ديموغرافية غزة تغطي عيب جغرافيتها بالنسبة للمقاومة

مناطقها ذات كثافة سكانية عالية جدا

TT

استهدف الجيش الإسرائيلي في عمليته البرية التي شرع بها مساء السبت الماضي منطقة مدينة غزة وشمال القطاع، وكان اختياره لهذه المنطقة لتكون الهدف الاول له في العمل البري انطلاقا من قناعة بأنها المنطقة التي تشكل نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات اطلاق الصواريخ ضد التجمعات الاستيطانية في جنوب اسرائيل، سيما في المنطقة الممتدة بين مدينة غزة وجنوب بلدة بيت حانون، اقصى شمال القطاع. وأعلنت اسرائيل أن الهدف من حملة «الرصاص المتدفق»، هو وضع حد لعمليات إطلاق الصواريخ على اسرائيل من هذه المناطق. وتعتبر تضاريس قطاع غزة الجغرافية هي نقطة ضعفه في المقاومة فهي اراض سهلية منبسطة ومستوية، لا توجد فيها مناطق جبلية وعرة مثل جنوب لبنان، فهذه الجغرافية تجعل رجال المقومة مكشوفين تماماً أمام الجيش الاسرائيلي. لكن ما يغطي على عيبها الجغرافي هو قوتها الديمغرافية. فهذه المناطق ذات كثافة سكانية عالية جداً. وأن كان قطاع غزة هو المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم فإن المنطقة الممتدة بين مدينة غزة وشمال القطاع هي الأكثر كثافة في القطاع. فبين حي الزيتون، الذي يقع اقصى جنوب مدينة غزة وحتى حي العطاطرة، الذي يقع شمال غربي بلدة بيت لاهيا، اقصى شمال القطاع، منطقة ذات تواصل سكاني كثيف، وبالتالي فإن وقف إطلاق الصواريخ يعني السيطرة على مناطق ذات كثافة سكانية عالية، وهو ما يعني أن الجيش الاسرائيلي لا بد ان يقتل آلاف الناس حتى ينجح في السيطرة على هذه المنطقة.

في نفس الوقت فإن القتال في هذه المناطق يمثل ميزة استراتيجية كبيرة لرجال المقاومة الفلسطينية الذين بإمكانهم استهداف القوات الاسرائيلية المتقدمة من بين أزقة المخيمات والشوارع الضيقة في المدن، وهي المناطق التي تفقد فيها التكنولوجيا الحربية الإسرائيلية تفوقها النوعي. من هنا فإن الجيش الإسرائيلي يتحرك ببطء شديد بين الخط الفاصل بين اسرائيل والأحياء الشرقية من مدينة غزة والمناطق الريفية التي تقع شرق مخيم جباليا وشمال بلدة بيت لاهيا. ومع تطور مدى الصواريخ التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية، فقد اصبح بإمكان صواريخها إصابة المدن الاسرائيلية الكبرى والمستوطنات المحيطة بالقطاع حتى عندما تطلق من قلب التجمعات السكانية الفلسطينية في غزة وشمال القطاع، وبالتالي حتى لو سيطر الجيش الاسرائيلي على المناطق الريفية والاحياء الشرقية، ذات الكثافة السكانية القليلة نسبياً، فإن هذا لا يعني توقف اطلاق الصواريخ. ومع ذلك فإن تقدم الجيش الاسرائيلي في المناطق الريفية بطيء جداً. وكما تقول قيادة الجيش الإسرائيلي فإن هناك اعتقادا بأن كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس، اعدت «مفاجآت» على شكل منازل ملغمة وانفاق مفخخة، وغيرها من هذه الأساليب التي بإمكانها إلحاق الأذى بالجيش. ومن هنا اختار الجيش الاسرائيلي التمركز في المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة جداً التي ليس بوسع المقاومة أن توجد فيها موطئ قدم دائم بفعل عمليات التمشيط والقصف التي يقوم بها سلاح الجو الاسرائيلي، مثل منطقة المغراقة والاراضي التي كانت مقامة عليها مستوطنة نيتساريم جنوب غربي مدينة غزة، التي تقدم الجيش الاسرائيلي اليها من الحدود في مسار يتجاوز أي تجمع سكاني فلسطيني. والسيطرة على نيتساريم تشكل ميزة للجيش الاسرائيلي، فمن خلال هذه النقطة بإمكان الجيش أن يتقدم شمالاً باتجاه حي الزيتون، وجنوباً باتجاه المنطقة الوسطى من القطاع. أما بقية مناطق قطاع غزة، وان كانت ذات كثافة سكانية عالية جداً، فإنها اقل اثارة للاهتمام بالنسبة للجيش الاسرائيلي حيث لا يمكن منها اطلاق صواريخ قادرة على السقوط في مناطق مهمة. لكن منطقة رفح تشكل تحدياً خطيرا للأمن الاسرائيلي كونها تستخدم في إقامة الأنفاق التي تدعي اسرائيل أنها تستخدم في تهريب السلاح والوسائل القتالية.