الجيش الإسرائيلي استفاد في غزة من دروس حربه ضد حزب الله اللبناني

التكتيكات العسكرية تغيرت لكن الأهداف السياسية لا تزال غير واضحة

TT

تطبق إسرائيل في حربها الحالية ضد حماس دروسا تعلمتها من حربها الفاشلة عام 2006 ضد حزب الله في جنوب لبنان. فهذه المرة، قيادات الجيش الإسرائيلي في جبهة القتال، ولا يحاولون قيادة المشاة عبر شاشات التلفزيون؛ كما أن لدى الجيش الإسرائيلي خططا واضحة، تتكون من مراحل، استغرق إعدادها عاما كاملا؛ وهذه المرة، ليس هناك أوهام عن الانتصار في الحرب باستخدام الضربات الجوية وحدها؛ وهذه المرة، لا تتحدث رئاسة أركان الجيش إلى المواطنين، وصودرت كافة أجهزة التليفون الجوال من الجنود الإسرائيليين، وحيل بين الصحافة الدولية وبين ميدان القتال. وكان الفشل الذي مُنيت به إسرائيل في لبنان نتيجة لعجز سياسي ودبلوماسي عن تحديد أهداف واضحة لهذه الحرب. وفي هذا النطاق، نجد أن دروس لبنان لم تُطبق على نحو جيد، حسبما يرى مسؤولون بارزون في الجيش الإسرائيلي ومحللون سياسيون. كما أن هناك أحداثا مفاجئة يمكن أن تبدد الكثير من الحسابات المتأنية التي قد ترمز إلى ويلات الحرب، مثل الضحايا بين المدنيين باستخدام السلاح الإسرائيلي في قانا اللبنانية، كما حدث في عامي 1996 و2006، ومثلها الأنباء التي نشرت مساء الثلاثاء عن قتل ما يصل إلى 40 شخصا، بينهم أطفال، كانوا يلوذون بمدرسة تابعة للأمم المتحدة في شمال غزة. وبينما يقول مسؤولون إسرائيليون إن المدرسة كانت تستخدم لإطلاق قنابل، فإنه مما لا شك فيه أن القتلى سوف يغيرون من الاتجاهات في العالم، وسوف تزيد الضغوط على إسرائيل لوقف مبكر لإطلاق النار. ويقول مارك هيلر، مدير البحث في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب: «يحرص الجميع على القيام بالأمر على نحو مخالف لما وقع في 2006»، مشيرا إلى التحقيقات التي أجريت بعد الحرب التي قام بها الجيش نفسه، ولجنة فينوغراد، التي انتقدت القيادة السياسية والعسكرية آنذاك بسبب استعداداتها وأدائها الضعيف. وعلى الصعيد السياسي، ضمن رئيس الوزراء إيهود أولمرت أن مجلس الوزراء قد ناقش بشكل أشمل الحملة المقترحة على غزة، قبل التصويت على الحرب. وكان أولمرت حريصا بصورة كبيرة هذه المرة على التحدث عن أهداف متواضعة وغير واضحة، على عكس التعهدات المبالغ فيها قبل عامين بتحطيم حزب الله. ولكن، يرى الكثيرون أن عدم الوضوح سبب في الاختلاف السياسي والارتباك بين القيادات الإسرائيلية، يفضي إلى تنسيق ضعيف بين العمل العسكري والأهداف الدبلوماسية. وما زال من غير الواضح كيفية تحديد نهاية الحرب، وما يمكن أن يعد انتصارا. ويقول جيورا إيلاند، الجنرال السابق بالجيش والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن إسرائيل عجزت حتى الآن عن تحديد أهدافها النهائية من هذه الحرب. ويقول كذلك: «إما أننا نريد تحقيق ترتيبات دائمة، تشمل وقفا مستمرا لإطلاق النار ووقف تهريب الأسلحة من مصر، أو أننا نريد الإطاحة بحكومة حماس. يؤدي ذلك إلى عمليات مختلفة جدا على كل الجبهات، ولكن الإجابة غير واضحة، وهذه هي الخلافات في الوقت الحالي بين الثلاثي» يعني أولمرت، وباراك، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني. ويقول يوسي ألفر، محرر مشارك لموقع bitterlemons.org، وهو منتدى حواري فلسطيني إسرائيلي على شبكة الإنترنت: «إنها مشكلة قيادة، حيث فقد أولمرت الثقة فيه، ويُنظر إلى باراك على أنه عبقري استراتيجي، ولكنه يرتكب أخطاء بسيطة مصيرية، فيما لم تتم تجربة ليفني».

