زيباري لـ«الشرق الأوسط»: أوباما سيستمر في السياسة العامة لبوش .. وهذه السنة مصيرية للعراق

وزير الخارجية العراقي: من دون تحسن الوضع الداخلي العراقي ستبقى العلاقات الخارجية مضطربة

هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي (رويترز)
TT

اعتبر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن تحسن الوضع الداخلي للعراق، يجعله قادراً على بناء علاقات أفضل مع دول الجوار والمجتمع الدولي. وأضاف زيباري في حوار مع «الشرق الأوسط» أن «تولي الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما، الذي عارض حرب 2003، لن يغير الكثير من السياسة الأميركية في العراق، خاصة أن الاتفاقية الأمنية بين البلدين، وضعت إطاراً للعلاقات بينهما للسنوات الثلاثة المقبلة». وصرح زيباري بأن «العراق دخل في الأول من يناير (كانون الثاني) 2009، مرحلة جديدة لإنهاء ولاية القوات متعددة الجنسيات رسميًّا بقرار جديد من مجلس الأمن، وحسب الاتفاق بين الحكومتين العراقية والأميركية». وأضاف أيضاً: «حصلنا على حماية دولية للأموال والأرصدة العراقية سنة أخرى، وسنكون بمأمن من المطالبات القانونية الهائلة خاصة في خضم هذه الأزمة المالية الضاغطة جدًّا على الجميع». وتابع: «في تقديري هذا العام سيكون عام التحدي الأكبر بالنسبة للعراق والنظام السياسي وتركيبته وتوجهاته واستقراره. كل ما جرى خلال السنوات الخمسة الماضية كانت عمليات انتقالية مؤقتة، ولكن هذه السنة في تقديري ستحدد مصير العراق».

وفيما يخص العلاقات العراقية - الأميركية، وخاصة مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش وتولي الرئيس المنتخب باراك أوباما الرئاسة نهاية هذا الشهر، قال زيباري: «أسسنا اتصالات مع أركان الإدارة المنتخبة الديمقراطية الجديدة، وعلى الرغم أنه بعد كل فترة هناك إدارة واحدة ورئيس واحد ولا يجوز الازدواجية، ولكن هناك اتصالات على مستوى معين معهم في الفترة الانتقالية». واستنتج زيباري بناء على هذه الاتصالات، أنه «لن يكن هناك تغيير جذري أو انفكاك سريع من قبل الإدارة الجديدة من العراق، فاتفاقية انسحاب القوات خدمت إدارة أوباما جدًّا، لأنها وضعت أمامها اتفاقية جاهزة للتعامل مع الوضع العراقي خلال السنوات الثلاثة القادمة»، مضيفاً أن: «فريق الأمن القومي الذي اختاره أوباما، ملم كثيراً بالوضع العراقي وتعقيداته». ولفت الانتباه إلى أن ما يجري الآن في غزة والمخاوف من البرنامج النووي الإيراني سيجعل تركيز الإدارة الجديدة على استقرار المنطقة والعراق أحد العناصر الأساسية لذلك، ولا تستطيع الإدارة الجديدة التخلي عن هذا الموضوع بسرعة». وتابع: «الرسائل التي استلمناها هي رسائل تشير إلى الاستمرارية، ربما يكون هناك تغيير في تركيز أو مهام القوات وبعض أوجه السياسة، ولكن ليس في الخط العام»، موضحاً أن: «الاتفاقية الأمنية تعطي الإدارة الجديدة فرصة للتفكير فيها ومراجعتها على الأقل حتى تثبت أركانها، لذلك نحن لا توجد لدينا مخاوف من تغيير الإدارة أو التنافس في السياسة الأميركية». وكان مجلس الأمن قد ناقش قراراً تقدمت به الولايات المتحدة وبريطانيا في 22 ديسمبر (كانون الأول) لحماية الأموال العراقية وإنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وقال زيباري: «حققنا ثلاثة مكاسب من القرار الجديد لمجلس الأمن الذي استغرقت المناقشات والمداولات المكثفة حوله أكثر من أسبوع"، موضحاً أن: «العنصر الأول هو إشارة واضحة جدًّا لنهاية ولاية القوات متعددة الجنسيات، وكانت من الإشارات الواضحة أن وضع العراق اختلف عما كان عليه في عام 1990، وبشكل غير مباشر أن العراق ما عاد يهدد الأمن والسلم الدوليين، وما عاد خاضعا لشروط الفصل السابع والتدخل العسكري والحصار والدمار وهذا مكسب كبير، وكان مطلب أساسي للحكومة العراقية». وأضاف أن: «العنصر الثاني للقرار كان توفير حماية من مجلس الأمن للأموال والأرصدة العراقية في صندوق تنمية العراق، وهو الصندوق الذي يذهب إليه جميع إيرادات النفط العراقي بالإضافة إلى مبيعات النفط في عرض البحار أيضاً، فهذا النفط الذي يباع، لولا الحماية، لكان لأي شركة أو جهة مصادرة النفط في عرض البحر، للمطالبة بأموالها».

