دول البلقان وأوروبا الشرقية تتجمد.. من الصقيع

مدارس تقفل أبوابها وشركات تتوقف عن العمل بسبب نقص الغاز بعد قرار روسيا إغلاق أنابيبها

TT

لم يكن قرار روسيا قطع الغاز عن أوروبا بسبب خلاف مع أوكرانيا، هو الهدية التي توقعها آلاف الصرب والمسيحيين الذين ينتمون للطائفة الأرثوذكسية في يوم احتفالهم بعيد الميلاد. ففي دول البلقان التي انخفضت فيها درجات الحرارة بشكل كبير وصلت الى 25 درجة مئوية تحت الصفر، استيقظ عشرات الآلاف من السكان في منازل تتجمد من البرد، وهرع الكثيرون الى المحال التجارية لشراء المدافئ الكهربائية، في حين أقفلت المدارس في بلغاريا أبوابها وتعطل عدد كبير من الشركات بسبب نقض الغاز. وقد نزل خبر قطع روسيا للغاز كالصاعقة على دول البلقان وبلدان أوروبا الشرقية، وهي البلدان الأكثر تأثرا بقطع امدادت الغاز عن أوروبا لأنها تعتمد بشكل كبير على روسيا في التزود بالغاز، وبعض هذه البلدان يستورد أكثر من 70 في المائة من حاجاته من روسيا عبر الأنابيب التي تمر في اوكرانيا.

وفي حين حاول الكثيرون البحث عن بديل عبر شراء المدافئ الكهربائية في البلقان، استعاض آخرون بالخشب عن الغاز، ولا سيما سكان الأرياف وضواحي المدن. وكانت عملية قطع الغاز مفاجئة بالسنبة لسكان البلقان، اذ عجز الكثيرون عن تأمين وسائل تدفئة بديلة بسبب نفاذ الكميات المعروضة في الأسواق.

وقال كريمن مادريتش في سراييفو لـ«الشرق الأوسط»: «كنت ممن توجهوا مساء أمس إلى السوق لشراء مدفئة كهربائية، ولكني لم أجد شيئا في السوق». وأضاف: «جميع أفراد الأسرة، وعددنا سبعة، قضينا الليلة كما سنقضي بقية الأيام المتجمدة من دون تدفئة، في غرفة واحدة حيث لدينا مدفئة كهربائية اشتريناها في وقت سابق وضعناها في الغرفة وتكدسنا حولها». وأثرت عملية قطع الغاز على الحياة العامة في سراييفو، اذ أكد الكثيرون أنهم لم يستحموا أو حتى يحلقوا لحاهم منذ انقطاع الغاز. وكان الصرب والكروات والبوسنيون والكوسوفيون قد مروا بحالات سابقة قطع فيها الغاز الروسي، لا سيما أثناء حرب التسعينات، وقد تمكنوا من التكيف مع الظروف المناخية المتجمدة في غياب التدفئة بالغاز، ومن ذلك الاحتفاظ بملابسهم كاملة عند النوم. كما كانوا يستخدمون أرضية المنازل الخشبية للتدفئة. واجتمعت الحكومة الصربية من أول أمس لمناقشة الإجراءات التي سيتم اتخاذها أثناء الأزمة وطلبت من السكان ترشيد استهلاك الطاقة، محذرة من أن فترات انقطاع التيار الكهربي ربما تصبح حتمية.

أما في بلغاريا، وهي أقل الدول ثراء بين دول الاتحاد الأوروبي وهي في وضع حرج بشكل خاص لأنها لا تستطيع الوصول الى خطوط أنابيب بديلة، فقد أمضى الآلاف ليلة قارسة البرودة بدون تدفئة مركزية وأغلقت بعض الشركات والمدارس أبوابها أمس. وقال مسؤولون في البلدية ان التدفئة المركزية انقطعت عن حوالي 12 الف منزل في فارنا، ثالث أكبر مدينة بلغارية، و3800 منزل في مدينة رازغراد الشمالية الشرقية لان مرافق التدفئة تحتاج لوقت للتحول الى أنواع بديلة من الوقود. وحتى أن ادارة احد المستشفيات الرئيسية في ثاني أكبر مدن البلاد، بلوفديف (في جنوب بلغاريا)، قد أعلنت عن عدم استقبال النزلاء والمرضى بسبب عدم تمكنها من توفير التدفئة اللازمة لهم.