ويشير إيلاند إلى أنه كان هناك الكثير من التحسينات منذ عام 2006، خاصة في الجانب العسكري، «ولكن لم يكن هناك نفس القدر من التطور في الرابط بين المستوى السياسي والعسكري».

ويضيف: «لا يوجد نظام سياسي يجري تقييمات استراتيجية ويقدم البدائل وينفذها، وحيث إننا لا نستطيع تقرير مجموعة الوسائل والأهداف المناسبة، يظهر تخبط في الرسالة التي ننقلها إلى الآخرين».

ويقول ضابط بارز في الجيش، وهو حاليا في قوات الاحتياط، إنه على المستوى السياسي « لم تكن التغيرات على نفس القدر»، وأضاف أن الجيش «ما زال في بؤرة التفكير الاستراتيجي». ويقول إنه مع ذلك بالنسبة للجيش كان هناك تحسن كبير في التنسيق بين القوات الجوية والبرية، وظهر ذلك في تعليمات أكثر وضوحا لوحدات الجيش والطريق التي تتصل بها الاستخبارات بالجنود. كما أن قوات الاحتياط لديها قدر أكبر من التدريب في تكتيكات القتال في غزة ولديهم معدات أفضل، وتم استدعاؤهم في وقت مبكر. ويقول الضابط بالجيش: «لا تتغير تعليمات القادة كثيرا في اليوم الواحد». وأكثر من ذلك، فإن دفاع «الجبهة الداخلية» ضد الصواريخ تحسن، وهناك جهد أكبر للتغطية على النوايا الإسرائيلية. ويقول ألوف بين، وهو مراسل بارز مع صحيفة «هآرتس» اليومية إنه لتحقيق ذلك، تمت مصادرة أجهزة الهاتف الجوال من الجنود، ومنع القادة من الحديث إلى الصحافيين، حتى مع أصدقائهم، كما أن الصحافة الدولية منعت من غزة، ويصعب حاليا الوصول إلى الدوائر القريبة من مراسلي الشؤون السياسية والدفاعية الإسرائيليين، مقارنة بما كان يحدث في السابق.

ويقول الضابط البارز في الجيش: «لا يتحدث رئيس الأركان إلى الجمهور، والصحافة الخاصة تعرف ما تريد معرفته، ولكن لا يتحدث الجيش». وما هو أكثر أهمية أن الجيش كان يعلم أن هناك حربا ضارية سوف تحدث في غزة، على عكس المفاجأة التي حدثت في الحرب مع حزب الله. ويقول يعقوف اميدرور، وهو لواء بقوات الاحتياط الإسرائيلية يدير فرع التقييم والأبحاث بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «إن الاستخبارات الإسرائيلية لم تقطع صلاتها في غزة أبدا، مثلما حدث في جنوب لبنان». ويضيف: «يجب عليك المرور عبر إسرائيل لمغادرة غزة»، كما أنه تم تجنيد الكثير من المواطنين في غزة كمصادر معلومات لأجهزة الاستخبارات، وتستخدم غزة الشيكل الإسرائيلي، كما أن معظم الصادرات والواردات تتم عبر إسرائيل.

*خدمة «نيويورك تايمز»