أما العنصر الثالث في القرار، فيتعلق بموقع العراق في المجتمع الدولي والقرارات الدولية المترتبة عليه. وقال زيباري: «العنصر الثالث الذي كان مهمًّا، وتفاوضنا بشراسة حوله، هو أننا طالبنا بمراجعة كافة القرارات المفروضة على العراق من قبل مجلس الأمن، وسيتم مراجعة جميع القرارات التي فرضت على العراق من خلال آلية مشتركة بين الأمانة العامة للأمم المتحدة والحكومة العراقية، وسنقدم تقريرا مشتركا خلال ستة أشهر». وقد أثار هذا التطور حفيظة الكويت؛ لأنه يشمل القرارات الخاصة بغزو العراق للكويت. وعبَّر زيباري عن تقدير الحكومة العراقية للموقف الكويتي، قائلاً: «حالياً مفروض على العراق حوالي 50 قراراً، وهذه المراجعة هدفها أن نرى ما هي القرارات السارية وغيرها غير السارية، وما هي البنود التي تم تنفيذها، وقد طمأنا الإخوة الكويتيين بأن هذا الموضوع لا يمس التزامات العراق بخصوص سيادة واستقلال وحدود الكويت، ومن باب الحرص على العلاقات المتميزة العراقية - الكويتية أبلغناهم بشكل رسمي التزامنا بجميع القضايا التي حددتها الشرعية الدولية». وتابع: «هذه المراجعة الشاملة تشمل العقوبات بالنسبة للصادرات والواردات والتفتيش والحصار والأسلحة ومجموعة هائلة من التصديقات والبيروقراطية الدولية في التعامل، وسترفع عن العراق الكثير من القيود بهدف أن يعود العراق كما كان بوضعه الطبيعي والقانوني كدولة مسؤولة في الأسرة الدولية أمام شعبها وجيرانها وأمام العالم». واعتبر زيباري أن «التطورات التي تخص القوات الأجنبية في العراق من حيث إبرام اتفاقية ثنائية بعيداً عن قرارات البند السابع بالإضافة إلى العمل على مراجعة القرارات المفروضة على العراق وتهيئ الناحية الدولية الأرضية لانطلاقة جديدة للعراق بالتخلص من كل تبعات الماضي». وأضاف أن «العراق مقبل على مرحلة جديدة بناء على الاستحقاقات السياسية لهذه السنة مع تقلص وتيرة العنف، ومع وجود حراك سياسي جيد، وتوفير خدمات وأداء حكومي أفضل وضعنا على الطريق الصحيح». وتابع: «لذلك عام 2009 سيكون عام التحدي الكبير بالنسبة للعراق، فأمامنا 3 انتخابات، وهي جرعة قوية من الديمقراطية وهي انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات مجالس الأقضية في الصيف، والانتخابات العامة في نهاية العام، بالإضافة إلى الاستفتاء حول الاتفاقية الأمنية». وفيما يخص العلاقات مع دول الجوار، أكد زيباري أن «آلية المشاورات بين دول الجوار التي انطلقت عام 2007 ما زالت صالحة ومهمة للعراق». وفي نهاية العام الماضي عقدنا اجتماعات للجان العمل الثلاثة، وهي لجنة الطاقة واللاجئين والأمن، وكان يحذونا الأمل أن نعقد الاجتماع الوزاري في بغداد لدول الجوار، لكن بسبب التطورات الميدانية وأحداث غزة وفترة العطل الميلادية والهجرية التي استمرت لم يحدث». وأضاف: «لكن هذه الآلية ما زالت قائمة ونحن مهتمون بها ونتابعها». وفيما يخص الطرح العراقي لإقامة منظومة أمنية لدول جوار العراق بما فيها دول الخليج وإيران وتركيا، قال زيباري: «هذا الموضوع حقيقة لم يتبلور إلى سياسة، فهي أفكار يطرحها بعض المسؤولين العراقيين»، موضحاً أن: «العراق يهمه المشاركة في منظومة الأمن الإقليمي، والمنظومات الموجودة حاليا هي مجلس تعاون الخليج وإيران كقوة مؤثرة»، الفكرة كانت -إذا كانت هناك الإمكانية- التفكير ببعض الترتيبات الأمنية المشتركة، آلية مجموعة الستة زائد 3 (دول مجلس التعاون والأردن ومصر والعراق) وقد شاركنا في اجتماعاتهم، هذه إحدى الطروحات ولكن ما زالت العملية في إطارها السياسي وتبادل الآراء ولم تتبلور إلى إجراءات فنية». وكان العراق قد شهد تحركاً في العلاقات مع دول الجوار، بما في ذلك إرسال عدد من الدول العربية منها الإمارات والأردن، سفراء إلى بغداد. واعتبر زيباري أن «العملية ما زالت في بدايتها، ولكن كانت هناك إشارة سياسية من تلك الدول لضرورة التعاطي مع الوضع