فرنسا تخشى من انتقال النزاع في غزة إلى داخل أراضيها

بعد التوتر بين الجاليتين الإسلامية واليهودية

TT

تتخوف السلطات الحكومية والأمنية الفرنسية من انتقال الحرب الدائرة في غزة إلى شوارع وأحياء المدن الفرنسية، وتحديدا إلى توتر بين يهود فرنسا ومسلميها. ويقيم في فرنسا ما بين 4 و5 ملايين مسلم ونحو 600 الف يهودي. ويتزامن تدهور الوضع في الشرق الأوسط أحيانا مع تصاعد للتوتر بين الجاليتين، الأكبر في أوروبا. واحترقت مساء الاثنين الماضي سيارة في تولوز بعد اصطدامها بسور كنيس قرب المدينة، حيث كان حاخام يعطي درسا لشبان. ولم تتبين اي صلة رسمية بين الحادث والمواجهات في قطاع غزة. ونبه الرئيس نيكولا ساركوزي الى ان فرنسا «لن تقبل ان يترجم التوتر الدولي أعمال عنف بين الجاليات»، مشددا على اهمية صون «الوحدة الوطنية».

من جهتها، قالت وزيرة الداخلية ميشال إليو ماري «الواقع ان الوضع الدولي يقلقني»، مضيفة «أخشى ان ينتقل هذا الوضع الى بلدنا، ويتم استيراد العنف». وجمعت اليو ماري مساء الاثنين ممثلين للجاليتين طالبة منهم السعي إلى «عدم انتقال التوترات على المستوى الدولي إلى داخل» فرنسا.

واعتبرت المفوضة العامة لفلسطين لدى الاتحاد الأوروبي ليلى شهيد ان الحادث «غير المقبول» في تولوز هو «نتيجة المشاهد الواردة من غزة».

وشهدت باريس نهاية الأسبوع الماضي مظاهرتين، إذ نزل عشرات الآلاف من الفرنسيين؛ وغالبيتهم من مسلمي فرنسا أو المتحدرين من أصول عربية إلى الشوارع للتنديد بما تقوم به إسرائيل في غزة تضامنا مع الشعب الفلسطيني. وفي اليوم التالي، تجمع يهود باريس قريبا من السفارة الإسرائيلية للتضامن مع ضحايا صواريخ القسام الفلسطينية ومع إسرائيل مما وضع الجاليتين وجهاً لوجه. وجاءت حادثة تولوز لتعيد إلى الأذهان حالة التوتر الشديد والاشتباكات والاعتداءات التي رافقت انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. وأفادت مصادر أمنية أنه مع بدء تدفق سيل الصور التي تظهر مشاهد العنف والقتلى والضحايا في غزة، تجمعت لدى الأجهزة المعنية مؤشرات مقلقة لتدهور العلاقة بين الجاليتين بعد مساعٍ قامَ بها الطرفان للتقارب وتوجت قبل أسابيع بدعوة مشتركة للتظاهر بعد تدنيس مقابر الجنود المسلمين في المقبرة العسكرية شمال فرنسا. ونقلت صحيفة «لوموند» في عددها أمس عن فؤاد علوي، أمين عام اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا وممثل هذه الهيئة لدى المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قوله إن «الدعم المطلق لإسرائيل (من قبل مسؤولي الجالية اليهودية الفرنسية).. يقود الى الخلط بين الجالية اليهودية وإسرائيل». ويرد الجانب اليهودي بالقول إن بيانات اتحاد المنظمات الإسلامية ووصفه ما يجري في غزة بأنه «محرقة لا سابقَ لها ضد الشعب الفلسطيني» غرضها «استيراد النزاع» إلى فرنسا. أما الأحزاب السياسية «التقليدية» فشددت على ضرورة تحييد الساحة الفرنسية والتزام الوحدة الوطنية. وتخوف المسؤولين يكمن في «تراكم» عوامل الانفجار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ورغبتهم في إبقاء أصداء ما يجري في غزة خارج الأراضي الفرنسية.

غير أن العنصرَ الذي ما زال يجمع الجانبين يتمثل في رغبة الجميع في نجاح المبادرة الدبلوماسية للرئيس ساركوزي للحصول على هدنة «إنسانية» ولو مؤقتة. غير أن أوساطا دبلوماسية، رغم عدم استبعادها تحقيق اختراق ما، فإنها في الواقع تستبعده، وذلك لسببين: الموقف الأميركي الذي يقف خلف إسرائيل ويسوق عنها كل المبررات لإعطائها الوقت الكافي من أجل تحقيق مكاسب عسكرية إضافية، والثاني «غموض» الأهداف الإسرائيلية الحقيقية وكذلك الشروط التي يمكن أن تقبل إسرائيل عندها وقفا للنار. وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن الغرض من الاتصالات الجارية إن في الشرق الأوسط أو نيويورك هو العمل للتوصل إلى مشروع قرار في مجلس الأمن يكون «متوازناً» بين المشاريع المطروحة من جهة ومطالب الطرفين من جهة أخرى. غير أن مصادر فرنسية رسمية توقعت أن يساومَ الإسرائيليون على انسحابهم من غزة من أجل فرض شروطهم والحصول على قرار دولي يكون متوافقا مع رؤيتهم للموضوع. وفي أي حال، ترى باريس أن المفتاح موجود في واشنطن وليس في نيويورك أو تل أبيب.