدا عند الجميع، الكل يسأل، كيف حال غزة، والذين لهم اصدقاء او اهل في القطاع لا يعرفون النوم، ويؤرقهم اكثر ان الاتصال بغزة صعب. وحتى شبكة الاتصالات في الضفة، تتعطل أحيانا مع ضغط الاتصالات.

بعد كل قذيفة يجب ان يطمئن سكان الضفة على أهاليهم، واذا ما تعذر الاتصال فانتظار الصور والأسماء عبر الفضائيات هو الحل الوحيد. وقال أحد عناصر الاجهزة الامنية، طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ «الشرق الاوسط»: «كل 5 دقائق اتصل بالقطاع.. لا استطيع النوم. بعد كل قذيفة وكل خبر اتصل بهم». مشاعره بدت مختلطة كثيرا، فقد قتلت حماس زملاء له واعتقلت آخرين، انه يريد هزيمتها، لكن ليس على يد الاسرائيليين، يجد نفسه مضطرا للوقوف الى جانب حماس، قال «لازم ينتصروا، خلي جماعتنا يتعلموا (السلطة) بس اذا انتصروا، احنا لوين رايحين شو راح يصير». واضاف «سأقول لك شيئا، البعض يخاف من انتصار حماس، هذا يعني انهم سيخرجون أقوى وأكثر شعبية وجماهيرية وهذا يؤثر على كثيرين في الحقيقة». أبناء فتح، اكثر من يراقب صمود حماس، سأل احمد تيم، عن سير المعركة، قال «الصورة ضبابية، اخشى اننا لن نرى مقاومة حقيقية، ويطلع كلو كلام في كلام». فرد عليه صديقه مازن، وينتمي ايضا لفتح، «حماس ستنتصر كما يبدو، هناك مقاومة حقيقية». كان الاثنان يناقشان انعكاس انتصار حماس على السلطة الفلسطينية، وخلصا الى ان حماس، في حربها هذه، ستحقق مكاسب أكثر، وان الخاسر الوحيد هو السلطة. وتتحول القصص الانسانية الى حديث الناس، وينهمك الذين يعرفون تفاصيل القطاع بشرح جغرافيته للآخرين، يقولون لهم ان تقسيم القطاع ليس انجازا، وان وصول الدبابات الى نتساريم عادي جدا، وان القول الفصل هو على مشارف المدن وفي مداخلها. في التاسعة مساء، تبدو الشوارع شبه خالية من المارة، لا مطاعم ولا سهرات ولا أسواق، وحتى في ذروة الاحتفالات الماضية والحالية، في الاعياد المسيحية الشرقية ورأس السنة، بدت شوارع الضفة حزينة، أطفأ المسيحيون شجرة الميلاد في ساحة المهد، والاشجار الصغيرة في بيوتهم أينما وجدوا.

ويوم امس قرروا ان تقتصر احتفالات أعياد الميلاد المسيحية الشرقية على الصلوات فقط، بدون أشجار مضاءة، وبدون زينة، او كشافة.

وفي القدس، وقف مئات المسيحيين في كنيسة مار ستيفان للآباء الدومينيكان حاملين الشموع بايديهم وأدوا صلوات بسبع لغات اجنبية (اليونانية، الارمنية، السريانية، الحبشية، الايطالية، الانجليزية، الفرنسية، والالمانية). وقال البطريرك الذي أمّ الصلاة، «نصلي من اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، كما نصلي من اجل إنهاء كل عنف ومعاناة حتى يتحقق السلام العادل». وقال البطريرك ميشيل صباح «إن ما حصل ويحصل في غزة هو حرام وهدية عيد قاتلة». واضاف «في سماء غزة نزلت صواعق الانسان على الانسان، والذي رأيناه، ليس فعل انسان خلقه الله على صورته ومثاله، بل الذي نراه هو تدمير للانسان في غزة وفي كل مكان، وتدمير لفلسطين كلها». وتابع «اجتمعنا لنصلي ولنضع مأساتنا أمام الله ولنتطلع نحو السماء، وليتطلع الاسرائيلييون الى السماء وينظروا ويسمعوا ما يقول الله وما هو السلام». ومن غزة أرسل الاب مانويل مسلم، راعي كنيسة اللاتين، رسالة الى المسيحيين في القدس وبيت لحم، قال فيها «من وادي الدموع من غزة الغارقة في دمائها، تلك الدماء التي خنقت الفرح في قلوب مليون ونصف مليون ساكن، أرسل اليكم كلمة الايمان والرجاء، أما كلمة المحبة فهي سجينة في حلوقنا نحن المسيحيين». واضاف «ان شعبنا في غزة يعامل معاملة حيوانات في حديقة حيوانات.. يبكي ولا أحد يمسح دموعه ولا ماء ولا كهرباء.. خوف ورعب وحصار». انشداد الناس، مسلمين ومسيحيين، غير عادي، هذا ما قاله الاعلامي يحيى نافع الذي يعمل في راديو «أجيال» في رام الله، الذي يتابع على مدار الساعة ما يدور في القطاع، مثله مثل كل وسائل الاعلام المحلية. وبحسب تجربة نافع فإن اهتمام الفلسطينيين بأي حدث قبل ذلك لم يكن على هذا المستوى من الاهتمام. وقال «عمال من اسرائيل يتصلون بنا يبلغوننا عن سقوط صواريخ، يتحدثون لنا عن تحركات سيارات الاسعاف الاسرائيلية، ويصفون لنا حالة الهلع في صفوف الاسرائيليين».

شيء آخر اثار انتباه نافع، «آلاف الاتصالات جاءت من كل مكان تطالب بالوحدة الوطنية، الناس قالوا كفى لهذا الانقسام بينما العدو يقتل في كل دقيقة فلسيطنيا» وتابع «كثير من الفلسطينيين يخجلون من هذا الواقع، فبينما اتحد الاسرائيليون مع الحرب بقينا منقسمين ومختلفين». هذا الانقسام، بلا شك، يدعو البعض لأن يلحق هزيمة بحماس، لكن حتى هؤلاء، متأثرون للغاية من مشاهد لا توصف للقتل الجماعي في غزة. البعض لم يجد طريقة للتعبير عن التعاطف غير جمع الاموال. وقرر الرئيس الفلسطيني خصم يوم عمل من الموظفين لصالح أهل غزة، بناء على طلب من نقابة الموظفين، وآخرون ذهبوا للمستشفيات من اجل التبرع بالدم، ووجهت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، امس، نداء إلى المواطنين للتبرع بالدم من فئة (O) لصالح مصابي وجرحى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

المساجد والكنائس ما زالت ترفع الأكف للسماء من أجل انتهاء العدوان. وبغض النظر عمن سيخرج منتصرا على الجبهة الفلسطينية، تبدو «هزيمة الاسرائيليين» أمنية مشتركة.