العراقي كما هو، وهذه الدول أعادت فتح سفاراتها مجددا، والتواصل المكثف مع هذه الدول مستمر». وأضاف: «قريباً سنرسل عدداً من السفراء إلى سورية ولبنان وتركيا، بعدما حصلنا على موافقات على مرشحينا، وقد رشحنا آخرين إلى البحرين والسعودية». وشدد زيباري على انعكاس الوضع العراقي الداخلي على العلاقات مع دول الجوار والعالم، في ردّه على سؤال حول العلاقات العراقية - الإيرانية. وقال: «عملياً بعد التحسن الأمني الذي صار على الأرض ميدانياً نتيجة لجهود الحكومة والتعاون مع القوات متعددة الجنسيات، بدأت الدول تعيد النظر في حساباتها وبرامجها»، مضيفاً: «بشكل عامّ، لا نقول التدخلات (الخارجية) توقفت ولكن أقل وأخف مما كانت عليه سابقاً، وبخاصة بعد إنجاز الاتفاقية بيننا وبين الولايات المتحدة والتي أوفت بمطالب هذه الأطراف، مثل جدولة الانسحاب وتقديم مواعيد زمنية». وتابع: «بشكل عامّ العلاقات مع إيران أفضل، وكان السيد رئيس الوزراء (نوري المالكي) في إيران أخيراً، وهناك اتصالات مستمرة بيننا على المستويات كافة»، موضحاً: «أنا كنت مؤمنًا بأنه ما لم يتحسن الوضع الداخلي العراقي الأمني والسياسي والاقتصادي، فستبقى العلاقات العراقية الخارجية مضطربة، فمهما كانت قوة العلاقات الخارجية، إذا كانت العلاقات الداخلية تفتقد التعايش والتكاتف ستتأثر». وأضاف: «جميع دول الجوار، تركيا وإيران وسورية، شهدت انفراجات حقيقية العام الماضي». وعن العلاقات مع تركيا، قال: «العلاقات الآن أفضل جداً جداً، وقد تلقيت دعوة رسمية لزيارة تركيا هذا الشهر». وأضاف أن التغيير «الايجابي» في العلاقات مع تركيا ضروري، موضحاً: «العلاقات بين العراق وتركيا تاريخية وقوية، وفيها فائدة للطرفين، وما سمّم هذه العلاقة تواجد عناصر حزب العمال (الكردستاني) على الحدود وقيامهم بنشاطات الإرهابية ومسلحة، وهذه العقدة التي عقدت العلاقات». وأضاف: «التوجه التركي السابق كان تجاوز الإقليم وتحميل المركز (بغداد) كل شيء، فبحث الأمور من دون مشاركة مسؤولي إقليم كردستان والأميركيين لم يفلح، وقد توصل الأتراك إلى قناعة بضرورة تفعيل اللجنة الثلاثية التي طالبت بها بغداد وبمشاركة أعضاء من حكومة الإقليم». وتابع: «كانت الحكومة التركية ترفض مشاركة مسؤولين من الإقليم وكان الموضوع من المحرمات، ولكن الوضع تغير والآن هناك مشاورات مباشرة، والكل متفق على عدم قبول العراق بوجود أي مجموعات مسلحة واستخدام أراضيه للإرهاب والعدوان على دول أخرى». وهذا القرار مرتبط بقضية «مجاهدين خلق» المعارضة لإيران، التي استلمت الحكومة العراقية الوصاية على معسكرها في العراق. وقال زيباري: «لقد سلم الأميركيون المعسكر إلى الجانب العراقي، وقد أعطى العراق التزامات بأنهم سيعاملون معاملة إنسانية وإيضا سيمنح لهم المجال لترك العراق بشكل طوعي ومن دون التعرض للضغط». وأضاف: «لكن في نفس الوقت العراق لن يسمح باستخدام أراضيه لمهاجمة دول أخرى». وفي ما يخصّ الهجوم الإسرائيلي على غزة، قال زيباري: «أحداث غزة تجرح كل مواطن عربي ومسلم، وأي إنسان حول هذه الجرائم والمجازر والقتل اليومي، وسط حالة عجز في المنطقة والدول العربية والأسرة الدولية لوضع حد طبيعي». وأضاف: «هناك إشكالات سياسية حقيقية، وقد ثبّتنا موقف العراق في إدانة هذا العدوان والوقوف مع الإجماع العربي مع أي موقف يتخذونه، وقد حذّرنا من أن الذهاب إلى مجلس الأمن ليس مضموناً، مثلما يتصورون»، موضحاً: «كل الجهد مركز الآن على إصدار قرار من مجلس الأمن لوقف العدوان، ولا بد من إجراء مصالحة فلسطينية - فلسطينية». وطالب زيباري بـ«تجنب التوترات التي صارت ضد بعض الدول العربية، وبخاصة مصر، التي نشعر أنهم متألمون جداً جداً من المظاهرات والمواقف ضدهم، وهذه المسألة لن تفيد الفلسطينيين ولا العرب». وتابع: «لا بد من وجود طرف فلسطيني لإسرائيل تتفاوض معه، ومنع إسرائيل من التمادي في أعمالها».