وانخفضت التدفئة بشدة في العاصمة صوفيا رغم نزول درجات الحرارة الى ما دون الصفر وظلت عشرات المدارس ودور الحضانة مغلقة. وأدى انقطاع الغاز الى توقف مصنعين للأسمدة عن العمل كما تعطل الانتاج في مصنع كيتكا للزجاج وفي عدة مخابز كبرى أمس. وذكرت شركات أخرى تعتمد على الغاز مثل منتجي المعادن والكيماويات والأدوية أنها قد تضطر لإغلاق أبوابها هي الأخرى. وقال اتحاد أصحاب الأعمال في بلغاريا ان خسائر الشركات والمصانع تصل الى 500 مليون ليف (ما يعادل 367 مليون دولار أميركي) يوميا، نتيجة توقف العمل مما يلحق مزيدا من الضرر بالاقتصاد الذي يواجه بالفعل انكماشا بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي. وجاءت هذه الأزمة في موسم قاسي بالنسبة لبلغاريا وبقية دول المنطقة التي تجتاحها موجة من البرد القارس، خصوصا أن محطات التدفئة وتسخين الماء للشقق والمساكن تعتمد على الغاز. وكان عدد من اصحاب الشقق قد تخلى أصلا من الاستفادة من الخدمات التي توفرها تلك المحطات بسبب الارتفاع المتواصل للأسعار، الا ان الأزمة الحالية سترغم المزيد من المواطنين، وحتى أولئك الذين كانوا يتمكنون من تسديد فواتير التدفئة والتسخين، الى البحث عن بديل يتمثل في الغالب في استخدام الكهرباء. وفي ظل هذه الأزمة، اعلن رئيس البرلمان البلغاري غيورغي بيرانسكي عن استعداد برلمانه لعقد جلسة طارئة لبحث الآثار المحتملة لهذه الأزمة على البلاد وسبل التخفيف منها. وفي هذه الأثناء، طلبت الحكومة الى المواطنين التقشف في استخدام الغاز وأنواع الوقود الأخرى، لان المخزون المتوفر لديها حاليا من الغاز يكفي فقط لعدد محدود من الايام، بين 5 الى 15 يوما. وتتخوف السلطات البلغارية من أنه اذا لم يتم حل هذه الأزمة في غضون الأيام القليلة المقبلة، فان اقتصاد البلاد والمواطنين العاديين سيكونون من المتضررين.

وقد أعلن فعلا اتحاد منتجي الخبز عن احتمال ارتفاع اسعار الخبز. وطلب اتحاد سائقي سيارات الأجرة من اعضائه بالتحول الى استخدام البنزين بدلا من الغاز. وأمر وزير التربية والتعليم دانييل فلتشيف بغلق المدارس ووقف عملية التدريس فيها اذا لم تتمكن إدارات تلك المدارس من توفير التدفئة اللازمة للصفوف والغرف الدراسية. وقد أقفلت بالفعل بعض المدارس أبوابها أمس وأعلنت استمرار الأقفال لغاية بداية الأسبوع المقبل مبدئيا. وقال مسؤولو ومديرو دور الحضانة ودور العجزة وبعض المدارس انهم قد يضطرون الى جمع اطفال وتلامذة عدد من المدارس والدور داخل مدرسة او دار واحدة وغلق ما تبقى للتقشف.

ويحذر الخبراء بهذا الخصوص من الضغط المتوقع ان تتعرض له امدادات الكهرباء نظرا للإقبال الكبير على استخدام هذه الطاقة. ويقول وزير الاقتصاد والطاقة بيتار ديميتروف ان وزارته على استعداد لتوفير كميات اضافية من البدائل ولا سيما المازوت للتخفيف من حدة هذه الأزمة. وطلب الرئيس البلغاري غيورغي بارفانوف من المفوضية الأوروبية السماح لبلاده باعادة العمل في مفاعلين نووين لانتاج الطاقة الكهربائية تم اغلاقهما في وقت سابق من قبل المفوضية الأوروبية بسبب عدم توفير «ما يلزم من اجراءات السلامة».

كما طلب الرئيس البلغاري غيورغي بارفانوف بعقد اجتماع عاجل للمجلس الاستشاري للأمن الوطني سيتم فيه بحث الأزمة الحالية والإجراءات الواجب اتخاذها للحد من الآثار الناجمة عن وقف إمدادات الغاز الى البلاد. وبانتظار حل الأزمة، لا يزال سكان البلقان ودول اوروبا الشرقية صامدين، على الأقل مؤقتا، ويكافحون درجات حرارة شديدة الانخفاض وصلت الى 25 في المائة تحت الصفر في بعض البلدان، إلا ان آثار الأزمة قد تتفاقم وتتحول الى خسائر في الأرواح والماديات اذا ما طالت كثيرا، علما ان بولندا خسرت بالفعل 10 أشخاص، قتلوا بسبب الصقيع.